طشاري .. المحنة العراقية

علي جبار عطية
الأربعاء 12-03-2014
    طباعة المقال      Print

تروي الكاتبة والروائية المبدعة انعام كجة جي في روايتها (طشاري) بأسلوب سردي ممتع محنتنا العراقية معتمدة على وقائع واحداث تفوق الخيال في رعبها ومأساويتها من خلال حياة طبيبة موصلية تدعى ( وردية اسكندر ) تدرس الطب في بغداد وتمارس عملها في الديوانية وتقضي آخر ايامها في باريس بعد حصولها على اللجوء الانساني وهي في الثمانين من العمر .
وتمتد حكاية د . وردية من خلال ابنتها د . هنودة وتستغرق احداثها نحو ستين سنة ابتداءً من الخمسينيات وحتى سنة 2012 وهي تصور ببراعة وعلى لسان اكثر من راو الشتات العراقي فكأن هناك ساحرة شريرة ترتفع بمكنستها فوق البلد وتضربه عدة ضربات وتشتت ابناءه وتطرح الكاتبة معادلة جديدة مقابل ( الحياة والموت ) فهي في العراق تكون ( النجاة والقتل ) واذ يولد الانسان بالمفرد فانه يموت هنا بالجملة كناية عن رخصه !
وتطلق على هذه البلاد تسمية كوميدية سوداء هي ( بلاد الف ويلة وويلة) !
ان المرء تستوقفه عدة محطات في هذه الرواية العجيبة فهي رواية شائقة بامتياز مكتوبة بلغة عذبة تمتزج فيها العامية العراقية باللغة الفصيحة المحببة بلا تكلف ويدهش المرء للتفاصيل الطبية التي تحفل بها اجواء الرواية اذ يشم رائحة المعقمات ويعيش الحياة المتناقضة وضربات القدر المتقنة كما ان فيها بعض تفاصيل العيش في بلاد المهجر وصعوبة الحصول على فرص عمل وهذا متأت من دراية واحاطة شاملة بالواقع وتفصيلاته .
وعلى مدى نحو مئتين وخمسين صفحة تلخص لك الكاتبة المبدعة انعام كجة جي حقبة زمنية قاتمة بريشة فنانة ماهرة يشعر القارئ بعد انتهائها ان الرواية العراقية ما زالت ولادة وانها اولدت هذه المرة رواية وروائية محترفة تمكنت من توثيق اوجاعنا توثيقاً حياً وتقديمها الى العالم بنص ادبي متماسك يثير الفضول ويدعو الى اعادة النظر بهذا البلد العجيب والشعب الاعجب !