مقال : ضعف المغرب بين قزمين ( ن. 03 ) .
- محمد المودني .
مسكين أنت يا وطني ، لقد أصبح وضعك مدعاة للشفقة لدى البعض وللتشفي والسخرية عند البعض الآخر. يشفق عليك أحباؤك وهم قليلون ، ويتشفى في أحوالك أعداؤك وهم كثيرون دون أن يكون لشعبك أي ذنب في تدني مستواك بين الأوطان .
بمقهى المشكاة رمى عمر الجريدة بعنف تحت الطاولة بعد ما قرأ عناوينها العريضة وتأفف بمرارة وهو يشعل سيجارته ، ثم قال لصاحبه بعصبية واشمئزاز :
- إنها جرائد اليأس ، يستحسن أن لا يقرأها المواطن الغيور في الصباح أو أن لا يقرأها بالمرة فأخبارها تسد النفس عن الرغبة في الحياة بين ضلوع هذا البلد ..
سأله علي وقد تعددت ألوان ملامح وجهه :
- ياك لا باس ..؟
أجابه بانفعال شديد وهو يشير بسيجارته للجريدة :
جرائدنا وإعلامنا كله ، ( عموميا ) كان أو حزبيا أو ( مستقلا ) ، يتعمد دغدغة مشاعرنا في كل وقت وحين وكأنه عون مساعد لأعداء وطننا في الخارج حيث يقوم مقام إعلامهم بين ظهرانينا بعدما نصب نفسه ، منذ أن وجد ، عدوا لدودا للشعب باستغفاله وتضليله ومدافعا بالباطل عن أعدائه في الداخل ووكالة إشهارية ، بأمواله ، لكذبهم ونفاقهم ..
جريدتنا هاته ( الواسعة الانتشار ) من بين أخبارها المشؤومة ، كما هو حال كل جرائدنا ، خبر مفاده : صحيفة إلمندو الاسبانية قالت : " .. إن سبتة ومليلية مدينتان إسبانيتان قبل أن توجد المملكة المغربية .." ، وطبعا جريدتنا ( الواسعة الانتشار ) اكتفت باستفزازنا بالخبر ولم يكن لها رأي ولو بأسلوب نفاقها المعهود .. وكان بإمكانها ، على الأقل ، أن ( تجتهد ) قليلا وتبحث في أدمغة الاسبان عن مؤسس أو مؤسسا أو مؤسسي المدينتين وتكون بذلك قد استفادت وأفادت سادتها قبل أن تفيدنا .
إن إعلامنا الرسمي ، يا عزيزي ، يبتلع عذابنا وكل ما يغدق علينا به أعداؤنا في الداخل والخارج من ألوان الإذلال والاحتقار ويبحث في أعماق مستنقعاته النتنة عن أخبار التوسل والتسول والاستغفال ، وجرائدنا بكل وجوهها تكتفي بأخبار تمزق أحشاءنا وكأنها ليست مغربية .. أما إعلامهم بمختلف منابره المدنسة وتوجهاته المسمومة مثله مثل شقيقه الجزائري لا هم له غير ملاحقة عدوه اللدود ـ الشعب المغربي ـ ولا يترك أية مناسبة تمر دون أن يعمل على تمريغ كرامته في وحل حقدهم ..
لقد تجاوز سني نصف قرن ولم يسبق لي أن رأيت بلدنا ضعيفا مثلما هو حاله اليوم ، حتى التاريخ الذي درسناه في المدارس لم يثبت مرحلة كان ضعفه أشد أو أشبه بما هو عليه الآن منذ قيام دولته رغم تقهقر قوته وتراجع هيبته وتدني مستواه في العديد من محطات وجوده ، لأن ضعفه آنذاك لم يكن شاملا كالذي لازمه ورضي باحتضانه حكامه منذ انفصاله عسكريا عن فرنسا بفضل سواعد أبنائه الصادقين .. وحتى في أيام " السيبة " ( الحرب القبائلية أو الأهلية ) كان حاله أفضل مما هو عليه اليوم ، واستعماره قديما وحديثا لم يكن بالسهل كما تأكده نصوص التاريخ الرسمي وروايات الذاكرة الشعبية .. فبالله عليك ، يا أخي ، ما هذا الوضع المذل الذي أصبحنا نعيشه في منطقة لم يكن فيها من الأبطال غيرنا ؟ ..
