دائما كانت قناعتنا وستظل أن تحرير فلسطين يأتي عبر البوابة المصرية، وأن حل هذه المشكلة العصية لن يكون إلا من خلال حل المشكلة المصرية.. والتاريخ شاهد على ذلك:
عندما فتح المسلمون فلسطين، وطهروها من دنس الرومان، وأمنوا أهلها، كانت الفكرة الرائعة لسيدنا عمرو بن العاص، أن يواصل القتال ليفتح مصر، ورغم اعتراض الخليفة المسلم الخائف على دماء المسلمين أن تذهب هدرا –عمر بن الخطاب – إلا أن حجة عمرو القوية هي التي أجبرت الخليفة على الموافقة، وكانت حجته التي توصل إليها بدراسته لأحوال البلاد وأوضاع المنطقة، أن فتح مصر سيكون عونا وقوة للمسلمين، وأن حماية الفتح في فلسطين واستقرار الحكم الإسلامي في بلاد الشام كله مرهون بأن تكون مصر تحت قبضة المسلمين وفى كنف الحكم الاسلامى..
وفى فترة الحروب الصليبية كان هدف الصليبيين الأول هو بيت المقدس، فلماذا وجهوا ثلاث حملات فقط من سبع حملات إلى بيت المقدس وبلاد الشام، وبقية الحملات كانت موجهة إلى مصر؟ ..من الحملة الرابعة وحتى السابعة التي أسر فيها لويس التاسع في دار ابن لقمان في المنصورة التي سميت بهذا الاسم لانتصار الجيش المصري فيها على جيش الحملة الصليبية السابعة ..كلها كانت موجهة إلى مصر ..فلماذا؟ لأن الصليبين أدركوا بعد ثلاث حملات أن السيطرة على فلسطين واستقرار الإمارات الصليبية في بلاد الشام وعودتهم إلى بيت المقدس، مرهون بالسيطرة على مصر وإخضاعها للحكم الصليبي، لا سيما أن تحرير بيت المقدس بعد حكم دام أكثر من تسعين عاما جاء على يد الجيش المصري بقيادة صلاح الدين الأيوبي حاكم مصر والشام آنذاك..
ومن بعد جاء التتار الذين أكلوا الأخضر واليابس في زحفهم المجنون على الأراضي والحضارة الإسلامية، حتى كان وقف هذا الزحف المدنس على يد الجيش المصري بقيادة سيف الدين قطز المملوكي..
إنها مصر التي كان احتلالها على يد الإنجليز عام 1882 شرطا أساسيا لقيام إسرائيل، وكان حفر قناة السويس ممهدا لولادة هذا السقط الخبيث لكي تكون حاجزا مائيا يعوق الزحف المقدس لتحرير فلسطين، وتكأة لمساندة الدول الاستعمارية للكيان اللقيط ؛ من أجل حماية أهم وأخطر ممر مائي على وجه الأرض..
إنها مصر التي أدرك الشهيد البطل أحمد عبد العزيز الذي استشهد في حرب فلسطين عام 1948 أن تحرير فلسطين يبدأ من مصر، فقال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة " إن ميدان الجهاد الحقيقي في مصر وليس هنا "..
إنها مصر التي لم يستطع اليهود أن يطمأنوا ويناموا قريرو العيون، إلا بعد أن حيدوها تجاه القضية الفلسطينية، بل ضمنوا مساعدة الأنظمة السياسية الحاكمة لها، وقيام تلك الأنظمة بتركيع بقية الأنظمة العربية لإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، وذلك بعد المعاهدة المشؤمة التي أمضاها الرئيس السادات معهم في عام 1979..
إنها مصر التي جاء نظامها البائد، والساقط بعد الثورة المجيدة ..ثورة 25 يناير، ليكون له مهمة محددة، والتي رهن بقاءه في الحكم بالقيام بها خير قيام، ألا وهى أن يحول بين الشعوب العربية المتعطشة لتحرير فلسطين، وبين الوصول لهذه الغاية، وأن يساهم في حصار الفلسطينيين وتجويعهم ليركعوا للسيد الاسرائيلى، معربين عن ندمهم وتوبتهم من المقاومة..
لقد كنا وما زلنا نبذل جهود الإصلاح في مصر من أجل تحقيق العدل والحرية والرفاهية في مصر أولا، ولعلمنا بل يقيننا أن الطريق إلى القدس يبدأ من القاهرة، مارا بسيناء المجيدة، عبر بوابة رفح التاريخية، فكنا لا نألوا جهدا في هذا الإصلاح؛ لأنه الطريق الوحيد لنصرة القضية الفلسطينية..
هذه الحقائق بدأت تتجلى على أرض الواقع ناصعة قوية، عندما نعلم أن تباشير المصالحة الفلسطينية بدأت تلوح في الأفق، وكانت أضواء شعاعها تنبثق من القاهرة، فقد نجحت مصر الثورة في إنجاز المصالحة الفلسطينية في أقل من شهرين، فيما لم تنجح مصر مبارك في إنجازها خلال ما يقارب الأربع سنوات، الموضوع ببساطة أن الورقة لم تكن مصرية بل كانت صهيونية بامتياز، فقد كانت عبارة عن إذعان حماس بتسليمها غزة لأجهزة التنسيق الأمني بدون أي مقابل، أما ورقة مصر الثورة فقد كانت ورقة مصالحة حقيقية، روعي فيها مصلحة الشعب الفلسطيني، ولذلك لم تتردد حماس في التوقيع عليها..
ويطير قلبنا فرحا عندما نقرأ الخبر التالي" قال المشير حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكري إن تهديد إسرائيل للحكومة الفلسطينية، أثار غضب الشعوب العربية وينذر بما لا يحمد عقباه، وأكد على أنه سيتم فتح معبر رفح بشكل كامل في غضون أيام بهدف تخفيف الحصار على قطاع غزة.
وأضاف طنطاوي في تصريح له علي صفحته الرسمية علي الفيس بوك "على إسرائيل عدم التدخل في الشئون المصرية، وأن تتجنب التصريحات غير المنضبطة تجاه جمهورية مصر العربية إذا أرادت المحافظة على السلام"..
ومن جانبه، أكد الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية على أن إسرائيل لا تملك الحق في التدخل في القرار المصري بفتح معبر رفح البري الحدودي مع قطاع غزة..
وقال عنان في تصريح له نشره على صفحته على موقع الفيس بوك " ليس لإسرائيل حق التدخل في قرار فتح معبر رفح فهذا شأن مصري فلسطيني" ووجه عنان الشكر للمخابرات المصرية لنجاحها في عملية إنهاء الانقسام الفلسطيني وذلك بعد توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس برعاية القاهرة."
هذه حقا هي مصر التي عادت إلى المصريين، بل عادت إلى أحضان أمتها العربية والإسلامية، رغم كيد الحاقدين والموتورين والمهووسين، عادت فعلا البوابة الحقيقية لتحرير فلسطين..
التعليقات (0)