على وقع هدير ما يطلق عليه سخرية بالعقول وتحايلا على المستقبل الربيع العربي، يبدو من الصعب جدا السباحة ضد تيار هذا السيل الجارف من الأقلام ، وحتى حركة لوحات مفاتيح أجهزة الكمبيوتر،وتلك الأفلام والصور، الحقيقي منها والمفبرك تحيزا،وحتى ما ينظمه الشعراء وأشباههم وكل المضامين تتغني بالفوضى السياسية العربية، وتسميها بالثورة والربيع العربي،رغم ارتداء الأحداث ثوبا أحمرا قاتما، والقول أن ما يحدث بالدول العربية وأريد لشعوبها،ليس بثورة،بل أزمة خطيرة وانكشاف لعورة المثقف العربي،الذي شحذ كل الأسلحة ، خاصة الالكترونية، وأعلن انقلابا على حاضره و مستقبله،وجاهر بخيانة أمانة الانتصار لقضاياه القومية،خاصة عندما يكون العبث الامبريالي الخارجي بهذه القضايا وبمقدراته الطبيعية واضحا لا غبار عليه.
رغم ذلك سوف أغامر ،من خلف هذا الكي بورد الملعون وأقول : إن ما يحدث بدول النظام السياسي العربي ليس بثورة بل فوض سياسية خلاقة ، هكذا ببساطة وللأسباب التالية :
المثقف العربي خائن وجبان بطبعه وحتى عندما يتبنى النضال السياسي مذهبا، يهرب إلى الخارج لتحتضنه ماما أوربا أو ماما أمريكا. والمثقف العربي انتهازي بطبعه لأنه ليس من أشعل الأحداث، بل ركب عليها وتبناها عندما اختنق الشباب العربي واضطر إلى التعبير عن طموحاته وأفكاره ونظرته إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بشكل براغماتي عبر الأفاعي الالكترونية الاستخبارية الشهيرة مثل الفيس بوك وتويتر،القوة الرأسمالية الرخوة. كما أن المثقف العربي ديكتاتور بطبعه، ولكي يكون التغيير تغييرا ديمقراطيا يجب أن يجلس هو بنفسه على ذات الكرسي الذي يجلس عليه حاكم بلده الحالي، حتى ولو كلفه ذلك التحالف مع شياطين الإنس والجن. كما أن المثقف العربي دموي السياسات والأفكار، عندما يساند ويناصر التغيير بقوة الحديد والنار ونشر الموت والدمار في كل مكان.وكل تلك السمات تجعل من مثقفنا العربي شخصا غير عقلاني،وبعيدا عن البراغماتية الايجابية.كما أن المثقف العربي إقصائي ويرفض الاعتراف بان أشخاص النظام السياسي العربي ، هم أفراد من الشعب، ولابد من تمكينهم من حريتهم ولا يمكن تجريدهم منها ، خاصة الحرية في ارتكاب الأخطاء،سواء سياسيا أو اقتصاديا،أو اجتماعيا.كما انه شخص لا يؤمن بالحوار.
من هنا لابد من اختبار بعض الشعارات، وطرح كمشه من الأسئلة ، استجلابا لأفكار جديدة وهي : النظام يريد تغيير الشعب ، النظام يرفض المعارضة القادمة من الخارج ، النظام يرفض أن يكون التغيير عسكريا وعنيفا لأنه يضر بمستقبل البلد،النظام يرفض المعارضة الناشطة على الفيس بوك وتويتر لأنها افتراضية ولا يعرف من يمولها و يوجهها. وإذا افترضنا جدلا أن ما يحدث في العالم العربي ربيعا، فهو ربيع بالنسبة لمن ؟ ومن سوف يقطف أزهاره ؟
عزيزي المثقف العربي الخائن : انه بكل تأكيد ليس ربيعا بالنسبة للشعوب العربية،بل ربيعا مزهرا بالنسبة للاقتصاد الغربي الذي تعول شركاته على كل هذا الدمار الاقتصادي الذي حدث بمنطقتنا ، للخروج من أزمته الاقتصادية ، التي تسبب فيها نظام العولمة، المتآكل، من خلال صفقات إعادة الاعمار بعد الدمار، اعمار مصر ثم اعمار ليبيا ثم اعمار تونس وهكذا إلى أخر ثمرة في أخر العنقود.
