أتفق مع ما جاء فى مقال الأخ العزيز عمرو أسماعيل عن عمليات طابا الإرهابية ، ويؤلمنى نظرة المواطن العربى الذى يهلل لقتل النفس البشرية فى تلك الأعمال الإرهابية ، تلك النظرة التى لا ذنب له فيها لأنها ترديد تلقائى لما يتردد على مسامعه ليل نهار من أنشراح صدر الله لمثل تلك العمليات الإرهابية والتى سيكافئ أصحابها بالجنة الموعودة .
وسائل الإعلام المصرى الرسمية التى يسيطر عليها النظام السياسى الحاكم ، لذلك نجد المشهد اليومى منذ سنوات عديدة لهذا الإعلام العنصرى الذى يزرع الكراهية الدينية بين مواطنى البلد الواحد ، والواقع الدينى والأجتماعى المنتشر فى ربوع مصر الذى لا هم له إلا بغض اليهود والنصارى وضرورة قتالهم والقضاء عليهم لأنهم أعداء الله وأعداء المؤمنين به وأعداء القيم والحضارة .
عندما تستمر الدولة فى إعطاء فقهاء الدين مساحات واسعة من البرامج التى شغلها الشاغل هو اليهود والنصارى ونجاسة النساء ، فالنتيجة الحتمية أن يتشبع العقل المصرى بالمكافأت الإلهية والتى سيفوز بها كل من يقوم بأعمال تخريب وقتل ونهب ، وهذا يوضح لنا عمق المأساة التى تقوم الدولة ببنائها والتبشير بها بين أجيالها الناشئة .
عندما يكون الدين مجرد كراهية وحقد وبغضاء تتحول واقعياً إلى أعمال قتل ، ومكافأة تلك المشاعر المريضة هو الفوز بالجنة والصبايا ، يكون طبيعياً أن يفهم المؤمن أن هذا هو الدين الحق وهذه هى العبادة الحقيقية ومن يفعل هذا فهو يفعل مشيئة الله فى إرهاب وبغض وقتل البشر ما داموا مختلفين عنا لغة وعقيدة وإلصاق كافة التهم بهم وأعتبارهم سبب المشاكل والبلاوى التى يعيشها المواطن البسيط .
تغيرت المفاهيم والقيم فى مجتمعاتنا وأصبحت الهوية الدينية هى وسواس الغالبية ، فأصبحنا نردد عبارات مثل تحسين الصورة الدينية بدلاً من تحسين الصورة الوطنية ، أصبحنا نردد المصلحة الدينية بدلاً من المصلحة الوطنية ، حقوق الإنسان حلت محلها الحقوق الدينية ، المجتمع المدنى أصبحت المجتمع الدينى ، كل هذه المفاهيم والمصطلحات يسترسل فيها إعلامنا ورجاله الدينيون والمثقفون الذين يروضون العالم من حولهم ليصبح عالم دينى يفرض دين العرب على كل من يسمع ومن لا يعجبه فلا حق له فى الأعتراض أو المناقشة والحوار بل الحل الوحيد هو أن يشرب من البحر !
الإعلام العربى المدفوع من الطبقة الحاكمة هو الذى يسمى أعمال الإرهاب أعمال مقاومة ويقدم تحليلاته السياسية برجال إعلام يدسون السم فى العسل ، والمواطن العربى هو الضحية الساذجة التى تصدق كل شئ ، لأنه لم يتعلم إعمال العقل والتأمل والدراسة ومحاولة فهم العالم من حوله بنفسه ، بل ينتظر المواطن العربى من يقدم له فتاوى وشروحات وتفسيرات دينية وسياسية وأجتماعية وجنسية على طبق من ذهب جاهز ليشرب ويأكل منه بالهنا والشفا .
مثال على هذه الحالة الإعلامية المجتمعية القاصرة وذلك الخلط المتعمد مع سبق الإصرار والترصد الذى يخلق ثقافة عنصرية فى أتجاه واحد ، ما سمعته من أحد الشيوخ الأفاضل على الفضائية المصرية وكان يرد على سؤال بسيط لشاب بسيط عن ما هى الحرية فى الإسلام ؟ وكانت إجابة الشيخ الفاضل من منطلق إيمانه وهو حقه الكامل لكنه لم يقف عند هذا الحد ، بل تجاوزه إلى مقارنة الحرية فى الإسلام مع بقية الأديان ومنها المسيحية التى بالطبع لم يكن هناك أحداً ليصحح للشيخ ما يقول أو يرد على مفهومه للحرية الناقصة فى المسيحية أو غيرها ، وكان القصد أن يخرج الشيخ وهو الفارس الأوحد فى البرنامج أن يظهر للمشاهدين من كل الأديان ولهذا الشاب المتسائل أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى أعطى الحرية للبشر .
هذا المثال الواقعى يدل على عقلية الإنسان العربى الذى لم يتعلم ولا يعرف كيف يشرح عقائده ومفاهيمه الدينية فى حدود معتقداته الخاصة بدون أن يشوه صورة الأديان الأخرى التى ليس لها الحق فى بلادنا العربية بأن توضح رأيها وتقول تفسيرها حول رأيها فى قضايا العصر والمجتمع ، لغة الحديث والحوار لا يبشر بالآداب والقيم التى تحترم صورة الآخر فى وسائل الإعلام وفى كل الأحاديث العلنية وغير العلنية التى يتم تشويهها وما تخلقه من آثار نفسية فى جميع المواطنين بأختلاف أديانهم وطوائفهم .
علامات الأستفهام كثيرة والتى ترسمها الصلاحيات المطلقة لأفراد يشوهون حقيقة العقلية المصرية ، وأعتقد أن القادة السياسيين والدينيين فى مصر خاصة وعالمنا العرب عامة ، عليهم مسئولية هامة وهى أن يحترموا هم أنفسهم الآخر ويعلنوا ذلك صراحة ، وأن يضعوا دستوراً للآداب العامة وأن يطبقوا المساواة بين كل المواطنين بدون النظر إلى الجنس أو اللون أو الدين وأن يضعوا القوانين التى تجرم من يخرج على تلك الآداب والقوانين الحقيقية التى يلتزم بتنفيذها جميع أفراد المجتمع إيماناً بأن الدين لله والوطن للجميع .
2004 / 10 / 11
التعليقات (0)