طلقة من بندقيتي
القضية التي يؤمن بها الإنسان، هي بالنسبة إليه قضية عادلة، أخذت من إيمانه بها كل ما يلزمها لتحيى، و تجعل من نفسها سيّدة على عقله و قلبه، قبل أن يسعى إليها الفرد على هيئة التحقيق و الاستقصاء، ليجعلها حية، كما هي كل القضايا الخالصة المعنى، و التي تبحث عن هيكل تستقر فيه، فهي لغة قوي حكيم، عرف نقاط الضعف و أراد منه كل مجد، فربح الاثنين معا، العلم و الواقع، و ذلك عبر جسر التطبيق. فجدوى النظريات من جدوى قيامها على الأرض، و ما في سوى ذلك إلاّ موت مبين.
و عليه قامت التوجهات تفكر بكل أنواع العقول لامتلاك الواقع و فهم الوجود. و هنا تظهر أهمية الأرض إذ أنّ كل فكرة لا تجد مساحة لها فهي تبقى مجرد فكرة أو قول بعيد كل البعد عن التأثير، أين ضاع الجهد بين متطلبات الحياة، و زادت حمولات التفكير، بينما نفض الأمر الحيّ غبار الأوهام، فالوهم هو أن تجعل النفس تتمنى، و تنتظر الأمور لتهدئ هدوء الأموات، و على النقائض يتفق الأخوة، و يتفرق الأعداء، لكن بين الاتفاق و التفرقة باب واحد، و إنما الاختلاف في طريقة فتحه، و عقلية اليد التي تقبض على المقبض، فالحياة لا تعترف بالضعفاء و التابعين، و إنما لها اعتراف وحيد بكل رجل أو امرأة غيرت من المبادئ، ما دفع البشرية نحو المثالية الواقعية، أين نفهم الفهم، و يضيع المجهول، و يستكين القلب، و يرتاح العقل بهناء ديناميكية أعماله المقدسة، أي أن الفاعلين مهما كانت درجة فعلهم فهم يشاركون في العملية الكلية لما هو الإنسان موجود من أجله، فقديما هو القدم، و الجديد هو ما تجدد من ذلك القدم، و على هذا تبنى الأحداث و تساق الشعوب إلى مصيرها، الذي سلمته برغبتها إلى الذي جعل من الإنسان خليفة على الأرض، أو جعلته قيّما على نفسه، و مسخرا على من لا يقيمون وزنا للأوزان ذاتها.
في يوم خريف كغيره من الأيام، استيقظت صباحا، شربت قهوة السادة الكرام، و لبست ثياب الصيادين، ثم أحمل بندقيتي المحشوة برصاص الموت، لأخرج من بيتي بسيارة أبي، متجه إلى عالم الطرائد، و ها أنا أنساب بين أوراق الخريف، حتى أصل الوادي، فأطلق طلقة التحذير من بندقيتي، و إذا بسرب من الطيور يأخذ مكانه في السماء، و هذا الموقف يستولي على كامل أعصابي، ثم أصوب فوهة البندقية بكل برودة و دون تفكير ناحية مجموعة الطيور، و أطلق طلقة الثانية، فأصيب طائرا ليهوي بين نباتات الوادي الكثيفة، و في لحظات قصيرة، أكون فيها قد لحقت بالكلاب، التي كانت تسير معي، حيث اتجهنا ناحية الطائر الذي سقط، و حينها ألتقط السكين من جيبي، و أذبح الطريدة بكل عظمة، فأحس بأنني قوي على كائن ضعيف، أحس أنني إنسان، ملك المخلوقات بلا منازع، أين أعيد الطريدة إلى قبضة الموت، و أعيد البندقية إلى كتفي، و أمضي بين الصور و الواقع، بين الرصاصة و السكين، بين نفسي المجاهدة و الكائنات المكافحة، لأنها منظومة الوجود، إنها النظام المجحف، و من بين هذه المواقف يبقى الإنسان واقفا، صامدا، يسير بكل ثبات إلى دمار الإطار، الذي وجد من بداية البداية، و باق إلى نهاية النهاية، و بينهما نجد الجانب الموحش من البشر، الذي يعترف به بعضهم، و يمقته البعض الآخر، لكنني أعيد و أكرر أنه موجود في نفس كل بشريّ حيّ و يتنفس.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد
التعليقات (0)