إن من أخطر المشاكل التي يواجهها كثير منا أن هناك خطايا خفية تتسربُ إلى القلوبِ على حينِ غفلةٍ من أصحابِها، بل إن بعضهم يتآلفُ مع هذه الخطايا فلا يتفقدُها في نفسِه، بل ربما قاموا بتبريرِ ارتكاب هذه الخطايا، من خلال اصطناع المعاذيرَ، وفتح سُبلَ التهربِ، ووضع هالة من الضبابِ يسترُ بعضهم عن نفسِه وعن من حولَه خبيئتَه. خذ على سبيل المثالِ بعضَ ظواهرِ خطايا القلوب:
الحقد: ان الحقدَ داءٌ خبيث، وخلقٌ مكروه قبيح، لأن صاحبه يخفي الضغينة، ويستر العداوة في قلبه، ويتحين الفرص لإظهاره في وقت الكبوات. فالحاقد حين يحقد يضمر الشر للناس إذا لم يتمكن من الانتقام منهم، ويخفي ذلك إلى وقت إمكان الفرصة، ويتربص لفرصة الانتقام ممن حقد عليه. ومهما يكن من أمر فإن الحقد ثمرة من ثمرات الغضب، لان الغضبَ اذا لم ينفذه صاحبُه، صار كظماً، وإذا استمر وعجز صاحبُه عن الانتقام انقلب إلى التشفي في الحال، ثم رجع الى الباطن واحتقن فيه فصار حقداً. فالحقد ناتح عن بغض شديد، وعداوة قلبية تتحول إلى غل، تقتضى التشفى والانتقام. وهذا هو آخر مراحله.
من جهة أخرى، فإن الحاقد إنسان مريض بمرض نفسي ويعاني من تضارب الملكات، بل في الحقيقة يمكن اعتباره مجرماً وجريمته نفسية، لأنه مصاب بكارثة تسبقها عقوبتها. فالحاقد قلبه يتمزق عندما يرى المحقود عليه فى خير. هكذا هم الحاقدون لا يتمنون الخير لأحد يبغضونه.
إن الذين يصابون بمرض السرطان، في بعض حالاتهم يكونون أحسن حالاً من الذين يصابون بمرض الحقد، ذلك أن الحقدَ حملٌ ثقيلٌ يُتعبُ حاملَه؛ ويشغل فكره، بل يجعله يبحث عن كلمة يُخرجها، كي تزعج المحقود، فهو في قلق دائم، ولا يهنأ بمنام، ولا يتلذذ بلقمة، همه زائد، وغمه متكدس.
ومن مخاطر مرض الحقد، أنه يبعد صاحبه عن الإيمان، لأن الأصل في المؤمن أن يكون صدره سليماً، راضياً بقضاء الله وقدره، ينشر المحبة، ولهذا قال تعالى في سورة الحشر، يمتدح المهاجرين والأنصار لخصال طيبة فيهم، إنهم يسألون الله تعالى ألا يجعل في قلوبهم حقداً ولا غلاً للذين آمنوا: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا ). ولما كانت الجنة دار سعادة، كان لا بد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين من كل حقدٍ، قال تعالى فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [سورة الأعراف: 43]
يقول الشاعر:
الحقـد داء دفين ليس يحمله --- إلا جهول مليء النفس بالعلل
مـالي وللحـقد يشقيني وأحمله --- إنـي إذن لغبي فاقد الحيل
سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي --- ومركب المجد أحلي لي من الزلل
إن نمت قرير العين ناعمها --- وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
وأمتطي لمراقي المجد مركبتي --- لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مبرأ القلب من حقد يبطئني --- أما الحقود ففي بؤس وفي خطل
ليس هناك أهنأ من مسلم يتحلى بسلامة الصدر، شعاره العفو، سلوكه مسامحة الآخرين، غايته رضا الله عز وجل قدوته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك الصحابي الذي شهد له رسول الله عليه السلام بالجنة؛ لأنه كان لا ينام إلا وقد محا من قلبه كل أشكال الحقد على المسلمين، وهذه مهمة صعبة، ولهذا شهد له المصطفى عليه الصلاة والسلام بالجنة.
التعليقات (0)