طبقات الليبراليين في السعودية !!
يشكل الحضور الليبرالي في الساحة السعودية المعاصرة حضورا كبيرا في الطرح الفكري والحضور الصحفي وفي مواقع النت ، وتعتبر المعركة بين " الاسلاميين " و " الليبراليين " معركة شرسة ، ولكنها كذلك معركة مشوشة للغاية ، فالليبراليين يتعاملون مع الإسلاميين باعتبارهم كيانا كليا واحدا ، والإسلاميين يتعاملون مع الليبراليين على أنهم نسيج متماسك ، وعندهم تطابق في المواقف الفكرية والسياسية ، بل وتنسيق بالمواقف في آلية اختراق المجتمع ومحاولة التغيير بناء على الرؤية الكلية التي يحملها هؤلاء الليبراليون ..
الحقيقة أنني ومن خلال متابعتي لما ينشر ويقال ، ومن خلال المخالطة المباشرة ، ومن خلال النظر في تاريخ الأفكار داخل السعودية توصلت إلى فكرة مفادها أن " الليبرالية " في السعودية أشبه بالفكرة الهلامية التي لا يجمعها إلا المسمى فقط ، وإلا فهم طرائق قددا ، وشرائح مختلفة ، يجتمعون على الموقف السلبي من الدعوة الإسلامية ، ولكنهم في نفس الأمر متفرقون ومتباينون في مواقفهم وأفكارهم كتباين المنتمين للدعوة الإسلامية في السعودية ، ولعلي هنا أحاول بيان " طبقات الليبراليين " في السعودية ، وهي رؤية خاصة قابلة للنقد والتقويم والتصحيح والاعتراض :
الطبقة الاولي : ( المخضرمين الأوائل ) :
وهؤلاء هم الكبار الذين عايشوا نشوء الحركات القومية وانخرطوا في الأحزاب الناصرية والبعثية والقومية العربية ، وكانت أفكارهم متطابقة مع أفكار المرحلة التي شهدت نشوء تلك الأحزاب ، وهؤلاء قد مروا بمراحل فكرية كثيرة ، وترحلات في الأفكار بناء على قوة الأفكار سياسيا وضعفها ، فالذين كانوا يقاتلون دفاعا عن المعسكر الشرقي ، والأفكار الاشتراكية والبعثية أصبحوا الآن ما بين ماض لا يذكر ، او يمموا نحو الفكرة الليبرالية الغربية ، ولازالوا يعيشون في كنف المنظومة الغربية بشقيها ، متنقلين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ، وهؤلاء لا تزال تعلق في أذهانهم فكرة المصطلحات المرحلية ، ولا يزالون يتعاملون مع الإسلام بمفاهيم القوميين والناصرين ، واعتبار الفكرة الإسلامية فكرة رجعية ، ويطرحون المشروع التقدمي على أسس الليبرالية الغربية ، وإن كان عامل السن يجعلهم يفترون في حماستهم ، بل ويراجعون أنفسهم في موقفهم من الإسلام ، ولذا حصل عند كثير منهم بعض الترحلات الفكرية المنحازة إلى الإسلام ، وإن كانوا لا يزالون متشبثين ببعض الأفكار التي لو تركوها لم تفرق بينهم وبين أي إسلامي ..وبعض هؤلاء لهم ولاء للبلد وكيانه السياسي " البعد الوطني " إلا أنهم يريدون تغيير البنية الاجتماعية إلى مزيد من الانفتاح والحرية التي تكسر بعض القيود الشرعية .
الطبقة الثانية : الليبراليون الفلاسفة :
وهؤلاء يحملون الفكرة الليبرالية حملا فكريا ، وينافحون عنها باعتبارها بديلا مرجعيا وشموليا للحياة ، ويدخلون في تفاصيل المحاجة والبراهين على صدق الفكرة ، وهؤلاء قليل بالنسبة لعموم الليبراليين ، والسمة الغالبة على هؤلاء هي عدم الانضباط المنهجي والصرامة في حمل الفكرة ، فهم لا يزالون يراوحون بين الفكر والسلوك في تناقض عجيب ، فتجد الواحد منهم يؤصل نظريا قضايا مثل " نسبية الحقائق " و " الحرية المطلقة " وله موقف مبدئي رافض من قضية الأديان ، ولكنه في سلوكه الخاص والعام لا تفرق بينه وبين أي رجل سعودي ، فهو يصلي ، ويصوم ، ويحج ويقرأ القرآن ، والعجيب ان مثل هؤلاء له حرص خاص على الصلاة ، وأذكر ان احد هؤلاء يكتب كتابات خطيرة ، مآلاتها كفرية ، وقد حدثني من جالسه أنه انتفض انتفاضة حين سمع الإقامة ، وشمر عن اكمامه وتوضأ وصلى مع الجماعة ، مما يدل على أن هؤلاء لا يزالون يراوحون في خياراتهم الفكرية ، او ان الفكر عندهم مجرد متعة للتنغيص على بعض " المطاوعة " الذين يقابلون ، أو أنهم يعانون من انبهار حضاري وردة فعل عنيفة على الوضع الاجتماعي والفكري القائم ترجموها بالاهتمام الفكري الغربي .