في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين كم مرة شاهدت عن قرب الأسبانيين يتسولون في طنجة وتطوان والحسيمة والناضور، بل حتى في الأرياف المجاورة .. كانوا يعيشون في الشمال بين المغاربة على كرمهم وحسن معاملتهم لهم ولم نسمع ولا مرة أنهم تعرضوا للطرد أو للاستفزاز أو لسوء المعاملة .. ، فرغم عدائهم التاريخي والفطري لشعبنا كانوا يفضلون الهجرة لبلدنا على أن يهاجوا إلى أشقائهم الأوروبيين كما أقر لي بذلك أحدهم في إحدى المناسبات أواسط السبعينيات من القرن العشرين بمدينة بني نصار على أعتاب مليلية السليبة .
واليوم وبعدما " شبعوا خبزا وستروا عورتهم " تنكروا للمغاربة - الذين غامروا بأرواحهم وألقوا بأنفسهم في حريق حربهم الأهلية لمساعدتهم على إخماد لهيبها ، وتحملوا لعقود ثقل فقرهم ، ومدوا لهم يد العون لإخراجهم من دهاليز الديكتاتورية المتوحشة - وبادروا إلى التنكيل بالمقيمين بينهم وطردهم بشتى الممارسات العدوانية وعباءة بؤسهم التي خرجوا منها لتوهم مازالت معلقة في متحف ذاكرتنا . ولم يقتصر خبثهم على مواطنينا فوق أرضهم بل أصبحوا يهاجموننا في ديارنا وعلى أرضنا التي عاشوا فوقها من خيراتها بالأمس القريب معززين مكرمين ويتنافسون اليوم، بالليل والنهار، مع أعدائنا في الداخل على استنزافها وإذلالنا بتجويعنا :
لقد أصبحت مياهنا مصايد خير لهم وحماما لأوساخهم ونقمة علينا ، وأسواقنا مقبرة تجارية مربحة لمنتجاتهم الفاسدة وأموالنا كنزا لمقاولاتهم ، ومدننا وكرا لفسادهم وشعبنا عبدا ذليلا لهم بعدما كان سيدهم ..
أتذكر ، يا صاحبي ، ما سمي بأزمة جزيرة ليلى ؟ .. أتذكر جيدا كيف تعملق علينا أثنار وأذنابه بالمساندة القوية والفورية لأشقائه الأوروبيين والأمريكيين - الذين نتعبد بثقافتهم في محرابهم - وبتآمر مريب مع ( أشقائنا ) الجزائريين ـ الذين تعلموا فنون الحياة بين دروب حياتنا ـ وصمت مخجل ( لأشقائنا ) العرب ـ الذين حملنا ثقل همومهم على رموشنا وفوق أكتافنا المنهكة أصلا بثقل همومنا ، ومنحناهم الولاء والعهد والقوة وسواعد شعبنا وحتى شرفه وكرامته من دون حساب مقابل فتات موائدهم المتبوعة بأسراب الذباب الأزرق ـ ، واستضعفونا وأذلونا بطردهم لقواتنا ولمواطنينا .. أتذكر بمرارة كيف كان موقف بلدنا ضعيفا ورد فعل حكومتنا مدعاة للسخرية بينهم والحسرة بيننا..
