مواضيع اليوم

طموح النساء يقتل الرجال

حسن توفيق

2009-03-06 20:02:43

0

طموح النساء يقتل الرجال‏بقلم‏ :‏ رجاء النقاش

 عندما تكون المرأة شديدة الطموح فإن الرجل الذي تحبه وترتبط به يكون في خطر كبير ويكون مصيره في الغالب مصيرا مؤلما‏,‏ وقد ينتهي الأمر إلي ضياع حياة الرجل الذي تقف وراءه امرأة من هذا النوع‏.‏ والحقيقة أن الطموح في حد ذاته هو فضيلة من أكبر الفضائل‏,‏ ولكن الطموح عندما ينحرف عن هدفه ويتجاوز حدوده الطبيعية فإنه ينتقل من قائمة الفضائل ليصبح مرضا يؤذي أصحابه‏.‏ والطموح إذا انحرف تحول الي طمع‏,‏ واستباح في طريقه ما لاتبيحه الأخلاق والمبادئ والسلوك الإنساني المستقيم‏.‏ والشئ الذي يحافظ علي ما في الطموح من نبل هو أن يحرص صاحبه علي ألا يخلط بين الطموح والطمع‏,‏ فالطموح النبيل هو قوة محركة للاجتهاد من أجل الوصول إلي أهداف جميلة ولكنها صعبة‏,‏ أما الطمع فإنه شعور ينطوي علي التدمير والهدم‏.‏
الطموح النبيل لابد أن يعتمد علي نفس صافية طاهرة ليس فيها عدوان علي أحد‏,‏ أما الطموح الشرير فهو الطمع في شيء ليس للإنسان حق فيه‏,‏ بل هو حق للآخرين‏.‏ وفي هذا الطموح الشرير فإن كل الوسائل مباحة‏,‏ حتي لو كانت هذه الوسائل هي الجريمة والتآمر والخداع والغدر وخيانة الثقة والأمانة‏..‏ والمهم عند أصحاب الطموح الشرير هو النجاح والوصول الي الهدف ولو كان ذلك علي أشلاء أعز الناس في هذا الوجود وفي مسرحية شيكسبير الجميلة ماكبث نجد دراسة عالية القيمة للطموح القبيح ومايترتب عليه من نتائج بالغة السوء‏.‏ فهذا النوع من الطموح يؤدي إلي نشر الفوضي في الحياة وينتهي بفقدان أصحابه لكل ماكسبوه من غنائم وانتصارات‏,‏ لأنهم وصلوا الي ذلك بطرق ملتوية وأياد ملوثة وضمائر غير مستقيمة ونيات سيئة‏.‏
وهناك نقاد وباحثون كثيرون يستنكرون القول بأن شيكسبير هو فنان فيه بساطة وسهولة وشعبية‏.‏ فهؤلاء النقاد يظنون أن شيكسبير هو فنان أكبر وأعمق وأكثر تعقيدا من أن يهتم بالمشاكل الشائعة والمعروفة بين الناس‏.‏ ويحاول هؤلاء النقاد أن يفتشوا في كل عمل من أعمال شيكسبير عن المعاني الصعبة والتي تختفي وراء الأحداث الظاهرة في مسرحياته وقصائده‏.‏ وكثيرا ما نجد تناقضا شديدا بين أعمال شيكسبير السهلة الواضحة وبين تفسير بعض أعمال شيكسبير السهلة الواضحة وبين تفسير بعض نقاده لهذه الأعمال ومايحمله هذا التفسير من تعقيدات غير محدودة‏..‏ والحقيقة أن شيكسبير كان في الأصل فنانا شعبيا يكتب أعماله المسرحية الشعرية للعرض علي جماهير واسعة‏,‏ وكان يحرص‏,‏ قبل كل شيء آخر‏,‏ علي أن يجتذب هذه الجماهير الكبيرة ويكون مفهوما منها وقريبا من قلبها وقادرا علي أن يجمعها حول أعماله الفنية الجميلة‏.