الطبقة الثالثة : رجيع الصحوة الإسلامية :
يتميز هؤلاء عن الطبقتين الاوليين بميزات جعلت منهم أقوى عودا ، فهؤلاء نشأوا في بداية حياتهم في أحضان الدعوة الإسلامية ، وقد بدأت أفكار هؤلاء تتشكل في التسعينيات الميلادية ، حيث انفتح هؤلاء على قراءة أفكار التيار العربي القومي الفلسفي ، وحصل لهم استلاب قوي للمنظومة الفلسفية العربية ، فالجابري وفهمي جدعان وعلي حرب ومحمد أركون وغيرهم أثروا في هؤلاء الأثر البالغ ، ورحلوهم من الفكرة الإسلامية إلى الفكرة الفلسفية التي اتخذت اشكالا كثيرة ، فبعضهم وقف على قضية " التنوير الديني " وهؤلاء لا شك أخف بكثير من الليبراليين ، وبعضهم تشرب أفكار هؤلاء حتى افتنع بكل آلياتهم ونتائجهم مما جعله يقف الموقف الرافض من الدعوة الإسلامية ، بل ومن الإسلام نفسه ، والملحوظ على هؤلاء انهم أجرأ في طرح مايعتقدون بحكم تربيتهم السابقة ، وخاصة ان الكثير من هؤلاء كان عندهم غلو أيام التوجه الإسلامية ، فتغيرت الأفكار ولم تتغير النفسية والحدة ، وقد بلغ هؤلاء مبلغا خطيرا في طرح الأفكار الإلحادية ، بل وترك الصلاة بالكلية والاستخفاف بكثير من الشعائر ، والمحصلة النهائية لهؤلاء هي البحث عن موضع قدم في الواقع وتحقيق للذات ، وخاصة حين يجدون من يفتح لهم الصدور ، ويتيح لهم الفرص للظهور الإعلامي .
الطبقة الرابعة : عجائز الليبرالية :
وهم مجموعة من الكتاب الذين صارت لهم خصومة مع التيار الإسلامي ، وهم لا يميزون بين الليبرالية وبين المرقوق ، إلا ان المخالفين اوهموهم بأنهم ليبراليون ، فقالوا نحن كذلك ، وهؤلاء تقليديون في صراعهم وفي طريقتهم ، فهم مثل بعض الشيبان الذين يتحفظون على طريقة بعض " المطاوعة " ، إلا ان هؤلاء بحكم خبرتهم الصحفية ومواقعهم الأكاديمية ركبوا الموجة ، وأصبحوا ينكئون بالخصوم لأجل الخصام اكثر من كونهم يحملون فكرة او مشروعا ليبراليا ، ومن الظلم لليبرالية ان ينسب إليها بعض هؤلاء ، لانك حين تجالسهم فكانك تجلس مع بعض سماسرة العقار او شريطية السيارات ، ولكن الخصومة - وهي غفلة من غفلات بعض الدعاة - حققت لهم هذا الحضور الطاغي ، وجعلتهم في مواقع لم يحلموا بها ، مع انهم كانوا يكتبون منذ عقود طويلة لم يلتفت إليهم أحد ، ولم يحرك ما يقولون أي ساكن !
الطبقة الخامسة : الحداثيون الليبراليون :
وهؤلاء كانوا أس الصراع مع الإسلاميين في السعودية ، وكانوا يشكلون الفكر الحداثي الادبي ، وقد دارت بينهم وبين بعض الإسلاميين معارك ، وكان السكون والجبن سمة بارزة لهؤلاء ، حيث اشتد الصراع بعد حرب الخليج الثانية ، وكتبت فيهم المؤلفات والأشرطة ، وهؤلاء انتلقوا من الحداثة الأدبية إلى الفكرة الليبرالية التي تدخل في السياق الثقافي والمشكل الاجتماعي مستصحبين معهم فكرة التحديث واللبرلة ، إلا ان هؤلاء أثرهم محدود ، وفي اوساط نخب أدبية محدودة ، وعندهم مم طول النفس ماليس عندغيرهم ، وقد جرأهم الانفتاح الصحفي في السعودية على طرح روايات وكتابات لم يكونوا يجرأون على بثها قبلا .