أتذكر كم كان تصريح وزير خارجيتنا مقززا حين كادت الدموع أن تنزلق من عينيه .. وهو يقرأ علينا ما دار بينه وبين نظيرته الاسبانية بالهاتف حول الموضوع الذي كانت خاتمته مرة .. ألا تذكر ، يا صاحبي ، كيف قبل حكامنا بالأمر الواقع وسلموهم السلة بعنبها ملفوفة بأحر القبلات وركنوا إلى الصفوف الخلفية ليحتموا بصدور الشعب وعادوا بعد أيام - بلا استحياء - لمعانقتهم والتمسح بتلابيبهم كعادتهم ؟؟
ألا تذكر قبلها وبعدها الممارسات الاستفزازية والعدوانية لقواتهم العسكرية والأمنية على حدود العار التي أقاموها منذ قرون فوق سيادتنا البحرية والبرية والجوية في منطقة الشمال ؟ .. إني أتذكر باشمئزاز شديد ما فعلوه بمواطنينا وخضرواتنا فوق أراضيهم .. وكيف كان موقف حكومتنا ونحن نتجرع مرارة مشاهد رفس طماطمنا فوق طرقاتهم وهدم مساكن مواطنينا المقامة على هامش مدنهم وبهدلتهم بأبشع أساليب العنصرية والكراهية .. لقد سلب منا الإسبان وأشقاؤهم ، قديما وحديثا ، أرواح مواطنينا وأراضينا ومياهنا وكنوزنا ونمنحهم أبناءنا وكرامتنا على أمواج البحر ونهرب إلى بنوكهم أموالنا فكيف بهم أن يرحموننا ؟
قاطعه علي بصوت منخفض ونبرة يائسة وكأن الأمر مسلم به ولا داعي للإنفعال :
- هدئ من غضبك ولا تحرق أعصابك ، إن المغرب – السي عمر - أصبح بالنسبة إليهم ، ومنذ عقود ، ثورا سمينا أعمى لا قرون له يتناوب على مصارعته عساكرهم أولا وساستهم ثنيا بالمواقف الماكرة تارة وبالصفعات مرات لتحقيق رهاناتهم الداخلية والخارجية ، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية ، وعلى شعبنا أن يتأهب لما هو أسوء . فالعداء الذي يكنه لنا الإسبان منذ قرون كذاك الذي يكنه الشيطان للإنسان وما ممارسات أجهزتهم الأمنية والإعلامية وجمعياتهم المدنية إلا مرآة لخبث نفوسهم وقلوبهم الطافحة بالحقد والضغينة والمكر كما هو حال أشقائهم الجزائريين منذ انعتا قهم .. وطبعا العيب في نفوسنا التي تجهل كليا ثقافة ديننا وقوميتنا وأجدادنا وحكم حكماء لغتنا كحكمة الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته // وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد . إن شعبنا المسلوب الإرادة والكرامة فوق أرضه قد تعود على سياسة الانحدار والاندحار التي نهجها وينتجها حكامنا منذ أن طردنا جيش الاستعمار ودسوها في نفوسنا حتى أصبحت هي ثقافتنا على امتداد حياتنا جزئيا وكليا .. فعوض أن يعتذر حكامنا لشعبهم عن معاناته المريرة وينصفونه في حقوقه المسلوبة ويتساهلون في واجباته ، ويتفانوا في خدمته التي باسمها أمسكوا بناصيته ويصدقونه في تكوينه وتوجيهه ويعملون على رفع معنوياته وصيانة كرامته ، ويمارسوا شيئا من جرأة وصرامة الأجداد في تعاملهم مع الأعداء الذين تناسلوا بفعل بدائية سياساتهم نراهم يفعلون العكس تماما :
فالبورجوازيون والسلطويون والسياسيون والإداريون يستأسدون على الشعب - الذي به قامت قائمتهم - ويتفننون في تعذيبه بمقاولاتهم التي أقاموها من عرقه ، وبأجهزتهم الأمنية وبإداراتهم المتهالكة وبإعلامهم المنافق ، ويتقزمون أمام خبث الأقزام ويذرفون الدموع على أعتابهم حفاظا على مواقعهم في السلطة والثروة .. فلو كانت لحكامنا الجرأة الوطنية وفي قلوبهم حبة خردل من حب الوطن وروح المواطنة الصادقة - كما يدعون - وطبقوا ، ولو مرة واحدة ، في سياساتهم مع أعداء الوطن حكمة أجدادنا ( الأميين ) والتي تقول كبرها تصغا ر ، وتعاملوا بالندية اللازمة مع الأعداء الاسبان والجزائريين ومن يدور في فلكهم ومن يناصرهم ومن يساعدهم بشتى الأدوات والأساليب وطوقوهم في كل المواقع لما عظم حقدهم علينا واستمر وتكاثف تكالبهم على وطننا من كل جانب وفي كل المناسبات ..
