مع اقتراب موعد الإستحقاق الإنتخابي المرتقب يوم 25 نونبر، تعرف الحياة السياسية في المغرب حركة غير عادية نتيجة المشاورات الحزبية المكثفة التي تمخضت مؤخرا عن ميلاد تكتل سياسي يضم ثمانية أحزاب. و هو التحالف الذي يفرض طرح علامات استفهام كثيرة حول طبيعة الممارسة السياسية في بلادنا، و دور الأحزاب في توجيه هذه الممارسة، و موقع الشعب المغربي في كل ما يدور حوله من استقطابات.
الواقع أن المشهد السياسي في المغرب يستعصي على الفهم، و لا يمكن لأي تحليل أن يصل إلى قراءة دقيقة لما يجري. و بشأن مجموعة " الثمانية" التي ظهرت إلى الوجود خلال الأيام الأخيرة، لا يوجد أي تبرير سياسي أو إيديولوجي واضح يمنح المشروعية لمثل هذا التحالف، فالأحزاب المكونة للتكتل الوليد تتناقض في مرجعياتها و في مشاريعها السياسية( هذا إذا كانت تمتلك برامج سياسية أصلا). فهذا التجمع الذي أطلق عليه " التحالف من أجل الديموقراطية" ليس إلا امتدادا للعبثية التي تميز المشهد الحزبي بالمغرب. و يبدو أن رحلة العبث هذه ستظل مستمرة إلى أجل غير مسمى. ففي كل أمم الدنيا التي تعرف تقاليد ديموقراطية حقيقية، تتأسس التحالفات الحزبية على مؤشرات و برامج مشتركة لا يمكن القفز عليها، لأن الأحزاب في هذه الدول تكون مسؤولة أمام الكتلة الناخبة التي وضعت فيها ثقتها خلال الإنتخابات. فما الذي يجمع بين الحزب العمالي و حزب التجمع الوطني للأحرار؟. و ما أوجه التكامل بين حزبي الفضيلة و الأصالة و المعاصرة؟. أكاد أقول : حتى الخير و الإحسان بالصيغة المتداولة بين المغاربة لا يجمعان بين مكونات هذا التكتل الهجين. لذلك فإن تحالفا من هذا القبيل لا علاقة له بالديموقراطية، بل يمثل عائقا جديدا أمام أية تجربة ديموقراطية فعلية يتوق إليها المغاربة، ويثبت بالملموس أن دساتير الدنيا بأسرها لن تفلح في تغيير دار لقمان ما لم تترجم الأقوال إلى أفعال.
اللافت في الأمر أن قادة الأحزاب المكونة للتحالف الجديد يعتبرون أن تكتلهم ليس موجها ضد أحد. لكن التصريحات التي نسبت للأمين العام لحزب " الحركة الشعبية " المشارك في هذه المجموعة، و التي قال فيها إن تحالفهم " ليس من أجل أي شيء، و ليس ضد أي شيء". هذه التصريحات إذن تعبر عن حقيقة هذا التحالف فهو فعلا حركة لا معنى لها، و لا هدف لها، و لا أفق لها. إنها فقط لعبة من أجل استمرار الزعامات الحزبية في الواجهة، خصوصا في ظل الصراعات المتأججة حول منح التزكيات و اختيار وكلاء اللوائح. و إذا كانت أحزاب ما يسمى ب"الكتلة الديموقراطية " قد عبرت عن استهجانها و رفضها لمثل هذا التكتل، و اعتبرته موجها ضدها بالأساس، فإن ردود فعلها تلك تؤكد العبثية إياها، خصوصا في ظل الكلام الذي يدور حول إمكانية خلق تحالف مضاد يضم الإتحاد الإشتراكي و الإستقلال و التقدم و الإشتراكية إلى جانب حزب " العدالة و التنمية". لذلك لن يكون الأمر مفاجئا إذا حدث ذلك، ففي المغرب أصبح كل شيء ممكن و لا يدعو للإستغراب. و هكذا ستعرف الإنتخابات المقبلة تنافسا قطبيا لم يشهد له علم السياسة مثيلا في التاريخ. و من الواضح أن موضة التحالفات الهجينة هذه لا تنبثق من أية رغبة في تغيير أو تخليق الشأن السياسي بما ينسجم مع تطلعات المغاربة. لذلك فإن المستهدف الأساسي من هذا التحالفات هو الشعب المغربي نفسه الذي لا يراد له أن يحلم بغد أفضل. و على هذه الأحزاب - التي لا تنظر إلى المغاربة إلا من حيث هم أصوات انتخابية يحتاجون إليها مرة كل خمس أو ست سنوات- أن تعترف بأنها لا تمتلك القدرة على تأهيل البلد إلى ديموقراطية حقيقية تتجلى في الممارسة الفعلية، وليس في الخطابات و الشعارات الرنانة.
إن مستقبل المغرب يحتاج إلى تخليق الممارسة السياسية و ضبط آلياتها بعيدا عن الممارسات التي نشهدها اليوم. أما إذا استمر الحال على ماهو عليه، فإن العزوف السياسي سيتواصل، لكنه للأسف عزوف يبقي الأوضاع على ماهي عليه، و يساهم في تأبيد هيمنة ثقافة الريع في بلادنا. محمد مغوتي.13/10/2011.
التعليقات (0)