الطبقة السادسة : الليبراليون الشبحيون :
وهؤلاء مزيح من أصحاب التوجهات الفكرية من ماركسيين وملاحدة ورافضة وغيرهم يدخلون في كثير من المنتديات ليظهروا ما يدرو في عقولهم الباطنة ، ويصفون حساباتهم مع خصومهم الأقربين والأبعدين ، ويمارسون عربجة فكرية في النقد ، وفيهم من السفاهة في القول ، والتهجم على الثوابت ، وقلة الادب مالا يوجد عند غيرهم ، وخصومتهم خصومة صبيانية لا ترقى إلى الطرح الفكري ، ولذا يركزون على الأشخاص اكثر من الأفكار ، وينكئون بالمقدس للنكاية بالخصوم ، ويبدو من ثنايا كلامهم الشهوة الجامحة ، والانحراف السلوكي أكثر من حمل الأفكار ، فهم يطبقون الليبرالية السلوكية أكثر من الليبرالية الفكرية والمنهجية ، ويغلب على هؤلاء ردود الأفكار مع صغر السن ، وعندي ان هؤلاء اكثر الليبراليين استفزازا للتوجه الإسلامي للجرأة وخرق المنهجية والصبيانية ، مع التنفنن في نقد التيار الإسلامي بوسائل الكتابة الساخرة ، واستخدام الطريقة الشوارعية في الموقف من الخصوم ، مع المبالغة في الخصام الغير مبرر ، والعجيب ان كثيرا من هؤلاء طائفيون إلى النخاع ، فهم ليبراليون ولكنهم يظهرون معتقداتهم حين تأتي على قضية طائفية مثل قضية المتعة او الإمامة وغيرها ، ولذلك يركزون في نقدهم على " الوهابية " اكثر من موقفهم من الفكرة الإسلامية بالجملة .
الطبقة السابعة : الليبراليون الإسلاميون :
وهؤلاء يعتقدون الفكرة الإسلامية ، ويرون الإسلام مرجعية حضارية وسلوكية وفكرية وعقدية ، ولكنهم يشابهون الليبراليين في كثير مما يطرحون ، فهم يركزون على مسائل العدالة والحرية والتعددية والديمقراطية وحقوق الأقليات والطوائف وغيرها إلا ان التأصيل الذي ينطلقون منه يرتكز على قضيتين :
الأولى : اعتبار الأسلام مرجعية حضارية
والثانية : فرز مفاهيم الليبرالية بما يتوافق او يتعارض مع الإسلام
وهم بذلك يشكلون فكرة " اسلامية ليبرالية " ، وهؤلاء اصدق الطبقات في حمل ما يعتقدون ، وأكثرهم تأصيلا لمسائلهم ، وإن كان يغلب على كثير منهم المنهج التلفيقي ، وعدم استيعاب الفكرة الليبرالية في سياقاتها التاريخية والثقافية ، وكذلك فهم مصابون بنكسة نفسية جراء المقارنات بين وضع العالم الإسلامي ومكتسبات الغرب الحديثة ، مما جعلهم يؤممون تجاه الفكرة الليبرالية كحل لمشكلات النهضة والتقدم ، وهم يشبهون في كثير من طروحاتهم أفكار أهل الانوار في زمن النهضة العربية ، وإن كان هؤلاء الصق بقضية التراث بحكم النشأة والبيئة السلفية التي تربوا في ظلالها .
الطبقة الثامنة: الليبراليون السياسيون :
وهؤلاء أخطر الجميع ، حيث ينطلقون من فرض أفكارهم من خلال الموقع التأثيري والسياسي والوظيفي ، ومشروعات هؤلاء ليست مشروعات فكرية ثقافية قابلة للنقض والرد والدحض ، بل هي مشروعات عملية متدرجة ، يتعاملون مع المرحليات ، ويخططون للمستقبل ، ويقدمون المشروعات بحنكة ودراية ، ويدركون المشكل السياسي والثقافي ، ويوجهون أصحاب القرار لما يخدم المشروع ، وخطورة هؤلاء تكمن في التغيير البطئ والفعال الذي لا يرصده إلا من يتابع التغير الاجتماعي لحظة بلحظة .
هذه عجالة سريعة وفكرة خاصة أحببت ان أقدمها بين يدي الإخوة للنقاش والأثراء ومن ثم معرفة الطريقة التي يمكن ان يتعامل من خلالها مع هذه التيارات ، ومدى خطورتها على الوضع السياسي والاجتماعي والقيمي والثقافي في السعودية
http://www.muhawer.net/forum/showthread.php?t=21336
التعليقات (0)