‏ ولم يكن شيكسبير في حدود المعلومات القليلة المتاحة عنه يكتب أبدا من أجل الخلود الأدبي‏,‏ بل لعله كان أقل الناس حرصا علي شئ من ذلك‏,‏ وكل ماكان يعنيه قبل أي شيء آخر هو أن يقدم فنا يهتم به الناس ويعالج مشاكلهم ويحقق لهم المتعة التي يحققها كل فن جميل دون أي تعقيد أو ثرثرة‏,‏ ومن حق شيكسبير أن يقال عنه‏:‏ إنه فنان شعبي بالدرجة الأولي‏,‏ وهذه الروح الشعبية الصادقة هي التي حققت له مالم يفكر فيه أو يسعي إليه‏,‏ أي أنها حققت له الخلود الأدبي الذي يزداد نورا وتوهجا من جيل الي جيل‏.‏ وهذه الشعبية في فن شيكسبير هي التي جعلت من المشاكل الإنسانية الشائعة موضوعات أساسية في مسرحياته‏,‏ حيث كان يهتم بمعالجة هذه المشاكل دون أن يخجل من ذلك‏,‏ ودون أن يشعر بأنها موضوعات شائعة ودارجة وأنها ميسورة بالنسبة لأي فنان عادي‏.‏ وقد عالج شيكسبير موضوعات مثل الغيرة العمياء في مسرحية عطيل و الحب المثالي الذي يتعرض أصحابه في سبيله للخطر والتضحية بحياتهم في مسرحية روميو وجولييت‏,‏ والحقيقة أن شيكسبير قد عالج مثل هذه الموضوعات بعبقرية فنية فريدة‏,‏ وكان يدرك أن هذه الموضوعات رغم أنها شائعة إلا أنها في النهاية تمثل حياة الناس‏,‏ وأنها هي المشاعر العواطف الرئيسية التي تتحكم في البشر في كل العصور والأجيال‏.‏
في هذا الإطار نستطيع أن نقرأ مسرحية ماكبث التي تعالج مشكلة الطموح الإنساني عندما ينحرف وينقلب إلي طمع فيغري أصحابه بارتكاب الأخطاء لتحقيق مايطمعون فيه‏,‏ وينتهي الأمر بهم الي إهلاكهم وتدمير حياتهم والقضاء علي ماكانوا يعيشون فيه من سعادة ممكنة‏.‏ وقد أطلق بعض مؤرخي الأدب علي مسرحية ماكبث اسم مسرحية الطمع والطموح‏,‏ فهذا هو الموضوع الأساسي للمسرحية‏,‏ إذا أردنا أن نفهمها علي حقيقتها دون تعقيد أو افتعال‏.‏
وخلاصة مسرحية ماكبث باختصار شديد هي أن القائد العسكري ماكبث يقتل الملك الطيب دنكان عندما كان الملك يقوم بزيارة ماكبث قام الملك بهذه الزيارة تعبيرا منه عن الشكر والتقدير لقائده العسكري الشجاع‏,‏ بعد أن انتصر هذا القائد في معركة كبيرة ضد أعداء سكوتلندا التي تدور فيها الأحداث‏.‏ وهكذا قام ماكبث بقتل الملك وهو يزوره في قصره‏,‏ وكان الملك عند ارتكاب الجريمة نائما في قصر ماكبث حيث كان هذا الملك واثقا من ماكبث مطمئنا إليه وإلي ولائه الصادق وإخلاصه الكبير‏.‏
فما الذي دفع ماكبث إلي ارتكاب الجريمة القائمة علي الغدر والخيانة واستغلال ثقة الملك به؟ إن المحرض الأول علي هذه الجريمة هي الزوجة أو الليدي ماكبث‏,‏ و ماكبث ليس بريئا تماما من التفكير في الجريمة‏,‏ فقد راودته نفسه علي أن يكون ملكا بدلا من الملك الشرعي‏,‏ وظن بعد أن حقق انتصاره في المعركة العسكرية التي خاضها أنه أولي بالعرش من الملك‏.‏ وهذه مشكلة إنسانية كبيرة تتكرر في مراحل التاريخ المختلفة‏.