إذ لو كانت حكوماتنا صارمة مع الأعداء الاسبان منذ الاستقلال وحاصرتهم داخل أصوار سبتة ومليلية وضيقت عليهم الخناق البري والبحري والجوي ، والسياسي والاقتصادي والثقافي – حتى وإن متنا جوعا – لما حاكوا المؤامرات جهرا وسرا ضد وحدتنا الترابية ، ولما سيطروا على مياهنا واستغلوا ثرواتنا واستفزوا قواتنا داخل حدودنا ، ولما طاردوا مواطنينا على امتداد أمواج بحرنا ولما عاملوا المقيمين بينهم معاملة خسيسة وهدموا مساكنهم المقامة على رصيف مدنهم ، ولما استأسدوا علينا واستضعفونا وأذلونا بطردنا من جزيرة ليلى .. لو لم يبتلع حكامنا جرائمهم ، تحت أية ذريعة ، في حرب الريف والأسلحة الفتاكة التي استعملوها ضد مواطنينا وعلى أرضنا ولاحقوهم بملفها النتن ، الذي أثار غضب وسخط أشقائهم الأوروبيين قبلنا وقبل أشقائنا وأحدث ضجة إعلامية دولية ، لما تجرأ قاضيهم - باسم ديمقراطيتهم - على اتهام بعض من ألئك الذين تستروا على أفعالهم النكراء بارتكابهم جرائم في جنوب البلاد ، ولما أذلونا بزيارة خوان كارلوس - رمز حقدهم علينا - لسبتة ومليلية في الوقت الذي استقبلناهم في مراكش بالأحضان والتمر والتملق ، كعادتنا معهم ومع كل من يرضى بزيارتنا وابتلاع خيراتنا واستعبادنا ، ولهم علم اليقين أن حكومتنا لا حول لها ولا قوة غير التأسف ، ولما وصل بهم حقدهم لتجنيد جمعياتهم تحت شعار حقوق الإنسان ـ كما عاهدناهم دائما - لإذلالنا أمام أعداء الشرق والجنوب ..
لو كان حكامنا يستلهمون سياساتهم من ثقافة ديننا وتاريخنا ومن حكم لغتنا وقوة أجدادنا لما وضعوا مصالحهم البخسة فوق مصالح البلاد في حرب الرمال وفي حرب طرد مواطنينا وفي حرب أمغالى ، وفي ما سبق وما واكب وما تلا من حروب الجمر والرماد التي شنها علينا ، بوحشية ، أقزام العسكر والسياسة في الجزائر سيرا على نهج أشقائهم ( في الحقد ) الاسبان :
فعوض أن يرفع حكامنا هامة الوطن برفع مصالحه فوق كل المصالح الفردية والفئوية ويعاملوا الحكام الجزائريين ومن يسوسهم بقدر شرهم في حرب الحدود التي شنوها علينا بهمجية فور خروجهم من حقبة العبودية بداية ستينيات القرن العشرين وينهونها كما كان يفترض المنطق العسكري بدحرهم ووضع حد لعنتريتهم وإسقاطهم إسقاطا أبديا ، ويشهروا في وجههم سيف علي إبان حربهم العمياء على مواطنينا المقيمين على أرضهم بلا رحمة أوائل السبعينيات من نفس القرن حينما بتروا أكبادهم وقلوبهم وجردوهم من أرزاقهم ورموا بهم وراء الحدود ، ويمزقوا أعصابهم بمطاردة فلولهم ويعذبوا مشاعرهم بخزن أسراهم خلال حرب أمغالى بالجنوب أواسط نفس العقد حينما عاودوا غدرهم المألوف وهاجموا أفراد قواتنا ، ويسقطوهم في كل حروبهم الشريرة .. عوض ما كان يجب إنجازه رأيناهم في كل موقعة – مع الأسف الشديد – يستسلمون لأنانيتهم ولضعف نفوسهم ويخضعون لأوامر من يؤمنوا أبراجهم من أعداء الوطن الذين