ضحايا الترامال
بقلم/ حسام الدجني
يوم أمس خرجت ومجموعة من أصدقائي لزيارة أحد أصدقاء الطفولة بعد أن علمنا أنه يعاني من مرض ويعيش أوضاعاً نفسية وصحية واجتماعية بالغة السوء.
عندما دخلنا شقة المريض واكتفي باسمه الأول (ماجد)، نظر الينا وهو جالس على سرير المرض، وانهارت دموعه، فحاولنا جاهدين أن ندخل أجواء من الفرح على الجلسة، وأن نخفف عليه ونشد من عزيمته، ولكن دون جدوى، استمر ماجد بالبكاء، فسألته لماذا تبكي؟ فأجاب: اتمنى أن اكون مثلكم تمرحون وتفرحون وتحبون وتأكلون وتشربون، فأنا والله أصبحت كالحائط، لا فائدة لي في المجتمع.
صديقي ماجد هو خريج احدى الكليات العسكرية، وهو شاب عسكري رياضي.
فسألته ماذا حصل لك يا ماجد؟ وهل راجعت الطبيب؟
فتحدث بصوت خافت وقال: لعنة الله على الترامال، وعلى من يتاجر بالترامال، كنت أتعاطى الترامال، وكنت أشعر بمتعه عند التعاطي، وظننت أنه علاج للألم والارهاق والملل الذي أعاني منه في حياتي اليومية.
واليوم أنا مصاب بقرحة في المعدة وألم في الأمعاء، وصداع مزمن، واسهال أصفر اللون وبشكل شبه دائم، وأنا اليوم أعمل جاهداً على الامتناع عن التعاطي، ويساعدني اخواني وأبي في هذا الموضوع، وأتمنى من الله أن يشفيني، وأعود كما كنت في السابق، لعنة الله على صديق السوء! وتنهد ماجد، وسالت دموعه وهو ينظر الينا، فحالنا كحال باقي المجتمع الفلسطيني، حيث أخذ الحوار شكلاً آخر وهو عن كيفية الحد من الترامال؟ وما هي مسئوليات الحكومة الفلسطينية في غزة؟ وأين التثقيف والتوعية؟ وما هو الحكم الشرعي لذلك؟
هذه الأسئلة دفعتني الى كتابة المقال والعمل على وضع اجابات من خلال التواصل مع من يهمه الأمر، فكان الاتصال الأول مع ضابط رفيع في الادارة العامة لمكافحة المخدرات طلب عدم الكشف عن اسمه، وسألته عن أداء الادارة في محاربة آفة الترامال وعن عقوبة تاجر ومتعاطي الترامال؟
فأجاب: إن الادارة العامة لمكافحة المخدرات لم تدخر جهداً في محاربة الاتجار في الترامال، على الرغم من صعوبة الحد من التهريب، كونه عقار طبي يستخدم في مستشفياتنا وعياداتنا ويباع في صيدلياتنا، وأيضاً كثرة الأنفاق التي من الصعب مراقبة العمل فيها بشكل محكم، ويعتمد الضبط على معلومات محددة.
ويضيف الضابط أن أهم معيق لمحاربة الترامال هو القانون الفلسطيني، فالقانون يصنف الترامال بالجنحة، حيث يمكث تاجر الترامال من 48 ساعة وحتى اسبوع وتفرج عنه النيابة العامة بكفالة مالية.
أما المتعاطي فيمكث 48 ساعة في الحجز ومن ثم يغادر الى بيته.
انتهت مكالمتي مع الضابط وأنا أستذكر صديقي ماجد وأقول أن المجلس التشريعي الفلسطيني بكل ألوانه السياسية يتحمل المسئولية عن حياة مئات بل آلاف الشباب الذي يتعاطون هذا العقار.
بعدها رفعت سماعة الهاتف واتصلت على فضيلة الشيخ الدكتور وائل الزرد وسألته عن حكم تعاطي الترامال؟ فأجابني: " من القواعد المحكمة في الاسلام لا ضرر ولا ضرار، ولقد ثبت علمياً أن عقار الترامال في حال أخذ بدون وصفة طبية له ضرر على جسم الانسان، من هنا ليس ببعيد اطلاق القول في تحريم هذه الادوية ان اخذت بغير وصفة طبية".
انتهت المكالمة مع الدكتور وائل وخلصت ان تعاطي الترامال بدون وصفة طبية حرام شرعاً.
الجانب الشرعي حسم الظاهرة، ولكن الخلل هنا في جانبين:
أولاً: الجانب القانوني
على المجلس التشريعي والنائب العام، العمل على سن قانون جديد، يتعامل مع الترامال على أنه جناية وليس جنحة، وتشديد العقوبات على المتاجرين فيه، وعلى المتعاطين، لأننا أعز ما نملك هو الانسان الفلسطيني، فاعتقد ان هناك مخططات لتخدير الشباب الفلسطيني وتدميرهم من خلال السموم التي يتم تهريبها من هنا وهناك، فعلى الحكومة والمجلس التشريعي أن يتحملا مسئولياتهم تجاه الشباب الفلسطيني.
ثانياً: الجانب الاجتماعي
يجب أن نرسخ مفهوم أن تعاطي الترامال هو منبوذ اجتماعياً، وأن نعمل على توعية الجماهير من خطر هذا العقار على صحة وعقل الانسان الفلسطيني، فلا ينبغي الانتظار حتى نرى أكثر من ماجد في مجتمعنا، فنحن بحاجة الى جهود الجميع لأننا ما زلنا تحت الاحتلال.
حسام الدجني
كاتب وباحث فلسطيني
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)