طوفان الكراهية
بقلم: حسن توفيق
في أحد بيوت حي شبرا الشعبي بالقاهرة كان ميلادي.. تفتحت عيناي علي المحبة الصادقة بين الجيران من مسلمين ومسيحيين.. أمي كانت تتبادل الهدايا والأطعمة مع جارتها المسيحية في مناسبات عديدة باستمرار، وانا -حتي المرحلة الإعدادية- كنت أذاكر وألعب مع عايدة ابنة الجارة المسيحية والتي أصبحت -فيما بعد- طبيبة مشهورة، ولها عيادة خاصة قريبة من مكان العيادة التي كان الشاعر الرقيق- الدكتور إبراهيم ناجي يعالج فيها مرضاه ولا يتقاضي أجرا من الفقراء.
الآن.. أسكن في حي الزيتون بالقاهرة، منذ أن عملت في دوحة قطر، وخلال إجازاتي السنوية أقوم بزيارات منتظمة لورشة الزيتون التي يديرها الشاعر شعبان يوسف، حيث التقي مع أدباء وشعراء ونقاد، منهم من هم مسلمون ومنهم كذلك مسيحيون، لكني ألاحظ ويلاحظ هؤلاء معي مظاهر شائكة في شارعين متلاصقين، ففي الشارع الأول تقع كنيسة السيدة العذراء وأمامها مستشفي باسم السيدة العذراء، وهناك دائماً عساكر شرطة يرابطون بالقرب من الكنيسة والمستشفي، أما الشارع الثاني فإنه يغلق تماماً أمام حركة المرور حيث يقام فيه سرادق ضخم، تباع فيه ملابس المنقبات، وتوزع فيه إعلانات عن لبن الناقة الذي يقال إنه يشفي من جميع الأمراض، بما فيها الأمراض المستعصية.
بعيداً عما كان في حي شبرا وما هو كائن في حي الزيتون، فإن كثيرين ممن يتابعون مسيرة الحياة علي الأرض العربية عموماً يكادون يشهدون طوفاناً ليس منظوراً يجتاح الصدور بعد أن تمرغت روح المحبة في الأوحال.. هناك شيعة وسنة وعرب وأكراد وتركمان في أرض عربية، وهناك أمازيغ وعرب في أرض عربية أخري، وهناك أرض عربية توشك أن تتفتت وتتحول إلي شظايا ما بين جنوب وشمال وغرب وشرق.. أجداد وآباء الذين يجتاح الطوفان غير المنظور صدورهم كانوا نماذج إنسانية مشرقة للتآخي وللمحبة، ولم يكونوا يتنافسون إلا فيما يخدم الأرض التي يعيشون فوقها.
منذ عدة أشهر، أتلقي رسائل - عبر الإيميل- وكلها تتحدث عن الغزو العربي لمصر علي يد الطاغية عمرو بن العاص وعن اضطهاد الأقباط في مصر وعن هدم كنيسة وكل هذه الرسائل وسواها ملأي بالمغالطات والأكاذيب والافتراءات، وهي - جيمعها - تتحرك بأمواجها الملوثة ضمن طوفان الكراهية.
لم يعد العالم يبالي بنا، وإذا كان هناك من يتفرجون علي ما يجري بأيدينا، فإن نظراتهم تتراوح ما بين الشفقة أو السخرية أو الاحتقار، بينما يظل طوفان الكراهية يجتاح الصدور، ويظل قتل الإنسان للإنسان مادة يومية معتادة، تتكرر في نشرات الأخبار!
التعليقات (0)