طوائف أم أحزاب ـ د . محمد عبد الله الأحمد

وجهة نظر تلامس الأسباب والأهداف والنتائج ، وتسلط الضوء نحو نهاية للنفق الذي تمر فيه الأوضاع في سورية حاليا .. 

منقووووووووووووووول .. 

 لم أكن أعتقد في حياتي أنني سأكتب يوما عنوانا كهذا لمقالة تخص الشأن السوري ! ومع اعترافي للأمانة أن الطائفية موجودة بحدود في بلدي وهناك من يضعها كسَمْتٍ قياسي – تعيس – للتموضع الحياتي أو الوظيفي .... إلا أنها ليست بالمطلق عرفاً ولا قاعدة حياة ، لكنها ذات جذر تاريخي يعاد إنتاجها بين مدة وأخرى بالعلاقة مع تغييرات العالم ، والعالم العربي وبوصلة المصالح ، حيث يتحداها عقلاء المجتمع وتتبناها الدهماء دوماً ومعهم المرتكبون ، وذلك لأن الطائفة تشبه البطانية التي تغطي سوءة المرتكب بصرف النظر إن كانت سوأته من العيار الثقيل أو جنحة صغيرة ..

فالمذنب يبحث دوماً عن الغطاء التي يقبل أن يدفئه برغم أن عليه أن يعرى ويتلقى عقاب المجتمع العادل .

وحيث تتعرض بلدنا لمنعطف تاريخي ربما تصاب بعده بالعدوى اللبنانية التي لم تنفع معها منذ 2003م حيث قام الأمريكي بتمرير الفيروس إلى العراق وصمدت سوريا أمام المرض ، لأنها حافظت على مقاومتها وحافظت على نظامها الوطني ، ثم ارتكبنا خطيئة القبول بشكل غير مفهوم أن نخوض تجربة اقتصادية ليبرالية على يد السيد فريق اقتصادي (متلبرل) حيث ظنت القيادة ـ خاطئة - أنه من الممكن التشبه بالتجربة التونسية التي كيل لها المديح الأوروبي ( الغشاش ) بشكل مقصود سياسيا ، فوقعنا في الفخ !

فأنضج هؤلاء ومَن معهم ، سوريا لكي تصل إلى آلامها السياسية اليوم ، برغم أننا لم نقصر في التحذير الشديد من خطر التجربة ، ولكن صوتنا على ما يبدو كان أجشّ إلى درجة من الصعب سماعها على القيادة ، حتى إن أحد الاقتصاديين البعثيين كتب صراحة منذ عدة سنوات أنه إذا بقيت الحال الاقتصادية كذلك فلا بد من زلزال سياسي قادم !!

لكن صوته ذهب إلى الصدى الراجع إلى أصحابه فقط ..  

بكل حال اليوم نحن في قلب الزلزال حيث يستغل العالم المتآمر علينا ما يحصل لكي يحقق الأهداف التالية :

1 ـ تعويض ما خسره في مصر بكسب سوريا .

2 ـ محاولة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بإنهاء المقاومة .

3 ـ تفتيت سوريا إلى محميات طائفية .

4 ـ قيادة مطالب الناس المشروعة إلى الهاوية ..

وإذا كان علينا أن نفهم الصورة ، فالأحرى بنا أن نستعجل الحلول الوطنية ، ونسحب البساط من تحت أقدامه ، وذلك بإقامة الجمهورية الثالثة بأيدينا بدلا من أن نكون أمام خمس جمهوريات سورية (ثالثة) !

وليبدأ الأمر بجملة من الأفعال السياسية و الإجراءات أهمها قانون الأحزاب .. وتليه الإصلاحات الأخرى ..

 وتأتي أهمية قانون الأحزاب في هذه اللحظة لأنه سيمنع حوزبة الطوائف القادمة بسرعة ، سيفرضها الإيقاع الذي نراه في الشارع ! الذي وبرغم أن جزءا كبيرا منه غير طائفي ، إلا انه لابد من الإقرار بأن خروج الاحتجاج من المساجد و أيام الجمع يعطي الأمر طعما دينيا له ما بعده ..

إن التفكير باستقرار سورية غير ممكن دون استشراف مستقبلها القادم وعدم ارتكاب خطأ الانشغال البليغ بالمشهد الأمني لأنه على ما يبدو أن هذا المشهد سيطول ! نعم سيطول ولا يعلم إلا الله متى ستنتهي فصوله أمام (الاستكلاب) العالمي في استغلال المشهد لقتلنا جميعاً .

وإن صدور قانون أحزاب عصري وعلماني لا يسمح بإنشاء حزب الطائفة أو حزب على أسس دينية سيكون هدية تاريخية للأجيال السورية القادمة حتى إذا غادرنا الحياة يجدون ما يترحمون به علينا ، وإلا فان الطوائف ستخرج من قمقمها لكي تضرب على صدرها وتقول : أنا الحزب ! .. أنا الحزب .. هيا إلى الانتخابات ..

ومعروف لكم من هو أمين عام حزب الطائفة بصرف النظر عن لفته وعمامته وقلوسته وطربوشه ...

ويا لمشهد الطرابيش !!

وصدقوني ، إنه مهما كان خطاب العمائم واللفات والقلوسات متسامحاً ووحدوياً إلى انه يعرف الاختلاف قبل كل شيء لأننا أمام الوطن يجب أن نكون حاسري الرأس ومدنيين وعلمانيين خصوصا إذا كنا مؤمنين بالله ، نعم وأقولها قبل أن أهمس بها لغير المؤمنين : فلقد شاب الديانات والطوائف ما يجعل الأوطان تنتج الدم أكثر مما تنتج أي شيء آخر ..

وهذا العالم كله أمامنا فانتصحوا يا رعاكم الله ورعتكم أوطانكم طالما كانت قادرة على الحياة المتوازنة دون بعبعة الطوائف القاتلة لكل ما هو جميل ..  

د . محمد عبد الله الأحمد