حينما يأتى الإنسان ويسجل لنفسه مدونة فليس لهذا من معنى إلا أن هذا الإنسان لديه ما يقوله , وأن عنده فكرا يلح عليه ويريد أن يطرحه على الآخرين , أو هذا ما يجب أن يكون , والمدون يطرح أفكاره على رفاق التدوين سواء اتفقوا معه أو اختلفوا , كما يطرحه على زائرى مدونته من القراء والمعلقين , ومن الطبيعى أن يتلقى تعليقات مؤيدة وأخرى معارضة , وفى كل الأحوال يجب أن يتقبل ذلك وأن يكون مستعدا للدفاع عن وجهة نظره بالرأى والدليل , وحيث إن الكثير من زوار المدونات ليس لديهم آلية للحوار , كما أن البعض يكتب بأسماء مستعارة من هنا فإن المدون كثيرا مايتلقى سيلا من الشتائم غير اللائقة خاصة إذا كان يتبنى فكرا مناهضا لمعظم السائد والمقدس فى الثقافة التى تصاغ الكلمات بلغتها . والحقيقة اننى واحد من الذين كان لهم حظ وافر من الشتائم التى صبها البعض على كثير من موضوعاتى التى انحزت فيها إلى العقل , وإلى ما أظنه محققا لكرامة الإنسان وحقه فى الاختيار , ولكنى كنت أرد على هؤلاء من منطلق اعتبارهم ضحايا ثقافة تربوا عليها ونشؤوا على فكرها , كما أننى كنت دائما أرى أن الردود المسفة الموغلة فى البذاءة وتدنى اللغة أرى أنها تدلل على صحة رأيى فى أصحاب الفكرالأصولى المتحجر , وفى خطورة ما يطرحون من ثقافة إقصائية لا تعترف بالآخر وتقصيه بل تهدر حقوقه ودماءه . ويبقى المدون نزار النهرى نموذجا خاصا فى هذا الشأن , فهو إنسان يأخذ موقفا رافضا للموروث الثقافى العربى , وهو يطرح رأيه ويسوق الأدلة المنوعة عليه بحماس وسعة اطلاع , والحقيقة أننى استفدت من كثير من الأدلة التى طرحها والتى تدمغ الأصوليين المتطرفين بالتناقض وتكشف ما يتصفون به من ارتباك فى الفكر والاستدلال , كما أننى أتفق معه فى نقد الثقافة العربية السائدة , وفى نعى تخلفنا وتطرفنا, بل وخروج التيارات الإرهابية المتلفحة بالإسلام من أرضنا , وإن كنت أختلف معه فى رفض التراث الدينى رفضا كاملا , إلا أننى فى كل حال كنت أحترم حقه فى طرح رأيه والدفاع عنه . , والحقيقة أنه تلقى سيلا من النقد الجارح والشتم غير المبرر , هذا النوع من السباب الذى يتعدى الرأى ويتناول الشخص , وذلك نظرا لأن طبيعة الثقافة العربية لا تزال تعانى قصورا فى قبول الآخر وهو ما نشهد نتائجه الدموية على امتداد الخريطة العربية , ربما كان هذا وراء امتناع المدون نزار النهرى عن التدوين منذ فترة طويلة ربما إحباطا ويأسا ,وربما ألما وأسى , وأنا فى هذا المقال أقول له إن الامتناع عن التدوين ليس هو الحل الأمثل , وأدعوه إلى االعودة للكتابة ,وعرض أفكاره , والدفاع عن قناعاته وآرائه فليس الفضاء الالكترونى ملكا لأحد , كما أدعو المدونين والقراء أن يدركوا ألا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة , وأنه بالحوار وطرح الآراء المتعارضة بل والمتناقضة تزداد مساحة الضوء فى حياتنا ونضع جسورا أقوى للتواصل الإنسانى لنصنع معا حياتنا على كوكب الأرض متمتعين بأكبر ما يتاح لنا من أسباب المتعة التى ستفارقنا حتما بحكم قصر حياتنا واكتظاظها بالتحديات , أكرر رجائي للسيد نزار النهرى قائلا - عد لمدونتك , وادفع ضريبة رأيك لأننى لا أظنك سعيدا بالامتناع عن الكتابة التى أراها مصلا مضادا للكآبة التى تضرب بقسوة نفوس معظمنا نحن العرب فى هذه الحقبة التاريخية و الاستثنائية من حياتنا
التعليقات (0)