‏ فالعسكريون عندما ينتصرون في الحروب فإنهم يشعرون بالميل الشديد إلي أن تكون السلطة العليا بأكملها في أيديهم‏,‏ فما داموا قد انتصروا في الحرب فإن ذلك يعطيهم الحق في أن يجلسوا علي العروش وأن يحكموا الناس وحدهم بغير شريك لهم في ذلك‏.‏ فالسيف عند العسكريين هو الذي يحقق شرعية السلطان‏.‏ ولكن ماكبث مع ذلك كان مترددا في ارتكاب جريمته‏,‏ وكانت شخصيته منقسمة علي نفسها بين الرغبة في أن يكون ملكا بدلا من الملك وبين الإحساس بأن الجريمة التي لابد أن يرتكبها ليصل إلي هدفه هي جريمة تخلو من الشرف وتقوم علي الغدر والخيانة‏.‏ وعندما كان ماكبث يعاني من هذا القلق بين طموحه إحساسه بالواجب تجاه الملك الشرعي‏,‏ ظهرت زوجته الليدي ماكبث لتقول‏:‏ إنها باسم حبها له تريد أن تراه ملكا‏,‏ فهذا هو مايستحقه في نظرها‏,‏ والحقيقة أن الليدي ماكبث هي نفسها كانت شديدة الطموح لأن تكون ملكة علي العرش‏.‏ وهذا لن يتحقق إلا إذا قام زوجها بقتل الملك وحل محله‏.‏ ولذلك فقد أخذت الزوجة باسم حبها لزوجها تحرضه تحريضا شديدا علي ارتكاب جريمته‏,‏ وأخذت تؤنب الزوج علي تردده وتؤكد له أن كل شئ‏,‏ وحتي الجريمة‏,‏ يبدو وسيلة عادية في سبيل تحقيق هدف كبير هو الوصول إلي العرش‏.‏ بل لقد حاولت الزوجة أن تقوم هي نفسها بقتل الملك وهونائم في قصرها‏,‏ ولكنها عندما نظرت إلي وجه الملك المستغرق في نومه باطمئنان‏,‏ رأت في هذا الوجه مايشبه وجه أبيها‏,‏ فاهتزت يدها ولم تستطع تنفيذ جريمتها‏.‏ وإذا كانت قد انسحبت من ارتكاب الجريمة بيدها لعجزها عن ارتكابها فإنها لم تنسحب من طموحها الذي كان يسيطر عليها إلي حد الجنون‏,‏ فاستجمعت كل قوتها وتأثيرها العاطفي علي زوجها حتي تدفعه إلي ارتكاب الجريمة‏,‏ فارتكبها فعلا وقام بقتل الملك‏,‏ وأصبح ملكا‏,‏ وأصبحت زوجته ملكة‏.‏
ولكن الجريمة لاتفيد‏,‏ والمجد القائم علي الدماء مصيره إلي الفناء‏.‏ وهذا ماحدث‏.‏ فقد أراد ماكبث القاتل أن يحمي عرشه الجديد بكل الوسائل والأساليب‏,‏ وكان يقول لنفسه بعد تمام الجريمة‏:‏ ليست العبرة في أن تكون ملكا بل العبرة في أن تكون آمنا‏!‏ وهكذا أدرك ماكبث وأدركت معه زوجته أن السلطان والعز والملك لاقيمة لها جميعا إذا لم يكن الإنسان آمنا‏.‏ ولم يكن ماكبث آمنا بعد وصوله إلي العرش‏,‏ فقد وصل إلي مايريد عن طريق الجريمة والتآمر وذبح الملك الشرعي وخيانة ثقته وقد كان ماكبث يتصور أن مافعله ضد مليكه يمكن أن يفعله أي شخص آخر به هو نفسه‏.‏ وهنا نتذكر بيتين جميلين لشاعرنا العربي المتنبي يقول فيهما‏:‏
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق مايعتاده من توهم
وعادي محبيه بقول عداته
