ضياع الوطن بقلم خالد القشطيني، لا اعلم ان كانوا هم فقط من اضاعوا وطن ام بتنا جميعنا بلا وطن ، اليس هي فرصة لنلم شمل الجميع في وطن ..!
من الاغاني التي هزت مشاعري و ما زالت ما سمعته من حاتم العراقي . لا احد يجيد نحيب العراقيين كهذا المطرب. استمع اليه وهو يندب:
اللي ضيع له ذهب بسوق الذهب يلقاه
و اللي ضيع حبيبه تفوت السنة و ينساه
لكن اللي ضيع له وطن وين الوطن يلقاه؟
تهزني الاغنية بصورة خاصة لأنها تنطق بلساني، الرجل الذي اضاع وطنه او وطنه اضاعه و بقي لنصف قرن يبحث عنه، لا يستطيع ان ينساه ولا ان يجده في سوق الذهب. تهيج هذه المشاعر في نفسي كلما التقيت بنفر من اليهود العراقيين الذين ضاع عليهم وطنهم الاصلي العراق و بقوا تائهين في مشاعرهم. هناك مرض عضال يسمونه مرض المهاجرين. تنبع منه شتى الامراض و العلل و تمتليء المستشفيات بضحاياه. تعود جرثومته لهذه الحقيقة الثابتة: وهي ان انسان اليوم هو طفل الأمس. اينما تذهب و مهما تعمل و تكسب و تدرس و تتعلم فطفولتك تبقى كالشيطان الرجيم ترصد اعمالك و تتأهب للانقضاض عليك و استردادك الى احضانها. اينما يذهب اليهود العراقيون فسيبقى " عقداليهود" في بغداد وطنهم.
اليهود العراقيون اكثر تعلقا بالعراق منا نحن المسلمون و المسيحيون. بالطبع هناك اسرائيل تفتح لهم صدرها و لكنها تعجز عن فتح ما في صدورهم من حنين و شوق. و هذه في رأيي هي جريمة الصهيونية في اقتلاعها لليهود من اوطانهم و اذاقتهم طعم التشرد و الضياع في ارض غريبة. يحاولون ان يداووا هذه الهموم بهذا المرهم الابدي و المضمون الاستعمال : الموسيقى. يقودهم كل شهر تقريبا الاديب اليهودي العراقي اميل كوهين للاجتماع في مطعم عربي في لندن، يخدمهم نادل عربي يقدم لهم طعامهم العربي و يحتسون العرق العربي و يرقصون الدبكة العربية على الحان الدربوكة العربية و يغنون اغاني سليمة مراد و زكية جورج العربية.
حضرت قبل ايام واحدة من حفلاتهم هذه في لندن. و كما كنت اتوقع استمعت من ذلك المطرب البارع و الموسيقار المبدع احسان الامام خير ما في الطرب العربي من سحر و عواطف. و راح يجرهم من قلوبهم نحو تلك الذكريات و الحنين و الاشواق لماض مر وفات و ترك جروحه في اكبادهم.
سرحت كعادتي بأفكاري فلمحت اذيال هذا الانفصام فنحن سياسيا و قانونيا اعداء و خصوم. و لقنوهم في اسرائيل كما لقنوننا في عالمنا العربي ان نكره الطرف المقابل و كل من فيه من بشر و ما فيه من تراث و فكر. كيف يجلس هؤلاء القوم ويأكلون خبزنا و ملحنا و يراقصوننا في الدبكة و يتمايلون و يتمرجحون معنا و نحن نستمع لاحسان الامام، امام الطرب و العود ، يضرب و يغني قلبك صخر جلمود ما حن علي؟ الا يشعرون بالتناقض و الانفصام؟ الا نشعر نحن بخيانة عروبتنا و نسيان فلسطيننا؟
معلهش! الكلمة الاخيرة للموسيقى . وهكذا تقول: كلكم من آدم و آدم من تراب.
التعليقات (0)