يعملون جاهدين – مقابل ذلك – على استنزافه وتهويده ، ويتنازلون لعساكر الجزائر ولأشباح سياسييها بمهانة عن كرامة الشعب وأرضه وخيراته ، ويذهبون إلى أبعد الحدود في مجاملتهم وإرضائهم وتحمل خشونتهم حتى على الميادين الرياضية ، والتوسل إليهم بكل الأساليب وفي كل المناسبات .. لو كان حكامنا عاملوهم بما يستحقون لما تآمروا مع الإسبان على وحدتنا الوطنية في الشمال قبل الجنوب ، ولما وصل بهم الخبث إل حد اقتناص مواطنينا على الحدود ولما أكالوا لنا كل أصناف الإهانات والشتائم والتهديدات .. لو كان في قلوب وعقول حكامنا شيء من روح المواطنة والشجاعة الوطنية لما أذلوا شعبهم باستعطافهم المستمر للجزائريين لأجل فتح حدودهم لنا بل لأقاموا عوض ذلك جدارا فولاذيا ينطح السحاب ويغوص في جوف الأرض ليشطب بطوله وعرضه ، وإلى الأبد ، على انتمائنا لهم حتى وإن بشرنا بجنتنا فوق أراضيهم ..
لو كانت لحكامنا القوة السياسية والفكرية لحرقوا تاريخ إسبانيا وحلفائها بملفاتها السوداء ذات الصلة بجرائمها ضد شعبنا وعلى أراضينا و لفتتوا - وبأسلوبها - جغرافيتها بحركاتها الانفصالية .. و لأطاحوا بعنترية عساكر وساسة الجزائر بملفاتهم المثقلة بجرائمهم المرتبطة بحدودنا الشرقية المحتلة وبمنطقتهم القبائلية الشديدة الانفجار وبحربهم الأهلية ..
إن اسبانيا أثنار ومن سبقه ومن تلاه مثلها جزائر بنبلة وبومدين وبوتفليقة ، يا صاحبي ، هي اسبانيا الماضي البعيد والحاضر والمستقبل ولا فرق بين ألوانها . فالاسبان الذين تسولوا في طنجة وتطوان .. والجزائريون الذين تسكعوا وتعلموا الشجاعة في فاس ووجد .. سلكوا نفس النهج العدائي لشعبنا الذي آواهم من الحر والبرد وأطعمهم من جوع .. وسيبقون كذلك ما دمنا كذلك ..
تدخل عمر وقد هدأ غضبه :
- إذا أين هي دبلوماسيتنا وأين هو جيشنا وأين هي أجهزتنا الأمنية وأين هي أموالنا .. ؟؟؟ أين الملايير المكتسبة من الضرائب ومن نفائس الأرض والبحر ومن عرق المهاجرين ومن بيع أملاك الشعب ، ومن القروض والمساعدات والمنح والصدقات ..؟ بالمناسبة كنا قد سمعنا منذ مدة طويلة أن لجنة دولية تكونت للبحث في مصير أموال إغاثة الحسيمة والتي قيل أنها بالملايير جاءتنا كمساعدات من أشقاء وأصدقاء ومنظمات دولية بعدما تبين للمانحين أن أموالهم لم تظهر على مستحقيها وعلى أرضهم ..
ابتسم علي وأجابه باستهزاء :
- وأين هي الملايير المسروقة من صناديق الشعب ، وأين .. وأين وبلا نهاية : ضعف المغرب بين قزمين ، يا صاحبي ، ليس بضعف موارده المالية أو جيشه أو شعبه بل ضعفه بضعف سياسييه وعسكرييه ، وبجشع كل من تسلط على رقاب الشعب ، واسبانيا والجزائر – كسائر دول العالم - يدركان أن سرطان الفساد ينخر جسدنا السياسي والإداري والاقتصادي والعسكري والأمني وسيظل ضعيفا حتى وإن فاضت أرضه وبحاره بالذهب والفضة إذا لم نطهر نفوسنا قبل أجسادنا ..