وأصبح في ليل من الشك مظلم وهذا ماحدث لماكبث بعد ارتكاب جريمته‏,‏ فامتلأت نفسه بالهواجس والمخاوف التي أخذت تطارده في يقظته ونومه‏,‏ وبسبب هذا الاضطراب وانعدام الشعور بالأمان واصل ماكبث عملية القتل لكل من يشك فيهم ويخشي منهم‏.‏ وانتهي الأمر بأن اجتمع أعداؤه الكثيرون وخاضوا ضده حربا انهزم فيها ولقي مصرعه قتيلا في إحدي المعارك‏.‏
أما زوجته الليدي ماكبث فقد وصل بها الاضطراب إلي حد الجنون أو مايشبه الجنون‏,‏ ففقدت السيطرة علي نفسها‏,‏ ثم فقدت السيطرة علي جسمها الذي لم يحتمل اضطراباتها الروحية العنيفة فسقطت ميتة‏.‏ وهكذا كان طموح الليدي ماكبث قوة شريرة دفعتها مع زوجها إلي الهلاك والموت‏,‏ وذلك بعد أن وصلا إلي العرش كما كانا يحلمان‏,‏ ولكن العروش وغيرها من مظاهر القوة والسلطان لايمكن أن يقوم شئ منها علي الجريمة أويقف راسخا علي بحيرة من الدماء‏.‏
فليس المهم ـ كما يقول ماكبث نفسه ـ أن تكون ملكا أو صاحب سلطان ولكن المهم أن تكون آمنا‏.‏ وكيف يكون آمنا من كان قاتلا؟ وكيف يحظي بسعادة السلطة وعزها من يقيم ذلك علي النذالة والاغتصاب والطمع وفراغ العين؟ هذا هو موجز شديد لمسرحية ماكبث وأحداثها الرئيسية والمسرحية نفسها هي عند مؤرخي الأدب ـ إحدي المآسي الأربع الكبري التي كتبها شيكسبير في مرحلة واحدة من حياته تمتد من سنة‏1596‏ إلي سنة‏1610,‏ أي إلي ماقبل وفاته بست سنوات‏,‏ حيث إنه توفي سنة‏1616,‏ وهذه المآسي الأربع الشهيرة هي عطيل و الملك لير و هملت ثم ماكبث‏.‏ ويبدو أن شيكسبير كتب هذه المآسي جميعا في فترة حزينة من حياته‏,‏ وذلك بعد أن تعرض لبعض الأحداث الشخصية التي أثرت في نفسه أشد التأثير‏,‏ وكان أهم هذه الأحداث هو موت ابنه الوحيد هامنت سنة‏1596‏ وهو في الحادية عشرة والنصف من عمره‏,‏ وعن تأثير وفاة هذا الابن علي نفسية شيكسبير يكتب المؤرخ الأدبي العربي الفلسطيني جريس القسوس في كتابه الهام والشامل عبقرية شيكسبير فيقول‏:‏ إن هذه الفاجعة الكبيرة قد ألهبت خيال شيكسبير وأرهفت حسه وصقلت نفسه وزادته حزنا علي أحزانه‏,‏ فاكتسب تفكيره‏,‏ ولاسيما في المرحلة الأخيرة من حياته الفنية‏,‏ لونا فلسفيا عميقا‏,‏ وهل هناك ريب في أن هذه المأساة التي أفقدته ابنه كانت من أكبر الحوافز وأقوي البواعث التي هزت نفسه وأثرت في مزاجه وأدبه ودفعت به إلي كتابة تلك الروائع من المآسي الخالدة التي تعد المثل الأعلي للأدب المسرحي في العالم كله؟‏!‏ وهكذا نجد أن فترة الأحزان كما يقول مؤلف عبقرية شيكسبير هي الفترة التي كتب فيها مآسيه الكبري ومنها مأساة ماكبث‏.‏
