طائفة السيخ وأفضال الحضارة والعمارة الإسلامية
(الجزء الثاني)
قصة المعبد الذهبي وبركة الماء:
الغورو (رام داس)
تعود فكرة إنشاء معبد ومدينة مقدسة للسيخ إلى الغورو الرابع (رام داس) 1532 – 1581م الذي استغل توجهات الإمبراطور المسلم سليل الأسرة التيمورية "جلال الدين أكبر" (حكم ما بين 1556 – 1605م) وأحلامه الهوجاء بتوحيد الديانات المتعددة في الهند تحت مظلة دين واحد أسماه (الدين الإلهي) مما أدى به لقلب كل الموازين وتحامل في سبيل ذلك كثيرا ضد الدين الإسلامي الذي يعتنقه هو نفسه . وضيق على شيوخه الخناق وسامهم العسف دون أن ينجح في النهاية سوى في إضعاف المسلمين لمصلحة الهندوس والسيخ . وحيث استفاد زعماء هذه التعاليم الأرضية كثيرا من الدعم المالي السخي الذي كان يضخه الإمبراطور جلال الدين أكبر في جيوبهم الخاصة أو خزائن طوائفهم.
الإمبراطور المغولي جلال الدين أكبر
بركة الماء والمناطق المحيطة بالمعبد الذهبي اشتراها الغورو (رام داس) عام 1577م وضمها إلى أملاك طائفة السيخ .كما منحهم الإمبراطور جلال الدين أكبر ملكية 10 قرى محيطة بمقدساتهم ..
وهكذا هاجر أتباع الطائفة للاستقرار في تلك المناطق وسميت المدينة أولا (رام لسبان) ثم تحول إسمها لاحقا إلى (أمريتسار). وفي منتصف هذه المدينة يقع المعبد الذهبي (Golden Temple) الذي كان إسمه في السابق هو داربار صاحب (Hari Mandi) . وقد شرع الغورو رام داس في بناء هذا المعبد ولكنه قضى نحبه قبل الفراغ من بنائه فقام خلفه وزوج إبنته الغورو الخامس (أرجان ديف) بإتمام البناء.
استطاع السيخ استيعاب أعداد كبيرة من المنبوذين والمظلومين إلى طائفتهم ووفرت مدينتهم المقدسة ملجئاً آمناً في ذلك الزمان لكل المطاردين والمهمشين العاديين أو رجال الدين الهندوس والبوذيين الذين تعرضوا للاضطهاد من جانب زعمائهم بسبب توجهاتهم التجديدية .. وقد تقبلتهم طائفة السيخ على شرط إنضمامهم إليها وأن يصبحوا من أتباعها المخلصين.
دور المسلمين في بناء المعبد الذهبي:
المهراجا رانجيت سينج
تم إعادة بناء المعبد الذهبي ليتخذ شكله الحالي في عهد المهراجا رانجيت سينغ أشهر ملوك السيخ قاطبة ما بين عامي 1803م و 1839م .
في عام 1808م استدعى الملك رانجيت سينغ أشهر المهندسين المعماريين والبناءين والنجارين والأرابيسك والزخرفة والعمال المهرة المسلمين من مناطق باكستان الحالية وعلى راسهم المهندس المعماري (بار محمد خان) الذي قام بوضع تصاميم المعبد وما حوله من مباني والبركة المقدسة. وابتدع فكرة وطريقة تنفيذ طلاء المعبد بماء الذهب عام 1830م فاصبح إسمه بعد ذاك (المعبد الذهبي) .... وقد بلغ تعداد هؤلاء الفنيون والعمال من الكثرة ما دفعهم إلى بناء مسجد لأداء شعائرهم الدينية فيه جوار محل سكنهم الذي أفرده لهم المهراجا رانجيت سينغ . وقد ظل هذا المسجد قائما حتى عام 1947م حيث تعرض وقتها إلى التدمير والحرق على يد بعض المتعصبين السيخ الساخطين على استقلال باكستان عن الهند.
على أية حال فإنه وبعد وفاة المهراجا رانجيت سينغ عام 1839م تقلصت ميزانية الصرف على الجوانب المعمارية في معابد السيخ بالمدينة . فهجر المسلمون المدينة عائدين إلى بلادهم وتم إكمال المباني لاحقا على يد العمال السيخ والهنود. لكن يلاحظ وبشكل واضح أن لفنون العمارة الإسلامية القدح المعلى في كافة هذه المباني بما فيها المعبد الذهبي.
كما امتد التأثير الإسلامي ليشمل العديد من الملامح الأخرى وعلى راسها بعض أنواع الأكلات والأطباق والحلويات . وكذلك الأغاني والموسيقي والرقصات الشعبية نتيجة إحتكاك السيخ بالمسلمين في مدينة أمريتسار وإقليم البنجاب بوجه عام خلال عهد المهراجا رانجيت سينغ الذي كانت لدية رؤاه المنفتحة الخاصة في جانب ضرورة إثراء الجوانب الروحية والاجتماعية والثقافية لطائفته بل . ووصل في علاقاته الدبلوماسية إلى اقصى مداها حين فتح قنوات اتصال مع الامبراطورية البريطانية واستقبل في مقر حكمه العديد من المبعوثين الأجانب.
المهراجا رانجيت سينغ (جالس في الوسط) بين اثنين من زواره قبل استعمار بريطانيا للهند
بصمات العمارة الإسلامية واضحة من خلال التصميم والأروقة .... لاحظ القباب والأقواس وإفراد الصحن لبركة الماء والمعبد بهدف إبراز الأهمية والجمالية في آن واحد وهو ما أشتهرت به العمارة الإسلامية.
التعليقات (0)