ان الاجزاء السابقه من طرحنا ( طريقنا .. وفلسقة الثوره ) مثلت جميعها موجزا مختصرا, حاولنا خلاله من ان نقدم خلاصه مكثفه تعبر عن نتيجة دراسة ماهية الوجود الاجتماعي ضمن ثوابت انتمائنا للفكر المادي الجدلي.. وكان ذلك ايضا مقدمه تصلح لمخاطبة درجة وعي ثقافي محدده قادره على استيعاب العروض المجرده استنادا الى مخزونها التراكمي المعرفي ,,لكن هذا الاسلوب هو اسلوب مقيد ليس فقط لمواصفات هذه الفئه المجرده بل لانه مشروط بكونها يجب ان تكون من ذات الانتماء ومفترضه بانها غير متطابقه في تفسير الاتجاه المادي الجدلي الذي نحاول من ان ننطلق منه لنؤوسس مشروعنا الاجتماعي ...بمعنى ان طرحنا في هذا الجانب هو جزء من جدال قائم في ذات اطار رؤيه واتجاه محدد وهو (اجابات الماديه الجدليه على اسئله الواقع الاجتماعي ومن قبلها تحديد ماهية المجتمع الانساني )...والمحور الاساسي الذي يقوم عليه هذا الجدال يتمثل في تفسير معنى وماهية الثوره وارتباط هذا بالكيفيه التي يتم وفقها تحديد الوظائف النضاليه وتوزيع ادوارها وان من اهم نقاط خلافنا بهذا الشان مع الاتجاهات الاخرى تكمن في اننا نرى الثوره بادىء ذي بدء بانها - شروط ماديه- تفرض مشروع لنظام اجتماعي في اطار المفهوم العام للمجتمع الانساني, بينما لمسنا ان مفهوم الثوره عند اغلب الاتجاهات الاخرى وان لم نقل كلها يتمثل في معنى كونها ( حراك لتغيير ملامح الشكل الذي يعبر عن النظام القائم.. ) ...واذ نعتبر هذا الخلاف في حينه هو المحور الذي يقوم عليها الجدل الماركسي – الماركسي فاننا لا يمكننا من ان نستمر على هذا الحكم والتقييم بعد الان وبعد التطورات والنتائج التي افضت اليها الحراكات الشعبيه في العالم العربي والتي يمكن وصفها بالاجمال على انها اسقطت جني ثمارها في سلة النظام الراسمالي وتحديدا في سلة اهدافه السياسيه السلطويه العالميه ..واذن كنا على حق حينما زعقنا محذرين في بواكير وفي اول ايام ماسمي بثورة الياسمين حينما قلنا ( تونس انتفاضه مغدوره ) وكررنا الامر ولكن بحسب خصوصيته مع مصر وقلنا ( ارهاصات ثوره في مصر لا ثوره ) وحينما ظهرت بواكير الحراك الليبي تسائلنا بايحائيه ( غزوات اسلاميه ام ثورات برجوازيه ) ...اذن الجدال الماركسي – الماركسي الان اصبح واقعيا يمثل خلافا قكريا عميقا بين وجهتي النظر في هذه المسأله.. وهذا يعني ان احدهما وقعت ماركسيته تحت طائلة الشك .. ويعني عمليا ان الماركسيه ذاتها كمنهج اجتماعي ثوري صارت برمتها مطالبه بان تدافع عن صلاحيتها ودقة تقييماتها ..(( وهنا ارى من المهم جدا من الاشاره الى ان الجدال والخلاف الماركسي- الماركسي الذي نتناوله لا يشمل المواقف التي اتخذتها الاحزاب اليساريه التقدميه من الاحداث . بل نعني به فقط ذلك السجال الذي حدث في مجال الاطروحات الفكريه وتقييماتها وهذا لايعني في ذات الوقت تقييم اداء تلك الاحزاب والقوى باعتباره اداء ايجابي فعال ضمن اطار وصفها السياسي التقدمي ,لكن موضوعية الجدال الذي دار كانت طبيعته فكريه نظريه وتستوجب الاشاره اليها في هذا السياق )) ..لذا فان اسلوبنا في الدفاع عن ثوريتنا سينتقل من الاختلاف في التقييمات والاختلاف في التفسيرات والجدال في وضع الماركسي مقابل الماركسي الى وضع عرض اساس تقييماتنا وتفسيراتنا من خلال طرح هوية فكرنا باعتباره مادي جدلي (ماركسيالي ) وبمعنى اوضح اننا سنقوم بعرض تحليلي نفكك فيه اطروحاتنا ونعيدها الى الاسس التي تشكلت عليها ..وكمقدمه للشروع بهذا علينا ان نؤكد جملة ملاحظات او تاكيدات