وقد كتب شيكسبير في حياته مايقرب من أربعين مسرحية‏,‏ والرقم تقريبي‏,‏ لأن هناك مسرحيات مختلف علي نسبتها إليه‏,‏ وإن كان الرقم الذي يميل مؤرخو الأدب إلي الأخذ به هو‏38‏ مسرحية‏.‏ ومن بين هذه المسرحيات جميعا جاءت مسرحية ماكبث من أقصر مسرحيات شيكسبير‏,‏ ويحدثنا الناقد والمؤرخ الأدبي الإنجليزي ا‏.‏س‏.‏برادلي في كتابه التراجيديا الشيكسبيرية ترجمة الأستاذ حنا إلياس عنماكبث فيقول‏:‏ إن مسرحية ماكبث قصيرة جدا‏,‏ فهي أقصر مسرحيات شيكسبير باستثناء مسرحية كوميديا الأخطاء‏,‏ وماكبث لا تتألف إلا من‏1993‏ بيتا‏,‏ في حين تتألف مسرحية الملك لير من‏2298‏ بيتا‏,‏ ومسرحية عطيل من‏3324‏ بيتا ومسرحية هاملت من‏3924‏ بيتا‏.‏ وهذه الملاحظة التي يشير إليها برادلي قد تهم الباحثين المتخصصين تخصصا دقيقا في أدب شيكسبير‏,‏ ولكنها ملاحظة لها أهميتها العامة إلي جانب ذلك إذ أنها تقدم لنا ما يؤكد أن الفن الجميل لا علاقة له بالحجم‏,‏ فنحن لا نحس عند قراءة ماكبث أنها قصيرة بصورة تقلل من قيمتها وعمقها وتأثيرها في النفوس‏,‏ وذلك لأنها علي قصرها الذي لا نحس به مشحونة بالأحداث القوية المتلاحقة التي تجعلنا نلهث ونحن نتابعها‏.‏
والإيجاز‏-‏ بصورة عامة‏-‏ هو ميزة كبري من ميزات الفن الرفيع‏.‏ وقد تكون صفحة واحدة لها من القيمةوالتأثير أكثر من مئات الصفحات‏,‏ إذا كانت هذه الصفحة جميلة وصادقة وقادرة علي التعبير عن رؤية إنسانية حقيقية‏.‏ وهذا كله ينطبق علي مسرحية ماكبث التي وصل فيها فن الإيجاز عند شيكسبير إلي درجة عالية من الاتقان والجمال والقدرة علي تحريك النفوس‏.‏ والنغمة الأساسية في مسرحية ماكبث هي نغمة الطموح المليء بالطمع والذي يدفع أصحابه إلي عدم القدرة علي التفرقة بين الخطأ والصواب‏,‏ ويدفعهم إلي استباحة كل شيء في سبيل الوصول إلي أهدافهم‏.‏ والمحرك الأكبر للطموح والطمع في المسرحية هو الليدي ماكبث‏,‏ ولذلك كان بعض النقاد يرون أن من الأنسب تسمية المسرحية باسم الليدي ماكبثوليس باسم ماكبث‏.‏ فالزوج في المسرحية هو أداة‏,‏ والزوجة هي التي تستخدم هذه الأداة وتحركها كما تشاء‏,‏ فهي تحرض زوجها إلي التخلص من تردده وتدفعه دفعا إلي أن يقتل الملك دنكان وهو يزوره في قصره‏,‏ وقد كان الملك عند ارتكاب الجريمة نائما وكله ثقة واطمئنان إلي إخلاص ماكبث وأمانته‏.‏ ولكن الليدي ماكبث لم يهدأ لها بال حتي تمت الجريمة علي يد زوجها‏,‏ فقد تحول طموح هذه الزوجة إلي مرض عصبي عنيف حاد‏,‏ ولم تعد تري أمامها إلا عرش الملك الذي تريد لزوجها أن يجلس عليه لتصبح هي أيضا ملكة وزوجة للملك‏.‏ وقد كان هذا الهدف من وجهة نظرها هدفا كبيرا‏,‏ وكان كل شيء يبدو إلي جانبه صغيرا وعديم القيمة والأهمية‏.‏