كما انه ربيع سياسي وايديلوجي، بالنسبة للكتلة الغربية، واستكمال لمسلسل قتل الشعور القومي لدى شعوب و مثقفي ومناضلي العالم العربي،الذي وقع في فخاخ سلطة المصطلح واللغة ، التي تم الترويج لها بإحكام عبر أسانيد إعلامية خطيرة،وللأسف جلها ناطق باللغة العربية. وساهم هذا المثقف العربي الشبيه في اختطاف واستعمار وإضعاف وحدات النظام السياسي العربي، الواحدة تلو الأخرى انطلاقا من العراق، ثم ليبيا والآن المحاولة الاستعمارية جادة مع الشقيقة سوريا. لماذا لم يناضل المثقف العربي، ضد التحامل والتأمر العربي العربي،لماذا لم يقل أن الوضع الحالي فوضى واستكمالا لاتفاقية سايكس بيكو، ومسلسل الاستعمار
من أقوال أسطورة التحرير والتغيير السلمي المهاتما غاندي : الضعيف لا يغفر ، فالمغفرة شيمة القوي . عليك أن تكون آنت التغيير الذي تريده للعالم. العين بالعين تجعل كل العالم أعمى. ليس هناك طريق إلى السلام فالسلام هو الطريق. إن النصر الناتج عن العنف مساو للهزيمة ، لأنه سريع الانتهاء.
منظومة فكرية وعقائد مذهبية ضمن فلسفة التغيير السلمي الايجابي، تاه عنها المثقف العربي وهو يعلق ويوجه الشعوب العربية بعد الفلتة الثورية الوحيدة في العالم العربي ، وهي الحالة التونسية ، لعدم انسياقها إلى العنف والسلاح رغم أن شرارتها كانت بعملية قتل ذاتي قام بها البوعزيزي، بحرق نفسه،ولولا اصطدامها بذكاء الشعب التونسي لكانت حدثت كارثة عظمى، على شاكلة مصر وليبيا وما يحدث حاليا في سوريا، من عنف وعنف مضاد. كيف للتغيير أن ينجح باستخدام نفس طرق الديكتاتورية، وعلى رأسها تبني العنف والخيار العسكري؟
من هنا يبدو انه لا بد من اتخاذ مواقف فكرية أكثر جذرية من الفوضى السياسية الحالية التي يعيشها نظامنا السياسي ، ولن تتغير الأفكار ، و الأحداث إلا إذا حاولنا الإجابة على تساؤلات قوية من قبيل : كيف تحولت دويلة صغيرة محمية بقواعد عسكرية أجنبية امبريالية - قاعدة السيلية - مثل قطر إلى نبي سياسي يدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وقمع الديكتاتورية ؟ ولماذا تمول وتعسكر كل الاحتجاجات بالعالم العربي ؟ من يدفعها إلى ذلك ؟ وما الغايات الجيوسياسية والاقتصادية من وراء ذلك ؟ هل مثلت سنة 2011 ، عاما مثمرا بالنسبة لضمان المصالح الأمريكية والغربية عموما انطلاقا من إحكام السيطرة على العراق، وتفتيته وتركه عرضة للحرب الطائفية ، إلى نشر الفوضى الخلاقة بمصر وتأمين الكيان الصهيوني ، وصولا إلى احتلال ليبيا والسيطرة على مقدراتها وتفتيتها ؟ وهنا اختم بقول والدتي التي اعتقدها سياسية بالفطرة ، ولا زالت تحافظ على شعورها القومي : لمن يريدون هذا التغيير الدموي ، هل لجحافل المعاقين والأرامل والأميين والمجانين واليتامى الذين سوف تخلفهم الحروب الطائفية والثأرية المستعرة في كل من مصر وليبيا وسوريا ، ربما إنهم يريدون جلب الديمقراطية لسكان المقابر والموتى. لمن الحق في اتخاذ قرار الثورة ؟ و كيف و متى تصبح الثورة قرارا صائبا ؟ هل هذا الحق للأميين والعامة ، أم للغرباء عن الوطن ،من وراء مكاتبهم ومسابحهم الفاخرة بأوروبا وأمريكا ؟ ومهما كانت الإجابة ، غالبا ما يكتوي بنار العنف شخص مسالم غير محصن لا بالسلطة ولا بالتمويل الخارجي ، ولا يفكر في الأمر إطلاقا.
أحمد سالم أعمر حداد
باحث متخصص في تحليل الصراع
newsdata1@gmail.com
التعليقات (0)