اولا- اننا هنا في حل من التقليد الثقافي الاسمي الذي يدلل على الهويه المتعارف عليها ..نحن مؤقتا في حل من ( الهويه الشيوعيه ) وان كانت دواعي ذلك هي تثبيت ماركسيتنا
ثانيا- ولان تعبير الماركسيه صار يدلل على اكثر من تجسيد وتشكيل نظري للماركسياليه (النتائج التي قدمها ماركس وانجلز لدراستهما الفكريه ) ولفك اشتباك فهم الماركسياليه بكونها دراسه معمقه وبكونها استنتاجات فرضها الواقع الذي هو وفق تلك الدراسه ذا جوهرمتغير ويفرض تغييرا في طرح الفكره ..فاننا ايضا سنكون هنا في حل من الالتزام بنصوص الاستنتاجات الماركسياليه
ثالثا- واذا كان الامر كذلك فاننا ملزمون باشد درجات الالزام باساس الماركسياليه المجرد والذي من المفترض ان يتشكل عليه كل فكر ثوري يبحث عن طريق الخلاص الاجتماعي ..وهذا يعني ان علينا توضيح مفهومنا المادي اولا والمادي الجدلي للوجود وثانيا للوجود الاجتماعي والذي يعني هنا وفي النهايه دليلا على ماديتنا التاريخيه
• ولاننا ملزمون بكل ذلك ( وهو تكليف قاسي ) فاننا والحال هذه يحق لنا وعلى الصعيد الشخصي من ان نتخلى ومؤقتا ايضا عن كل ما قلناه الى ان يتم تاكيده وفق منهجنا هذا ولربما نثبت بعضه حتى على شكل نص وعرض
• الاهم من كل ما تقدم هو ان نجيب على سؤال نحن من يبادر الى طرحه الا وهو ..من نحن؟
• نحن نقول بان التغيير الاجتماعي الكبير والذي ينهي مفهوم التاريخ الذي عرفناه هو تغيير حتمي وقدر ونهايه,,لكن وخلال سيرورة هذا التغيير العظيم ستفرض شروط قاسيه لحال وجود الاغلبيه الغالبه من البشر ويمر خلالها المجتمع الانساني بمرحلة انتخاب مزمن تتناحر فيه شروط الامن
والبقاء مع شروط الحريه والارتقاء ,وسمينا ذلك بالشيوعيه الصعبه التي تتاسس على حتم القوانيين العليا الموضوعيه وبشكلها الموضوعي الاصيل ..لكننا في ذات الوقت ادركنا بان قيمة معرفة هذه الحقيقه قد وفرت امكانيات نفيها اي نفي الشيوعيه الصعبه بالنضال من اجل استقدامها وقلنا هذا لا يتوافق مع نظرية عبور المراحل او حرق المراحل لاننا نرى ان حركة التغيير العظيمه هي حركة شامله وعامه تجري في كامل الاطار الواقعي لمفهوم المجتمع الانساني وبالتالي فان الاصرار على التعامل مع الواقع الخاص على انه يمثل شرطا موضوعيا لمعنى الثوره العام يكون بمثابة المحاوله لقطع جدلية الحركه وجوهرها ويقابل هذا بالضد منهج تثوير واقع خاص بوعي تطابق امكانياته مع شروط التغيير وكيفيته الشامله هو ما يمثل حقيقة الفعل الثوري الممكن ( فاشتراكية الممكن) هي اولا في جوهرها تمثل تنظيما لوعي مقاومة سيرورة الشيوعيه الصعبه وممانعه لانعكاساتها ومحاوله للنئي بما هو خاص عن سلبياتها وهي بالتالي اشتراكيه نسبيه في كل جوانبها باستثناء عقيدتها ومشروعها الفكري ..ولهذا فان اشتراكية الممكن في البدايه وشكليا لا بد وان تصف نفسها بانها مشروع سياسي سلطوي مقاوم لمشروع شكل السلطه التي يتبناها النظام الراسمالي العالمي ...وهذا ما جعلنا نحدد ملامح الاشتراكيه الان بعد ان حددنا مهمة ( الاطراف الفاعله ) بانها من الناحيه التطبيقيه لابد وان تكون ( اخلاقيه متطوره ) .. وعلى هذا الاساس فرقنا بين مفاهيم الايمان والدين والتدين ليكون ذلك ركيزه ينطلق منها النشاط التنظيمي لمشروع اشتراكية الممكن في محيط الاطراف الفاعله وتحديدا في العراق باعتباره مركزا لهذا المحيط فنحن الان لا نتردد ابدا في ان نقدم انفسنا كاشتراكيين علميين وان نتعامل مع تراث الفكر ( العلوي ) بانه دعامه واقعيه واداة واقعيه لتمكين مشروعنا ..وهذا يعني اننا نفرق بين العلويه وبين التشيع الاجتماعي وبين توظيف التشيع سياسيا( بين تاريخية الشخصيه وبين انسنة المطالب الطبقيه وبين تسييس الانسنه ) ..ان الخوض في غمار هذه الرؤيه وما يتطلبه من دقه وعنايه فائقتين سيكون المحور الثاني الذي من خلاله سوف نؤكد ماديتنا الجدليه ومن ثم مصداقية مشروع الخلاص الذي ندعوا اليه
