عندما تعبر شارع اجياد في مكة المكرمة ، باتجاه الحرم المكي الشريف ، بعد الجسر على يدك اليمين مباشرة ثمة بناء ليس بحاجة الى كثير عنا لتعرف انه مدرسة ، ذات طوابق عدة ، ولعل الطلاب أثناء دراستهم ويومهم المدرسي يطلون من نوافذ غرف صفوفهم على الحرم وربما يشاهدون الكعبة المشرفة ، او على الأقل فإنهم يشاهدون الحرم بشكل عام ، وبكل تأكيد يسمعون الآذان وقراءة القران وحلقت الذكر إذا ما كانت بصوت مرتفع عبر مكبرات الصوت .
كوني على نوع من العلاقة بالعملية التربوية والتعليمية والتدريسية ، لفت ذلك انتباهي الى أمر غاية في الأهمية ، وفيه كثير من الملاحظات التي اندفعت كالسيل الهادر الى عقلي ، فسارعت الى تدوين ملاحظاتي خوف أن تنسى أو أنسى أو تضيع مني في زحمة الأفكار الكثيرة التي انتابتني وأنا في حضرة هذه المدينة العظيمة التي لا يمكن ان تجاريها عظمة وشرفا أي مدينة في العالم .فتاريخها ممتد من فجر الدنيا الى آخر يوم ، وصوتها مسموع على كل الأصوات ففي حضرة مكة تصمت المدن ، وتصم .
قلت هل يختلف طلاب هذه المدرسة من حيث السلوك والأخلاق والالتزام بالقانون والنظام والقواعد التي تنص عليها التربية والعقيدة ، ترى هل يتميز طلاب هذه المدرسة عن غيرهم بأنهم الأكثر انضباطا والأكثر اجتهادا والأكثر تميزا ، والأكثر أخلاقا ،فثمة ما يذكرهم بالكثير الكثير الذي تعجز الكتب ومؤلفيها ومدرسيها عن قوله وشرحه وتوضيحه ، ثمة كلام يقفز من الشوارع ومن الأزقة ومن الهواء ، ثمة دروس من مكة الكبيرة الممتدة ومن الحرم ، ثمة دروس وعبر من وجه كل معتمر وحاج وسائح ، ثمة دروس مع طلعة كل شمس ، أو مع غروبها ، ومع ثواني النهار والليل ، ثمة حكمة بالغة تمنح للمتلقي بلا اجر وبلا حواجز ، وثمة أكثر لمن يريد ان يزيد .
اعتاد الطلاب في المدارس ان يتمردوا على القانون والنظام ، وبعضهم يهرب من المدرسة الى الحواري والأزقة ليدخن لفافات التبغ ربما المسروقة أو الملقاة على الأرض او التي ابتاعوها من المصروف اليومي ، ومنهم من توغل أكثر راح يشم الاغو او يشرب الكحول .. او يتابع الفتيات او يراقبهن من خلف أسوار مدارسهن ، وهم يلبسون ما يلبسون من ملابس لا تمت لواقعهم ومجتمعهم بصلة تذكر ، ويضعون من الاكسسوارات الغريب والعجيب من الأساور الى الأقراط والسلاسل والعقود ، أو يقصون ويصففون شعورهم بطرق اقرب ما تكون مضحكة ، يتساءل الفرد الملتزم كيف يسمح لهم أولياء أمورهم أن يخرجوا بهذه الصورة ، وهل فعلا أولياء أمورهم يعرفون حالة أبنائهم ،
ترى هل ابنا المدرسة جار الحرم .. يقرءون اللافتة التي تقول : ( أكرمك الله بخير جوار فكن خير جار ) وهم يعبرون الشارع الى مدرستهم .. هل يمارس طلابها ممارسات طلاب المدارس الأخرى ...
هل عملت المدينة الكبيرة العظيمة وما تحوي من رسالة سامية على تغيير او التأثير في نفوس الطلاب ومن يقف معهم وورائهم ، هل كانت المناهج التي وضعت تأخذ بعين الاعتبار جوار الحرم ، وهل وضعت من الدروس ما يفي بالغرض ويقوم المسيرة ويصلح المعوج ، هل الكادر التعليمي ينتبه الى انه في موقف يختلف عن موقف أي مدرسة أخرى في الكون .. أم ترى أنني أهذي .. واهلوس بكلامرومانسي وخيالي ..
التعليقات (0)