لم يَخرُج مَن تَناول تصريح الرئيس جلال الطالباني لقناة (العراقية) العراقية عن الشأن السوري، لم يَخرُج للأسف عن القواعد الثابتة المعروفة التي تقوم على تجاوز الموضوع و التركيز على خلفيات الشخص أو مواقفه السابقة أو الصورة النمطية له، و إذا تم تناول الموضوع كإستثناء من هذه القاعدة، فيكون ذلك من خلال تجزئته، و القفز على معظمه، و تناول الجزئية التي تتفق مع مزاج الكاتب، فيشبعها مديحاً، أو يتخذها منصة للتهجم على الشخص صاحب الرأي و شيطنته إذا لم يتفق معها.
و أعترف بداية بصعوبة إقتفاء آثار آراء سياسي بحجم السيد طالباني، فهو يقرأ أفكار محاوره جيداً، يكفيه أن يسمع نصف السؤال حتى ينطلق في الإجابة عليه بتلقائية يُحسد عليها، أو يأخذ السائل بالإتجاه الذي يرغب هو بالخوض فيه، ثم يتركه مع إجاباتٍ هي عبارة عن مادة خام تصلح لتشكيلات مختلفة، و يمكن صياغتها كيفما شاء المرء.
و لست هنا بصدد الدفاع عنه و عن آرائه أو إنتقادها، إذ يمكن و بسهولة تفنيد كل ما كتب مع هذه الآراء أو ضدها، جملةً بجملة، كلمة بكلمة و حرفاً بحرف... فما طرحه رأيٌ سياسي يمكن الإختلاف حوله إذا أُخذ ككتلة واحدة، و كنت بدوري بصدد الكتابة عن التناقضات البنيوية التي يقع فيها النظام العراقي خلال معالجته للمسألة السورية، و خاصة في موضوع طريقة إستلامه للحكم، و إنكاره على الشعب السوري المطالبة بحمايته من آلة القمع الأسدية، و لكن الموضوع لا يحتاج إلى بذل كبير جهد لمعرفة خلفيات هذا التناقض، بسبب تهافت الإدعاءات التي يسوقها، و محاولته إخفاء رأسه الطائفي في أرضية صلبة تقف عليها الثورة السورية.
لكن ما لف إنتباهي هو هذا الهجوم القاسي الذي تجاوز آراء الساسة الكرد العراقيين، ليصل إلى العمق الكردي، حتى السوري منه، و التدخل في شؤونه و محاولة توجيهه، من خلال قيام هؤلاء بتنصيب أنفسهم أوصياء عليه، بالقول بما يجب أن يكون أو لا يكون، و الوقوف إلى جانب طرفٍ ضد آخر، تعميقاً للإنقسام الحاصل في الشارع الكردي، و كأنهم كانوا بإنتظار مثل هذا الموقف السياسي، ليبنوا عليه صواريخهم العابرة للآراء، و تصفية حساباتهم التاريخية، حتى أن المرء يتذكر هنا ما كتبه الشاعر الفلسطيني معين بسيسو يوماً:
كردياً كان صلاح الدين
إنتصر فأصبح بطلاً عربياً
لو هزم صلاح الدين
لأصبح جسوساً كردياً
و هكذا، عندما يصدُر عن الطالباني رأيٌ لا يتفق معه أحدهم، فإنه ـ و بصرف النظر عن رأينا في ذلك الرأي ـ لا يعود حينها رئيساً للعراق، بل ذلك الكردي الإرهابي المعادي مثل النظام الأسدي للشعب السوري، يصبح (طيراً يقع على أشكاله من الطيور) و (مقاتلاً شرساً في شبيحة الأسد)، هكذا دون أدنى إحترام، يعمم المرء و يشتم شخصاً مختلفاً معه، له مهما إختلفنا معه أنصاره، دون الأخذ في الإعتبار أن الرجل يحتل فقط منصباً شرفياً، يملك بموجبه و لا يحكم، فالحكم هو في مكانٍ آخر، لا يكتفي أصحابه بإرسال مليارات الدولارت لتغذية آلة القتل الأسدية، بل يقومون كذلك بإرسال قوافل من الإرهابيين المعممين بالسواد لتدعيم شبيحة النظام، و ما خفي كان أعظم. و لكن ذلك لا يكفي لإثارة حمية هؤلاء.
لكن السيد الطالباني قد يصبح الرئيس العراقي و يتم نسيان أصله و منبته إذا ما غالى في مواقفه و زاود على القوميين العرب، كما أصبح من سبقه و من سيليه إذا ما حمل سيف العروبة و الإسلام.
للأسف لا يكتفي أمثال هؤلاء بتخوين الكرد، بل يتحولون كما ذكرت إلى أوصياء على جهات الكرد الأربعة، يوزعون عليها الأدوار التي تتفق مع رؤيتهم، فحسب هؤلاء حتى الآخ مسعود البرزاني لم يقم بالدور المطلوب منه كاملاً ؟؟ فهو يستقبل الأحزاب الكردية القريبة من السلطة ـ حسب رأيه ـ و لا يوصد دونها أبوابه.
فهل كان المطلوب منه أن يوصد بابه دون تلك الأحزاب ـ و مرةً أخرى بصرف النظر عن الإتفاق أو الإختلاف معها ـ حتى يكون قد قام بالدور المطلوب منه جيداً.
تذكرني هذه اللهجة للأسف بإنتفاضة الشعب الكردي في العام 2004 عندما راح بعض الغوغاء يتهجمون على الكرد بصورة غير موضوعية، يهينون رموزهم و قادتهم ـ و للمرة الألف بصرف النظر عن رأينا في هؤلاء ـ لا لسببٍ سوى أن هناك صلة دم بينهم و بين هؤلاء، و بالتالي كان المقصود بالإهانة الأقربون، فهيأوا بذلك لمجزرة نفذها النظام السوري، و هي تشبه إلى حدٍ بعيد ما يقوم به اليوم، و نأمل أن لا يؤسس مثل هذا الخطاب التجييشي الحالي لأمور سيئة قادمة.
يخوض الشعب الكردي اليوم إلى جانب شقيقه العربي ثورة الكرامة ضد النظام السوري، و هنا ينقسم الكرد كالعرب إلى شرائح متعددة يتفاوت مستوى وعيها بالثورة، و هناك حسابات متعددة و رؤى مختلفة لمرحلة ما بعد سقوط النظام، فهناك من يرى أنها ستكون صفحة جديدة سيسطر عليها الجميع حقوقهم، و هناك من يراها صفحةً سوداء لن تختلف سوى في الشكل عن هذه، و إن هناك معركةً أكثر شراسةً بإنتظارهم، و يدلون على ذلك بما نشهده من تصريحات متطرفة لإقطابٍ من المعارضة السورية تنكر على الكرد ليس حقوقهم التي نصت عليها الشرائع السماوية و الوضعية فحسب، بل مجرد حقهم في الإختلاف.
خلاصة القول: بالقدرالذي لن تستطيع أن تمنع الآخرين من حرية التعبير أو حتى الأملاء (إذا شئت)، تبقى الحقيقة الثابتة هي أنه من المستحيل أن تستطيع أن تعثر على كردياً وحداً، لا يتمنى في قرارة نفسه لهذا النظام، سوى الجهنم و بئس المصير.
التعليقات (0)