• نحن ايضا نؤكد على ان الوعي الاجتماعي المتمثله قمته بالماديه التاريخيه قد نفت محتوى هذه النظريه والجوهر القدري الفوقي المطلق لها وجعلت التاريخ ممكن بالوعي بمعنى انه لم تعد شروطه ماديه مستقله بذاتها بل اصبحت ماديه بالاراده
وهنا نرى ان اقتباس طرحنا السابق عن ضرورة اعادة عرض الماديه التاريخيه هو اقتباس يفرض نفسه في حدود بحثنا الحالي مع وجوب التنبيه الى ان هذا الاقتباس اهمل فقرات واعاد صياغة بعضها
((الماديه التاريخيه تمثل تشكيلا للماديه الجدليه في مستوى الفكر الاجتماعي ونقلتها من هيكليتها الفلسفيه الخاصه الى شكل المعرفه العامه القابله لان تتحول الى قاعده يتاسس عليها منهج تطبيقي اجتماعي وتمثل هذا في نهاية عرضها لاستنتاج حتم الثوره الاجتماعيه لكن صيغة وعرض هذا الاستنتاج جعلها تكف عن جوهرها المادي الجدلي حينما عبرت عن الثوره بكونها شرطا واقعيا حتمي قارنته بحركه محدده وربما اعطتها ايضا توقيتا وزمنا ومكانا محددا ولم تؤكد بكونها ايضا مشروعا اجتماعيا ممكن, كما انها تناولت المجتمع الانساني وفسرت مفهومه من خلال الجزء الاكثر تطورا والاكثر تقدما وهو (المركز) فعبرت بذلك عن ادراك الجوهر الخاص للتاريخ لكنها تناست جدلية الجوهر التي يمثل تطورها تعقد الرابطه بين المركز والاطراف وبهذا فانها تغافلت (ولكنه تغافل واقعي وليس فكري كامل ) عن الدور الاول للاراده لا كفعل بل كماهيه.. والحقيقه ان الماديه الجدليه لاتستطيع الا ان تفرق بين ماهية ارادة العبد باتجاه الحريه وبين ارادة القن باتجاه العداله الاجتماعيه الواقعيه وبالتاكيد فان القفزه العظمى التي شهدها النشاط الانتاجي في العهد الراسمالي والانتاج السلعي الكبير قد جعل فارق ماهية ارادة العامل والمنتج الاجير اكثر اختلافا وتعقيدا باتجاه ليس الحريه الفرديه فقط وليس باتجاه العداله الاجتماعيه بمعناه الاول وهنا تحولت الاراده الفاعله من كونها انعكاسا للحتم الى كونها شرطا محدد لزمنية الحتم فتلاشت (قدرية التغيير) للوجود الذي وعى الماديه التاريخيه وانبثقت (مقدرة التغيير) او (القدريه ) (بضم القاف ).. ان كيفيه استنتاج مبدأ الثوره الثابت قد جعل الماركسياليه تتغافل حقيقة كون معرفة وادراك القانون يوفر ايضا امكانية نقض فعله المحدد شكلا بالحتم..كما ان الماركسياليه هنا تجاهلت قيمتها الذاتيه بكونها اصبحت جزء من الية المعرفه الاجتماعيه العامه وليست فقط نظريه ثوريه خاصه بطبقه معينه بل هي ايضا وفرت امكانيات وعي مقومات الثوره المضاده وادامه منظومة السلطه الطبقيه (وكمثال يمكن ايراده هنا هو تاكيد المرجعيه العالميه الكاثوليكيه في عام 1998 على ضرورة الابقاء وتطوير نشاطات المؤسسات المرتبطه بها لدراسة التعاليم الماركسيه))
تبدأ قضية نضالنا الاشتراكي بوعي الماديه التاريخيه التي هي اسقاط تطبيقي لمنهج الماديه الجدليه فيتبين لنا حينها ان البنى التحتيه للمجتمع (النشاطات الانتاجيه وما يتعلق بها مباشرة ) هي التي تنتج البنى الفوقيه (النظام الاجتماعي الذي تتجسد وفقه المؤوسسات العليا ) وهذا يعني ان وعينا المجرد هذا لا يتشكل الا عن طريق وعي ماهية النشاط الانتاجي والاقتصادي الذي لابد والحال هذه من يقوم على دراسة الاليه وتفاصيلها التي يتم فيها هذا النشاط ,وهنا يكون تتبع ( النقد ) يمثل جانب مهم من مكونات هذا النشاط
