حين يتعلّق الأمر بالأبناء ، فالآباء بالتأكيد يبذلون قصارى جهودهم ، ليكون أبناءهم أحسن منهم ، أو أن يُحققوا إنجازاتٍ لم تسمح لهم (ظروف ذاك الزمان) بتحقيقها ، أو أن آباءهم هم ـ أي أجداد أبناءهم ـ توقفوا عن دعمهم في مراحل ما ، وهم عازمون على تجاوز تلك الحدود والمراحل مع أبنائهم !..
فمن كان والده ـ على سبيل المثال ـ (تقليديا) متعصبا لرأيه ، وفارضا لسيطرته وإرادته ، ورافضا لكل الحوارات ، وحازما في التعامل .. سيحاول أن يكون مُتفتحا أكثر مع أبنائه ، وسيحاول أن يكون صديقهم ـ الذي عجز والده على أن يكونه له هو ـ أكثر مما يكون والدهم الذي يأمرهم وينهاهم بشدة وحزم !.. هو يأمرهم وينهاهم ، لكن بطريقة (ساخرة) ، وعوض لهجة (الصرامة) يستعمل لغة (المزح والهرج) لإيصال رسائله ، ومهما بلغت من أهمية !..
ومَن كانت العوائق المادية ـ كفاقة أهله ـ سببا في إنهاء الكثير من أحلامه ، وإجهاض الكثير من طموحاته في الحياة ، سيصب جامّ غضبه على العمل ، وعلى تحقيق مكاسب مادية (تعزيه) في حرمانه الماضي ، وتدفعه إلى إغداق أطفاله بالدلال حدّ الإسراف في (العواطف والماديّات) أحيانا !.. وهو لا يرى في كل ذلك إلا أحلامه الفقيدة ، ويٌحاول إحياءها في أطفاله !..
بالنسبة لي أرى الكثير من المشاريع التي بدأت فعلا بطرحها أمام طفلتي الصغيرة !.. هي لم تتعوّد بعد حتى على الوقوف أو المشي بثبات ، ولم تتعوّد بعد على النطق السليم لأغلب الحروف والكلمات ، سوى ما تعلق بـ (ماما) و(بابا) و(واوة : وتعني بها الحلوى) ، وبعض أسماء الأعمام والأخوال !..
فأنا مثلا أفكر في أن أعلمها الموسيقى ، والعزف على آلة البيانو تحديدا ، حتى أني إشتريت لها فعلا بيانو ألعاب ، يحلو لها كثيرا أن تضغط بسبابتها على نوتاته وتغير ألحانها الواحدة تلو الأخرى !.. مشروع (الفنانة) الذي أرغبه لإبنتي من أعماق قلبي أن تعلق تلك (الأنغام الملائكية) و(الألحان العفيفة الطاهرة) بشغاف قلبها ، وأن تتعلق بالموسيقى الهادفة ، لا أن تكون من (فنانات العُري والكباريهات)و(إستعراض الأجساد والمفاتن)و(رمي الناس بسهام الأحداق والعيون) .. بل أن تكون (مُنشدة) تغرد على العالمين بصوت عذب وأصيل ، وعلى أنغام معاصرة !.. لتكون سفيرة (لشغفي) بالفن الرّاقي والأصيل ، بما أنني سأبقى ـ لو إختارت أن تكون كذلك ـ وكيل أعمالها المادية والأخلاقية !..
أريد لإبنتي أن تكون لاعبة تنس عالمية ، تتألق على الميادين الصلبة والترابية ، في الأجواء المفتوحة ، وفي القاعات المُغلقة ، وأتخيلها تنافس كبريات اللاعبات على الألقاب العالمية ، لأنني أعرف صلابتها وإصرارها في نفسي ، وأعلم مدى قدراتها وأقصى طاقاتها ، وأقصى ما يُمكن لها أن تحققه ، لأنها قطعة مني ، ومن إحساسي بالمسؤولية تجاه كل ما أقوم به حتى ولو كان ألعابا !.. أعلم أنها ستكون أكثر عِنادا مني ولن ترضى بغير النجاح بنزاهة ، وكدٍّ ، وعمل ، وإجتهاد !..
لكن المفارقة أن حلم (المُنشدة) أقرب إلى التحقيق والواقعية من حلم (لاعبة التنس) ، لأن لاعبات التنس يجب أن يرتدين (تنورات قصيرة) ، ولأنني مسلم وحريص على أن تكون للأحلام أيضا أسقفا لكي لاتتحوّل إلى كوابيس ، فإني أمنح نفسي الوقت الكافي ـ ما كان في العمر بقية ـ للبحث في آلية للتوفيق بين رياضة التنس ، ولاعبتها المسلمة التي تستر جسدها !..
وإلى أن تستطيع (آية) حمل المضرب ، وإلى أن تختبر رغبتها وميولها تجاه الكرة الصفراء ، يبقى مُتسع من الوقت أمام المسلمين لمناقشة إستحداث مدارس وبطولات رياضية بمعايير إسلامية ، تتيح للآباء أمثالي من الشغوفين بتعليم أبنائهم الرياضة ، أن نرى أطفالنا يحققون أحلامنا بأحلامهم .. أو أحلامنا فقط بدون أحلامهم .. أويحققون أحلامنا وأحلامهم معا وتلك غاية المُنى .
30 . 05 . 2011
التعليقات (0)