أفرغت في جوفي ما تبقى من القهوة في عمق الفنجان دفعة واحدة وانسحبت بهدوء وما زال عمر وعلي يناقشان ويحللان أوضاع وأحوال بلدنا على طاولة المقهى في ركنها الخلفي .. وما أن التحقت بمقر عملي حتى نزل على دماغي خبر كالصاعقة مزق أعصاب كل الحاضرين يفيدنا باستسلام حكامنا ، كما كان منتظرا ، لمؤامرات أعدائنا في الشرق والشمال والغرب وتراجعهم - كعادتهم - عن موقفهم المتصدع ، ككل مواقفهم المتذبذبة ، في ملف أمنتو حيدر التي حققت لنفسها – بفضل غباء سياستهم - ما لم تتوقعه ، ولمهندسيها ما لم يحقق منه حكامنا ذرة على طول وعرض الصراع ، حيث رضخوا لمطالبها وعادت لموقعها على صهوة كبريائهم وهي تلوح لكل من تبنى تربيتها وتدريسها بواحدة من أذل إسقاطاتهم .
إن توالي هزائم حكامنا وعلى كل صعيد ، داخليا وخارجيا ، كانت وما زالت نتيجة حتمية لغيابهم الكلي والمستمر عن حياة الشعب أولا وعن الساحة الدولية ثانيا ، ولإهمالهم التام لأمور الوطن بثوابته ( أرضا وشعبا ودينا ولغة ومؤسسات ) وغرقهم حتى النخاع في حروب طاحنة لا تنتهي فيما بينهم ، أفرادا وفئات ، على مواقع نافذة في البلاط وفي الحكومة وفي البرلمان وفي الجماعات ، وعلى زعامة الأحزاب .. وعلى كل مناصب النهب والاستغلال والاستعباد .
فلو كانت مصلحة الوطن بثوابته ، كما أسلفت ، تعلو الضمير السياسي والمهني لحكامنا لما احتكموا للفكر البورجوازي العنصري واستسلموا لأنانيتهم ولأوامر أسيادهم وتنازلوا لأعدائه عن كرامته وأرضه .. وأطاحوا ، بذلك ، بماضيه وحاضره ومستقبله ونصبوا مستقبل مراكزهم في السلطة والثروة فوق أنقاضه ..
فبالله عليكم ، يا أطفال ويا شباب ويا كهول ويا شيوخ ويا مثقفي ويا أميي الوطن ، هل علمتم من خلال الذاكرة التاريخية أو الشعبية أو سمعتم يوما من خلال الإعلام المعاصر بدولة طهرت أرضها وحررت كرامة شعبها بلجوئها إلى : مناشدة الضمير العالمي ، أو التأسف ، أو الشجب والإدانة ، أو بالاحتجاجات والوقفات .. أو بالعويل والتوسل ؟؟
أتعلمون ، يا أبناء وطني ، لماذا يلجأ أقطاب السلطة والسياسة والمتصارعين على باب الحكم والثراء في بلدنا لهذه الأساليب المقززة للنفوس والأبدان ؟.. ببساطة ، لأنهم أميون وجبناء اغتصبوا حقوق الشعب بالباطل فابتلاهم الله بضعف البصر والبصيرة وبالغرور المركب .. لذا نتوسل إليه سبحانه وتعالى أن يشفينا وإياهم من كل مرض عضوي ونفسي ويعفو عنا وعنهم ويغفر لنا ولهم ، ويهدينا وإياهم لما يحبه
ويرضاه وأن ينصرنا على شرور نفوسنا ويلهمنا حب وطننا لخدمته بصدق الصادقين .
- محمد المودني – فاس .
( ن 03 ) : النسخة الثالثة // يناير 2010
التعليقات (0)