نحن حينما نخوض في مجال الفلسفه الثوريه فاننا نفعل هذا لادراكنا بانها لاتمثل فقط مصدرا فكريا او اساسا لابد منه لتشكيل الفكر ,بل ولان هذا النشاط بحد ذاته يصبح مصدر لخلق سلوكيه ثوريه ذاتيه تبدأ بذواتنا وتتجه نحو الاخرين منا ,انها تعيد صياغة السلوكيه الفرديه وتجعل (اللادري) (أدري بيقين) واللادري لماذا ,ب(ادري كيف ولماذا ) ..انها تحقق التوازن الاكبر بين الباطن السلوكي لنا وبين ظاهره..وشيئا فشيء تتحول ممارستها العقليه المجرده الى منظومه من الاستجابات المشروطه بالوعي ..فنبدو حينها وكاننا انسان فوق الواقع مع ان هذه الفوقيه لاتفسر الا بكونها نابعه من اعادة تشكيله بتكرار لا ينقطع ولا يتغير اثناء ذلك التكرار ..ان ادراك سؤ حال وجودنا كافراد يبدأ بمعرفة علاقة ذلك بالواقع الطبقي التمايزي ,والاكتفاء بهذا المقدار المعرفي (لصياغات الفكر الاشتراكي) ينتج فقط اراده مناصره (بحد ما) و(بكم ما) والى حد معين لحركة اعادة تنظيم المجتمع (وهنا علينا ان نتذكر بان اساس وجود الفرد يقوم على الاستجابه لمفهوم امنه الطبيعي الذي لا يتأسس على تراكم الوعي بل على الانعكاسات الموضوعيه للواقع واستجاباتها المباشره المتكرره والثابته كجوهر مجرد ..والحال هذه ان حدود الاراده الفكريه تتوقف على كم القوه المقاومه لها ).لكن المضي في تطوير الفكر الطبقي من خلال اعادة تجريده وحيث تتم ممارسة هذا النشاط بشكل ذاتي وبالوصول الى جذور الموضوعه (وهنا هي التمايزالطبقي) بكونها انعكاسا لماهية نشاطنا الانتاجي الغير منظم بوعي القوانين العليا واللااراديه للوجود ,والذي جعل ذلك التفاوت حتما ومقاومته ايضا حتم ,لكن بعد ادراك هذه الحقيقه فان ذات هذه القوانين وفرت امكانيات استقدام فعلها وماهيته اثناء صيرورتها الطبيعيه (جعلنا من الممكن ان نولد من حركة التاريخ الاجتماعي مرحله جديده تماثل حالة الولاده القيصريه ) فالحتم التاريخي بماهيته القانونيه العليا ماضي الى التغيير الذي نبتغيه والذي عرفناه وهو (سوف) يتأكد لا محال (من الحقيقه العقليه –الحق الواقعي) ,لكن هذه (السوف) مرتبطه بالتجريد الزمني ,لا تاريخ محدد لها ولا حتى واقع موضوعي محدد , وهي بذلك وبهذا الوصف لا تهم وجودنا لانه محدد بالزمان والمكان ..لكن ادراك ماهيته تلك الحقيقه قد وفر امكانيات تحققها بشكل او باخر وباشتراط انبثاق ارادتنا المؤوسسه عليها كعقيده (وكمنظومه سلوكيه لا تخضع للتاويل والتفسير ) وليست فقط كمعرفه بمعنى انها حينها سنكف في التساؤل في ذواتنا عن سبب نضالنا وتضحياتنا ,وبسبب كل ما تقدم فاننا نعتبر الخوض في غمار الفلسفه الثوريه انما يعني السعي للوصول الى حالة اليقين التي تعني وصف حالة الوجود الفردي الى اقصى درجات توازنه ورقيه))
• اذن نحن هنا امام عنوانيين رئيسيين سيندرج تحتهما عرضنا الفكري ...الاول ( ماهي الثوره ..لماذا ؟ وكيف ؟ ) والثاني ( الاخلاقيه و اداة تمكين الثوره ) ..وبالتاكيد فان اداء عرض هذين العنوانيين يتوجب علينا التعريف باسس ومنطلقات تفكيرنا العامه التي تمثل وحدات الية تشكيل عقليتنا (التي وحسب ما فرضه علينا هذا البحث مؤقتا هي بلا هويه !!) ..سنبدأ من العام المجرد الذي نعتقد بان لا عقل يمكن من ان لا يتقبله بما( هو حقيقه بالممكن ) وليس هو بالضروره الحقيقه كلها ..سنبدأ بالمفاهيم التي تعبر عن وحدة انعكاس الوجود في العقل ..
...يتبع
التعليقات (0)