وهذه النفسية المريضة الملتوية التي تمثلها الليدي ماكبث هي انحراف يتكرر كثيرا‏,‏ وقد تعرضت شخصية الليدي ماكبث لهذا الانحراف الكبير‏,‏ وذلك عندما تجردت من عواطفها الطبيعية وهي عواطف الحب والحنان والرحمة‏,‏ فمثل هذه العواطف هي النور الذي يهدي الإنسان في ظلمات الحياة‏.‏ وهي عواطف لا يمكن أن تدفع إلي الشر بل إنها‏-‏ علي العكس‏-‏ تساعد علي التخلص منه والابتعاد عنه‏.‏ والغريب أن الليدي ماكبث كانت تحرض زوجها علي ارتكاب الجريمة بقولها له‏:‏ إنها تحبه وأن حبها يدفعها إلي الأمل في أن تراه في مكان يستحقه ويليق به‏.‏ أي أن تراه ملكا‏.‏ والحب الحقيقي الصادق لا يمكن أن يسلك طرقا ملتوية أو يلجأ إلي وسائل إجرامية‏,‏ فهذا كله ليس من الحب في شيء‏,‏ ولكنه أنانية عمياء‏,,‏ وهذه الأنانية هي قوة مدمرة للجمال والخير في حياة الإنسان‏.‏ ولا شك أن مافي نفس هذه الزوجة لم يكن حبا لزوجها‏,‏ ولكنه كان نوعا من الاستغلال لهذا الزوج‏,‏ وتحويله إلي وسيلة تستخدمها للوصول إلي أهداف تحلم بها وتتمناها لنفسها دون أي حساب للعواقب‏.‏ وإطلاق صفة الحب علي عواطف الليدي ماكبث أو أي امرأة من هذا النوع الذي يعميه الطموح والطمع ليس إلا خداعا في خداع‏.‏ فليس هذا السلوك الذي سلكته تلك المرأة دليلا علي أي عاطفة طيبة وحقيقية‏,‏ بل هو دليل علي الشر الكامن في نفس هذه المرأة‏.‏ وأين هو الحب عندما تقود المرأة حبيبها إلي طريق مليء بالمخاطر وتستخدم تأثيرها علي من تحبه لتقضي عليه بالهلاك؟‏!‏ إن المرأة التي تحب بصدق وبصيرة نورانية يملكها كل المحبين الحقيقيين إنما تسارع إلي منع أي شبح للأذي والضرر يمكن أن يقف في طريق الحبيب ويسد عليه منافذ الهواء النقي‏.‏ والحب الصادق هو في حد ذاته مملكة للسلام والسعادة تفوق كل الممالك‏.‏ فماذا يفيد السلطان إذا كانت النفس ممزقة يعصف بها القلق والتوتر؟‏.‏ وماذا تضر الحياة البسيطة إذا كانت النفس سعيدة مطمئنة تشعر بالنشوة والبهجة والانشراح؟ إن الحب الصادق ليس عائقا للطموح‏.‏ ولكنه عائق رافض مستنكر للطمع الذي يصحب معه الشرور ويلوث الأيدي النظيفة والمشاعر الطاهرة‏.‏ والحقيقة أن النفس الإنسانية قابلة بصورة عامة للتلف والانحراف وعلي الإنسان أن ينتبه إلي ذلك‏,‏ فيراجع ما يدور في داخله من هواجس وأحلام وأفكار وطموحات‏,‏ ثم يستبعد كل ماهو سلبي وكل ما يغريه بارتكاب الأخطاء والاندفاع إلي تبرير الأخطاء بأنها كانت ضرورية ولا مهرب منها‏.‏ فالأخطاء شر‏,‏ والواجب هو التخلص من الشر حتي لو بدا أمامنا في صورة جذابة ومظهر حسن وأغرانا بأنه يمكن أن يحقق لنا بعض المصالح والأهداف‏.‏ ولقد كانت الليدي ماكبث غارقة في الشر‏,‏ وإن كانت تتظاهر بأنها تحب زوجها‏,‏ ولعلها توهمت أنها صادقة في حبها‏.‏ ولكنها في الحقيقة كانت تحب نفسها وتعشق أهدافها غير المشروعة‏,‏ فقادها طموحها وطمعها إلي قتل زوجها وموتها هي نفسها‏.‏ فحبها كاذب ومليء بالخداع‏,‏ أي أنه كان حبا قاتلا ومهلكا لأصحابه‏.‏ فالحب جميل وكل ما يتصل به ينبغي أن يكون جميلا أيضا‏.‏
 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !