مواضيع اليوم

ضياع الهوية الوطنية بضياع اللغة العربية

شريف هزاع

2010-05-11 20:12:26

0

 

إذا كانت المناهج الدراسية تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في تشكيل الهوية الوطنية، فإن اللغة هي قلب الهوية الوطنية وروح الأمة، هي أداة الفكر التي يعبر بها الإنسان عن واقعه وهمومه وطموحه وإبداعه، هي الإطار الذي يتم من خلاله الانتماء والولاء للدولة والأمة والمؤشر على قوة الأمة أو ضعفها. لذلك فإن كل الدول تحرص بقوة على تجنيد كل الوسائل للحفاظ على لغتها الوطنية من أي تأثيرات ضارة والدفاع عنها في مواجهة تأثير اللغات الأخرى، حتى لا يحدث لها مثلما حدث لباقي اللغات التي ماتت؛ فهناك 25 لغة تموت سنوياً كما تشير الأبحاث العلمية من مجموع اللغات التي يقدرها الباحثون بحوالى 6000 لغة، والتي تتوقع الدراسات أن تختفي منها 3000 لغة مع انتهاء القرن الحادي والعشرين.

لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، لغة العبادة والثقافة والحضارة الإسلامية واللسان المشترك، الذي يجمع أكثر من مليار مسلم على وجه الأرض، هي لغة التفكير العلمي والإبداع والابتكار الذي يحقق للأمة القوة والطاقة والإنجاز والاختراع والتقدم، لا نريد لها أن تتعرض لمثل هذا الخطر، خاصة بعد أن أدرك أعداؤها أنها هي السبب في قوة هذه الأمة.

ولعل ما يفسر لنا مصداقية ذلك، ما ذكره الكاتب البريطاني "جي. أتش. جانسن" في كتابه "الإسلام المقاتل" عندما قال: إن الإنجليز والفرنسيين عندما كانوا يستعدون في بداية القرن العشرين لجعل المنطقة التي تسيطر عليها الدولة العثمانية مناطق نفوذ خاضعة لسيطرتهم واستعمارهم، قاموا بإجراء بحوث ودراسات كثيرة لمعرفة أسباب قوة وصلابة الإنسان العربي المسلم، وتمكنه من تحقيق انتصارات وفتوحات كبيرة وواسعة من الهند إلى المحيط الأطلسي، فوجدوا أن أهم سبب كان يكمن في طريقة تعلم الطفل العربي، فهو يتعلم القرآن والكتابة قبل سن الخامسة، ويختم حفظ القرآن الكريم الذي يحتوي على أهم وأفصح التراكيب اللغوية في اللغة العربية، فيتقنها وعمره لا يزيد على السادسة، لذلك خطط الإنجليز والفرنسيون عدة أمور أهمها، العمل على إضعاف مدارس "الكتاتيب" التي كان يتعلم فيها الأطفال العلوم الدينية واللغة العربية وجعلها مقصورة على أولاد الفقراء، وإنشاء مدارس حكومية للطبقة المتوسطة يدخلها الأطفال بعد سن السادسة، ومدارس أجنبية لأولاد الأغنياء يكون تدريس اللغة الإنجليزية فيها بدرجة أقل مما يدرس في الغرب بهدف تكوين طبقة تتعامل مع الأجنبي المحتل وتصبح غريبة عن مجتمعها وغريبة عن المجتمع الذي تتشبه به في الغرب حتى تظل دائمة الشعور بالنقص، وبذلك يضمن المحتل الأجنبي ولاء هذه الطبقة.

ما يحدث اليوم للغة العربية هو نفس المخطط، بل أخطر مما حدث أيام الاستعمار، خاصة بعد أن تحول التعليم في المدارس والجامعات إلى اللغة الإنجليزية، وأصبحت الإنجليزية هي اللغة الأولى في غالبية المؤسسات والقطاعات المختلفة، البنوك والفنادق والشركات والمراكز والمحلات التجارية... إلخ.

أجيالنا الجديدة أصبحت لا تتحدث أو تكتب أو تفكر أو تقرأ باللغة العربية، لا تفهم لغة العبادة ومعاني القرآن الكريم وخطبة الجمعة، هناك الكثير من الآباء والأمهات يشتكون بمرارة من هذا الموضوع. حدثتني إحدى الأمهات التي يدرس ابنها في إحدى المدارس التي تدرس باللغة الإنجليزية قائلة إنه عندما كانت في زيارة لكندا في الصيف الماضي، ذهب ابنها إلى صلاة الجمعة في أحد المساجد هناك، وكانت الخطبة باللغة الإنجليزية، وعندما عاد كان سعيداً جداً حيث أخبرها أنه لأول مرة يفهم خطبة الجمعة لأنها بالإنجليزي.

المسألة في غاية الخطورة، هناك محاولات صريحة لتدمير النسيج اللغوي في مجتمعاتنا العربية، ومحاولات لتمزيق الهوية الوطنية. اللغة العربية اليوم تعاني من استدراج خطير لقتلها. لقد أطلقت العديد من التحذيرات في الأشهر الماضية حول خطورة ما تتعرض له اللغة العربية والهوية الوطنية في العالم العربي، أهمها صرخة الاستغاثة التي أطلقها من جامعة الدول العربية 500 عالم وخبير لغوي خلال المؤتمر الذي عقدته اليونسكو في القاهرة تحت شعار "لغة الطفل العربي في عصر العولمة"، خلاصتها أن عولمة الثقافة وسيادة اللغة الإنجليزية أكثر خطورة على اللغة العربية والهوية الوطنية من الاستعمار، وأن استمرار مثل هذا الوضع الذي نعيشه على مدى 50 عاماً سيؤدي إلى موت اللغة العربية. وفي ندوة "العربية في عصر العولمة" التي عقدت في المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، حذر الدكتور محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، من خطورة هذا التوجه حيث قال: إن هناك مؤامرات تحاك منذ سنوات للنيل من اللغة العربية، وإن في مصر 250 مدرسة أجنبية تعلم علومها في غيبة اللغة العربية تماماً، إضافة إلى جامعات أجنبية، وهذا الأمر سيؤدي بعد جيل أو جيلين إلى وجود طبقة اجتماعية لا تنتمي إلى مصر ولا إلى اللغة العربية، بل تنتمي إلى لغات أجنبية وإلى بلدان تلك اللغات.





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات