السلام عليكم
صُدَاع وشُقَاق
الصُّدَاع: هو روت في جل مواطن الرأس دون الوجه، ونستثني من الوجه الجبهة، حيث يُفْضِي إلى ثُقال (ثقل مرضي) يجعل تركيز المريض قليل في ما هو مركز فيه..
يختلف الشُّقاق عن الصُّداع في أنَّه يَحْدُث في موطن صغير في الرأس، ولا يشغل حيزا كبيرا فيه، ثم ليس بالضرورة أنْ يكون الشقاق في جانب الرأس، فهو قد يكون في قمة الرأس، وقد يكون في القذال، خصوصا القمحدوة والقفا..
ليس الصُّداع ولا الشقاق أهافا، فالأهاف يَحْدُث داخل الصداع أو الشقاق، أو الثقال عموما، حيث عندما يعاني المريض من شُقاق – مثلا –؛ فإنَّ - الأهاف - شيء يشبه النبض الخُفَيْفِي، أو هو يشبه الضوء عندما يُضاء وينطفئ بسرعة بعد أنْ يضيء، وهو مألم جدا، بعكس الصداع والشقاق، كما أنَّه يختلف في نفسه، فهو تارة خفيف وتارة حاد، فالخفيف يحدث ويزول بسرعة، أما الحاد فيبدأ من موطن ليجتاح موطن آخر أبعد من الموطن الذي خرج منه، فقد يبدأ من وسط جانب الرأس ليصل إلى الجبهة أو أقل قليلا، في سرعة عجيبة، ولكن إنْ تألم الذي يَحْدُث معه الأهاف فيمكن أنْ يجتاح مواطن كبيرة، فالألم عملية توترية بإمتياز، ولا يوجد غذاء للأهاف أفضل من التألم منه، الذي هو - التألم – توتر، فالذي لا يتألم منه يكون عنده خفيف، فيجب ألا يُسْمَح للأهاف أنْ يتغذى من التألم، بالاقلاع عن التألم، ولكن لا يمكن أنْ يُقْلَع عن التوتر تماما، ويميل إلى السَّكِينة، فالإقلاع عن التألم يُحْدِث توترا، ولكن التوتر الناتج عن الاقلاع عن الأهاف، أقل بكثير من التوتر الناتج عن التألم..
لمزيد من التوضيع، إليكم ما يلي:
مثالان على: مَصْدَعَة أقْجُوفية:..
مثال: هذه المثال عن مباهلة حَدَثَت بين لص وصاحب حانوت، فقد اتَّهَم صاحب حانوت، لص بسرقة بعض الأغراض من حانوته، ولكن اللص يقول: لست أنا من سرق، فقد تُبْتُ، ولم أعُد أسْرِق، ولم يُصَدِّقه صاحب الحانوت، فصاحب الحانوت رأه بعينية، وقد لاحقه في الليل ولم يمسك به، فَتَدَخَّل هَمَّاما، وقال: أنا أحفظ آية لو طبقتموها فربما ترضيكم، وهي قوله تعالى:"فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)" آل عمران. فالآية تتناول مسألة المباهلة، فلم يرضََ صاحب الحانوت، وأراد أنْ يقدمه إلى محاكمة لئلا يتجرأ مرة أخرى على الاقتراب من حانوته ليسرق، فإذا سرق هذه المرة أشياء ذات ثمن بخس، فسيسرق في المرة القادمة أشياء ثمينة، ولكن هَمَّاما قال: يا صاحب الحانوت، إنَّ ما سُرِق من عندك لا يسدعي الذهاب إلى المحكمة وضياع وقتك، فرضي صاحب الحانوت، ورضي المتهم بالسرقة أيضا..
قال هَمَّام: للمتهم اذهب ادعو أبناءك وزوجتك، ذهب والاضطراب ظاهر عليه، فلمَّا وصل إلى بيته دعا زوجته، فأخذت زوجته تلطم على وجهها، لاحتمال أنْ يكون هو السارق، فهي تعلم أنَّ زوجها لص محترف، ولكن قالت في نفسها: ربما ليس هو السارق، خصوصا أنَّه يقسم بأغلظ الإيمان أنَّه لم يَعُد يسرق؛ ولهذا ذهبت هي وابناءها مع زوجها إلى المكان الذي فيه صاحب الحانوت وهَمَّام، فجدوا صاحب الحانوت مع زوجته وأبنائه..
قال هَمَّام لابناء صاحب الحانوت قولوا: لعنة الله علينا إنْ كان أبونا يتهمه ظلما، فقالوا ما أراد هَمَّام، وأمهم ترتعش لاحتمال وجود خطأ، فلا يكون المتهَم هو السارق، كما أنَّ الابناء قالوا لأباهم، أعفنا من لعن أنفسا في هذه القصة، فقال لهم أبوهم: لا تخافوا فقد رأيته بعيني، ولو لم أرَه، لمَا وضعتكم في هذا الموقف، فإذا بأحد أبنائه يقول: أنا أنسحب من المباهلة فمن الممكن أنْ يكون أبي مخطئا، فمن أراد أنْ يلعن نفسه فهو حر، أمَّا أنا فلا أريد أنْ أحتمل خطأ أبي إنْ كان مخطئا، ثم انظروا إلى كلمة "لعنت" التي في الآية، فهي بتاء مفتوحة، وليست مغلقة؛ هذا يعني أنَّ اللعنة ستبقى مفتوحة، ثم قال: أنا لا أحتمل اللعنة ذات التاء المغلقة، فكيف عندما تكون مفتوحة؟!، فابتسمت امه، وفرحت لخروجه، أمَّا هي فلم تكن تريد الخروج، لئلا يجلب خروجها خلافا كثيرا في البيت.
وقال هَمَّام لصاحب الحانوت قل: لعنة الله عليَّ أنْ كنتُ اتهمه ظلما.
بعد أنْ قالها ظهر على زوجته اضطراب خوفا من أنْ يكون زوجها اتهمه خطأ، فربما ليس هو السارق، فاللصوص كُثُر، أما كان من الأجدى أنْ يلعن زوجي نفسه إنْ كان كاذبا، فما دخلي أنا وأبنائي..
ثم انتقل هَمَّاما إلى زوجة صاحب الحانوت، وقال لها قلي: لعنة الله عليَّ إنْ كان زوجي كاذبا، فترددت، وقال لها زوجها قلي، فأنا متأكد من أنَّه هو اللص، فقد رأيته بعيني الاثنتين، فقالت ما لُقِّنَت.
وقال هَمَّام لأبناء المتهَم قولوا: لعنة الله علينا إنْ كان أبونا قد سرق من عند صاحب الحانوت، وقد قالوها..
ثم قال هَمَّام للمتهَم قل: لعنة الله عليَّ إنْ كنت قد سرقت.. فقالها، ولكن المتهَم كان يرتعش، عندما قالها..
وقال لزوجة المتهَم قلي: لعنة الله عليَّ إنْ كان زوجي قد سرق من عند صاحب الدكان.. ولم ترضَ أنْ تقولها، فنهرها زوجها لتقولها، فقالت: إنْ كان زوجي قد سرق فليحتمل وحده جنايته، وليلعن نفسه فقط، أمَّا أنا فلم أسرق، ولست على استعداد لأصاب بمرض بعد هذه المباهلة إنْ كان زوجي قد سرق، وكلامها هذا جعل ابناءه ينسحبون من المباهلة، وقالوا: فليحتمل المتهم وحده لوازم المباهلة إنْ كان قد سرق، أما نحن فلن ندخل فيها، وقد قال تعالى:".. وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.. (164)" الأنعام. عندما سمع أحد ابناء صاحب الدكان الآية السابقة، خرج من المباهلة، وقال: فليحتمل أبي وحده عاقبة المباهلة، وخرج بقية إخوته بعده، ولم يَبْقَ في المباهلة إلا صاحب الدكان وزوجته، والمتهَم، وهنا ذهب كل منهم إلى حال سبيله، وبعد خمسة أيام من حُدُوث المباهلة شَعَر اللص بصداع حاد في رأسه، فهو كان يخاف أنْ يصاب بشيء بعد المباهلة؛ ولهذا بقي متوتر بعد المباهلة، ولم يَكُف عن التوتر، وبعد يومين بدأ يَشْعُر بصداع مرة، وبشقاق مرة أخرى، بل كان يعتريه شقاق بأهاب، وقد أخبرَ زوجته عن ما أصابه، فقالت له: يبدو أنَّ الله استجاب للدعوة فحلت عليك اللعنة، حيث أصابك بصداع وبقية مصابك، فلو لعنت نفسي لكنت الآن مثلك أعاني صداعا، وحمدا لله أنَّ ابنائي خرجوا من المباهلة، وإلا لحلت اللعنة على بيتنا، وقالت لزوجها: إنْ كنت أنت الذي سرق من عنده، فرُد إليه الذي سرقت، واعترف لصاحب الحانوت أنك سرقت من عنده، وإلا فقد تصير مجنونا، فقد سمعت أنَّ شخصا أصيب بجنون بعد شهر واحد من مباهلة حَدَثت معه وتاجر قمح، وقد باهلَ كاذبا، فقد سرق قمحا من التاجر، وهناك آخر قُطِعت رجله بعد مباهلة كذب فيها، وآخر هُدِم بيته، ويبدو أنَّك ستصاب بالجنون بعد اسبوعين تقريبا، فخاف زوجها من كلامها، وقال في نفسه: يا ويلي، وهل ستصيبني هذه المباهلة بالجنون؟!، وهذا ما جعله يذهب ليعترف أنَّه السارق، ولمَّا أراد أخذ الأغراض التي سرقها معه، ليرُدَّها إلى صاحب الحانوت، رنَّ جرس بيته، فإذا به صاحب الحانوت، وقد جاء ليعتذر، فقال له: أعتذر منك فيبدو لست أنت السارق، فقد التبس الأمر عليَّ فسامحنا، فزوجتي تشعر بصداع في رأسها، وهي تعتقد أنَّ لعنة الله حلت عليها، لأننا اتَّهَمْناك ظلما، وأراد صاحب الحانوت أنْ يُكْمِل كلامه، ولكن قاطعه اللص، وقال: لا يا سيدي فزوجتك لم تُصاب بالصداع من لعنة حلت عليها بسبب أنَّها كذبت، بل لأنَّها خافت أنْ أكونَ متهما ظلما؛ ولهذا توترت ولم تكف عن توترها من خوفها من حلول اللعنة، قل لها: أنَّ صداعها سببه توترها من أنْ تحل اللعنة عليها، وليس لأنني متهم ظلما، فقد حلت عليَّ اللعنة بعد المباهلة، فالصداع والشقاق، والشقاق بأهب، قد اعترتني وآلمتني كثيرا، فقد سرقتُ من عندكم يا سيدي، وهذا ما سرقت، سأحمله الآن في السيارة لأردُّه إليك، وقبل أنْ يصل بالسيارة إلى الدكان رأته الشرطة، فالشرطة عَلِمت بالأمر، فأرادت أنْ تأخذه إلى السجن، فقال صاحب الدكان: ولكني قد قد عفوتُ عنه!.. فقالت الشرطة: عفوتَ عنه أو لم تعفُ، فالقانون يجب أنْ يطبق على الجميع، فعفوك أو عدم عفوك له، لا يلغي القانون، وإلا فسيعتاد العفو، ومن ثم السرقة، وهذا ما يجعنا نشدد في تطبيق القانون..
بعد أسبوع من دخول اللص السجن، ذهبت زوجته لتزوره، ولمَّا وصلت إلى السجن تلاقت هي وزوجها، وفتحت الطعام الذي اشترته من أجله، لتُقَوِّي صحته، وكان مكون من سعتر وزيت زيتون، فقال زوجها: لو لم تأتِ بسعتر وزيت زيتون لجعلتك تذهبي الآن إلى السوق لشرائهما، فضحكت، فقال لها زوجها: يا ابنة الحلال، أنا في السجن، وما قلتُه لا يُضْحِك، فنحن أحوج إلى البكاء، بسبب وجودي في السجن، فقالت له: كل وقوِّ صحتك، فنحن أحوج إلى أنْ تكون صحتك قوية، ولا تعكر عليَّ الحياة، فلسنا أحوج إلى البكاء، فكل شيء له وقته، ولا أرَ أنَّ البكاء من الذي حان وقته، بل يجب ألا يحين وقته إلا للضرورة، كأن يزيل غمي إنْ أُصِبْتُ بغم، ثم سألته: هل تعاني من صداع في الرأس، فقال: الحمد لله، فبعد دخولي السجن بيوم واحد لم أعُد أعاني صداعا، ولا أي ألم، فيبدو أنَّ السجن يزيل الصُّدَاع والشُّقاق، فقالت له: ليس السجن مَنْ أزال صداعك، بل اعترافك بسرقتك لصاحب الحانوت، ثم بتوبتك عن السرقك، فلو لم تعترف لبقي الصُّدَاع طويلا، وذلك لأنَّك تبقى متوترا، وتفكيرك معلق بما يمكن أنْ يَحْدُث لك بعد المباهلة، وهذا يزيد توترك، فحمد لله على سلامتك، وإنْ شاء الله تخرج عما قريب سالما غانما، ولكن إياك أنْ تعود إلى السرقة، والتكن توبتك توبة صادقة، وابحث لك عن عمل بعد أنْ تخرج من السجن، فهو يبعدك أنْ السرقة والسجون، فقاطهعا زوجها قائلا: غانما!، وأي غنيمة في السجن يا ابنة الحلال؟!، فقالت: يا زوجي: لا يوجد غنيمة أفضل من أنْ تكون بصحة جيدة، فالصحة الجيدة أفضل غنيمة، هذا ما كان من اللص التائب وزوجته..
أما ما حَدَث لزوجة صاحب الحانوت ، فقد زال عنها الصُّدَاع بعد أنْ اعترف اللص التائب بسرقته، فلم تعُد تفكر في أنهم ظلموه بإتهامهم إياه بالسرقة من حانوتهم، ولهذا زال عنها الصُّدَاع، بعد أنْ أقلعت عن التفكير - بإحتمال ظلم السارق - بيومين، فهو لم يُقِم طويلا؛ وهذا ما جعله يتفرع في أكثر من مكان ويزول بسرعة..
نرى من خلال القصة السابقة، أنَّ المباهلة لا تُأتي ثمارا في هذه الدنيا، ما لم تُفْضِي إلى توتر، فإذا توتر الكاذب لعلمه بكذبه؛ فسيصاب بهذه الآلام وبغيرها حسب حدة انخضاعه إلى التوتر والمدة الزمنية التي استهلكه التوتر، ثم أنَّ في المركز الصادق عموما من قد يشك بالتهمة؛ وهذا سيوتره، لأنَّ التهمة قد تَعَرَّض لها الاحتمال، فالتوتر إنْ طال؛ فسيفْضِي إلى مرض، ربما يكون الصداع، أو الشقاق، أو الأهاف من ضمن الأعراض؛ ولهذا فالمباهلة ما لم تُفْضِ بالمتباهل إلى توتر طويل؛ فلا يفضِ إلى مرض، وسيكون حساب الكاذب عند الله؛ ولهذا نرى أنَّ المباهلة لا تنفع ما مُلْحِد لا يُقِر بوجد إله خالق لهذا الكون، ولكن المُلْحِد يمكن أنْ يمرض أيضا، إذا توتر، فالملحد يمكن أنْ تلومه نفسه اللوامة، فإنْ لامته وسبب لومها توتر له، ودام توتره؛ فسيمرض؛ ولهذا فالمؤمن يعتقد أنَّ لعنة الله ستحل عليه حتى لو لم يتوتر، أمَّا الملحد فيعرف أنَّ مرضه مُفْضَى من توتره الطويل، لا من شيء آخر، هذا إذا كان ملحد جلد، وليس أي ملحد، فمثل هذا الحادث إنْ حَدَث قد يزلزل معتقد بعض الملاحدة في الالحاد.. قد يعترض معترض فيقول: وهل للملحد نفس لوامة؟!
أقول: لا يوجد إنسان ليس فيه نفس لوامة، ولكن هناك اختلاف بين النفس اللوامة عن المؤمن والنفس اللوامة عند الملحد: فالنفس اللوامة عند المؤمن تكون متعلقة بالله كثيرا، وصاحبها هو سبب تعلقها بالله، حيث يتجلى هذا بوضوح في الأوقات التي يرتكب فيه المؤمن محرما، فيقول: يا ويلي من الله، ويلوم نفسه الأمَّارة بالسوء على تسببها في اقترافه محرما.. أمَّا النفس اللوامة التي في الملحد فليست متعلقة بالله، بل متعلقة في الأشياء التي عايشها، وبالمادة عموما، حيث يتجلى هذا بوضوح في الأوقات التي يسيء لشخص معين، فيقول: تبا لي، لماذا أسأت إليه؟!، ليكون ما يكون، فما كان لي أنْ أسيء إليه.. كما نرى فالملحد يتعامل مع الأشياء مباشرة، أما المؤمن فإنَّ تعامله مع الأشياء المباشرة يكون من خلال تعلقه بالله؛ وبهذا فإنَّ المؤمن لا يعمل سوى ربط أعماله بالله، هذا إذا تساوت نفس الملحد مع نفس المؤمن من حيث اللوم، لا من حيث شيء آخر.. وعلى كل حال، مسألة النفس اللوامة بين المؤمن والملحد طويلة، ولكن نكتفي بهذا الإيجاز الآن..
لنَعُد إلى الموضوع:
قد يقال: ألا ترى أنَّ فلانا أصيب بمرض عُضال بعد مباهلة؟
أقول: لا يمكن الجزم بإنَّ مصابه من لوازم مباهلة، فالمشاكل التي تحدث في الحياة مع الناس ليست قليلة، فلماذا لا تُعْزَ إلى شيء غير المباهلة؟!، ولكن هذا لا يعني أنَّ المباهلة لا يمكن أنْ تكون السبب، ولكن معرفة إنَّ الإصابة من المباهلة يكاد يكون مستحيل، فحدث المباهلة ما لم يبقَ في النفس وينشط فيوتر؛ لا يُحْدِثُ مرضا.
إنْ تذَكَّر المباهلُ الكاذبُ بعد عدة سنوات لأسباب معينة حَدَث المباهلة، ووترته، فسيقلل التوتر تركيزة في الأشياء، وإنْ طال توتره فربما يمرض بمرض توتري.
كثيرا ما يُيْقِظ حَدَث معين ، حَدَث آخر جلل، وقع قبل سنين؛ فإنْ تجاوزالايقاظ إلى التوتر الطويل؛ فربما سيكون المرض موعده؛ فعندما تجتمع عدة أحْدَاث موترية؛ فهذا طامة الطامات؛ لأنَّ احتمال نشاط الروت المشددي يرتفع، فالحذر من سلوك هذا المرض الخبيث..
الصداع الذي حَدَث لهما خفيفا، وقد شعرا بحدته لأنَّهما لم يعانيا صداعا من قبل، فالـ"مصدعة الإقدفانية" جعلتهما يتوترا، وتوترهما جعلهما يشعران بحدته، فلو استمرا طويلا في التوتر لوصلا إلى الـ"مصدعة الإقدحانية"..
مثال آخر: إذا علمنا أنَّ الرجل يقضي متعته الجنسية، ولا يكثرث لقضاء متعتها الجنسية، أو يظن أنَّه ما أنَّ ينتهي من متعته الجنسية فبالضرورة تنتهي هي الأخرى من متعتها، وقد يفترض أنَّها لو لم تقضي متعتها الجنسية بتساوق مع قضاء متعته الجنسية، فإنَّها ستطلب منه إنْ يُكمل العملية لتحصل على متعتها الجنسية، لعلمه أنَّها جريئة، وهذا غير صحيح فالجريئة أمام هذا الموضوع قد تصير خجولة، فما بالك بالخجولة؟!
إذا استمر الذكر معاملة الأنثى بظنه هذا، وافتراضه، فلا شك أنَّ الأنثى ستتخذ الإجراءات الملائمة لتتحاشا أنْ يقضى الذكر متعته الجنسية قبل أنْ تقضي متعتها الجنسية؛ وذلك بمجرد أنْ يَبْدَأ الذكر عمليته الجنسية، تُزيد من سرعة المبأهات (الإفرازات الجنسية) لئلا يقوم الذكر قبل اكتمال النصاب، فإذا سَرَّعَت المبأهات، ولم تحصل على متعتها، أو إذا حاولت أنْ تسرع المبأهات ولم تتسرع، فإنَّها ستغضب، إلى جانب الروت الكثير الذي يُفرز عند تسريعها أو محاولتها تسريع المبأهات؛ وهذا سينتج عنه صدع وشق، وارتفاع حُمَّى، إذا كانت تعاني أصلا توترات في الحياة، أما إنْ لم تكن تعاني من توترات، فلا شك أنْ تكرير تسريعها أو محاولتها تسريع المبأهات، دون الحصول على متعتها كفيل بأنْ يجعل الروت يكثر في جسدها، وقد يصير رُوات في بعض الأماكن، كأن يظهر على هيئة صداع أو شقيقة في الرأس، أو حمى في الكف، أو القدم، أو أكثر من هذه المواطن..
ربَّما تتهم - هذه المرأة التعيسة – جارتها أم تمام بأنَّها هي السبب فهي تكرهها؛ ولذلك عملت لها حجاب تفريق، أو حجاب منع المتعة عند الدرويش ملعون، فإنْ أقسمت أم تمام بأغلظ الإيمان أنَّها بريئة من هذه التهمة بعد أنْ تصالحتا، وتحادثتا عن همومهن وربما غمومهن، فإنَّها ربما ستجد في زوج أم تمام صاحب العين الزائغة، مُقْضِى أوطار، فتقضي وطرها عنده، فزوج أم تمام: تمام.. كما ترون فوضع هذه المرأة مَفْضَية خيانة الزوج.. على افتراض أنَّها لم تخُنه، فربَّما تخلع زوجها، بعد أنْ تكون حياتهم قد انتعست..
هناك أمثلة تشبة المثال السابق، وتَحْدُث مع الذين يتزوجون في بيوت أهلهم الصغيرة، فعندما يريدون أنْ يقضوا حاجتهم، فإنَّهم يلجؤون إلى كتم أصواتهم، فإذا ما تألمت الأنثى وأخْرَجَت صوتا مرتفعا؛ فإنَّها تتوتر وتكتم صوتها، أي تخفذ؛ وهذا يجعل نفسها ينكتم، فيُحْدِث إمْغُصانيات، بالإضافة إلى صداع، ومن الممكن أنْ تنتقل بعض الإمغصانيات إلى الرأس لتتصف بالصداع، أو الشقاق، والعجب يَحْدُث بعد الإصابة بأعراض هذا المرض، حيث ستتهم المصابة جارتها، أو عدوتها، أما إنْ كان مصابا، أي ذكرا، فالنساء سيخلقن عدوة له رغم أنف الجميع، تكون السبب في مرضه، فعدوته عدوة أمه وتريد الانتقام من أمه من خلاله، عبر حجاب عملته له عند الدرويش فَسَّاد.. بهذه الطرق المختصرة يلجأ الناس لتفسير مصابهم، ولو نظروا إلى أنفسهم قليلا؛ لمَا لجؤوا إلى تفسيراتهم الخاطئة، فالتفسرات قريبة، ولا حاجة للذهاب بعيدا، فالدراويش يستنزفون أموال الناس، وخصوصا الفقراء منهم، بلا عائد، وإنْ شُعِر بوجود عائد فعلى الأغلب يوجد سبب لو بُحِثَ عنه لمَا كان الدراويش قريبون منه؛ ولهذا فتفسير العائد يمكن أنْ يتم خارج إطار الدرويش..
هذه الأمثلة مخلوطة، من خارجية وداخلية ومفسية، كشأن الكثير من الأمثلة حتى وإنْ لم ننوه على هذا الأمر..
مثالان على: مَصْدَعَة أقْلُوحية:.. مثال: كانت أم مُظَفَّر في بيتها عندما جاءت إليها جارتها أم حليم ومعها جزرا، وقالت لأم مظفر: هذا الجزر من أجْوَد الجزر، فقد جاء به زوجي أمس، فهو يعمل في الجزر، وقد عَلِم أنَّ زوجك يعاني من قُصر نظر، فقد قال لي ارسليه له، فالجزر جيد للنظر، وها هو أمامك
فقالت أم مظفر: حقا، أنَّه أجْوَد من الذي جاء به أبو مظفر الاسبوع الفائت، فهذا ما يبدو من شكله.. فأخذت أم مظفر ست جزرات، وغسلتها جيدا، ووضعتها في صحن بالإضافة إلى سكينين، ووضعت الصحن بينها وأم حليم، فأعطت أم مظفر سكينا لأم حليم لتقطيع الجزر، وقالت لها: أسنان الناس هذه الأيام تعبانة، ولذلك صرنا نلجأ إلى السكين لتقطيع حتى الأشياء المرنة، وبدأتا في أكل الجزر، وقد أكلت أم مظفر جزرة كاملة، وشعرت بعدها بصداع خفيف، ولمَّا انتهت من أكل نصف الثانية صار الصداع وسطي، ولمَّا انتهت من النصف الباقي؛ شعرت بصداع حاد، وقد شعرت أم حليم بوتارها، وسألتها قائلة: هل تعاني من شيء يأم مظفر؟
فقالت أم مظفر: وماذا تريدين أنْ تسمعي، هل تريدي أنْ تعرفي أنْ الحجاب الذي وضعتِه لي في الجزر قد أدَّى المهمة؟
فقالت أم حليم: أُذْكُري الله يأم مظفر، فلست أنا من يضمر لك شرا، أو يسعى في أذيتك، فأنا إذا رأيت شخص يصفعك بالماء، فإني أصفعه بالدم!.
فقالت أم مظفر: يا كذَّابة، ومن أين جاء الصُّداع الذي في رأسي؟
قامت أم حليم من كرسيها وقالت: ماذا دهاك يا جارتي، لماذا تصفينني بالكذَّابة، ثم لماذا تتهمينني بأنني سبب صُداعك، ولا تتهمي زوجك الذي يُصَدِّع مدينة بأكملها، ولا أدري كيف تصبرين عليه؟!
قامت أم مظفر وقالت: أنت يا كخة، تقولي على زوجي هذا الكلام؟!، لقد بانت حقيقتك، فقد كنتِ تريدي أنْ تُؤذي زوجي بالجزر، وها هو قد آذاني، وذَهَبَتْ إلى المطبخ وأخَذَتِ الجزر، وقالت وهي ترمي الجزر بجانب أم حليم: ها هو جزرك الذي وضعتِ فيه حجاب صداع، خُذِيه وانصرفي يا من تسعي في إذاء الناس، فأنتم لا تخشون الله، وقالت لأم حليم: ما لك واقفة: خُذي جزرك قبل أنْ تَخْرُجِي، وإلا سَألُم عليك نساء الحارة.
فقالت أم حليم: سامحك الله، ولا داعي للم نساء الحارة، فما حصل يكفي، بل فاض الكيل..
لقد ظنت أم مظفر أنَّ أم حليم أرادت بها وببيتها شرا، والحقيقة أنَّ هذا غير صحيح، فأم مظفر تعاني من صُداع من حين إلى آخر، ولمَّا أكلت جزرا، فقد تحرك الصداع، فالذي يعاني من صُداع لا يحتمل الأصوات المزعجة الخارجة البعيدة، فكيف عندما يكون الصوت المزعج قريبا، لا بل كيف إذا كان الصوت المزعج يَحْدُث بين الأسنان، من مضغ الجزر؟!، فمضغ الجزر يُحْدِثُ صوتا مزعجا، وهو الذي حرَّك الصُّداع أوَّلا، وجعله حادا ثانيا، فليس في القصة حجاب عُمِل عند الدرويش مُفَسِّد، ولا عند درويش غيره..
مثال ثانٍ: جاء هيثم إلى قاضٍ يشكوه أنَّ زوجته قد زنت!.
فقال له القاضي: هل لك شهداء؟
قال هيثم: لا يوجد معي شهداء، فأنا الشاهد على ما حَدَث لا غير!.
قال القاضي: يا بني، لا تعرض نفسك للعنت الله، فالشاهد بالكذب، في حالتك، يُعَرِّض نفسه للعنت الله..
قال هيثم: ما جئت لأشهد كذبا.
قال القاضي: إذًا أنت وزوجتك محكومان بقوله تعالى:"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)" النور.
وقال القاضي: أين زوجتك؟
قال هيثم: في بيتي؟
قال القاضي: استدعِها للمثول أمام القاضي، لتدرأ عن نفسها شهادتك إنْ أرادت ذلك..
قال هيثم: سأفعل الآن، وقد ذهب وعاد إلى القاضي ومعه زوجته سميرة.
قال القاضي: لزوجته ما رؤيك في اتهام زوجك لك.
قالت سميرة: اتهامه باطل.
قال القاضي لهيثم: تقدم واشهد اربع شهادات بالله إنك لمن الصادقين.
قال هيثم: اشهد بالله إنني لمن الصادقين في اتهامي لها بالزنى.. وقد قالها اربع مرات..
قال القاضي: اشهد الشهادة الخامسة، وهي: لعنت الله عليك إنْ كنتَ من الكاذبين.
قال هيثم: لعنت الله عليَّ إنْ كنتُ من الكاذبين.. قالها وقد اعتراه شيء من الاضطراب.
قال القاضي لسميرة: تعالي لتدرئي عن نفسك العذاب، بالشهادة بالله اربع مرات إنَّه لمن الكاذبين.
قالت سميرة: أشهد بالله إنَّه لمن الكاذبين.. وقد كررتها اربع مرات.
قال القاضي: بقيت الشهادة الخامسة، وهي: أنَّ غضب الله عليك إنْ كان من الصادقين.
قالت سميرة: أشهد أنَّ غضب الله عليَّ إنْ كان من الصادقين.
بعد أنْ شهدا، ذهب هيثم إلى بيته، وذهبت سميرة إلى بيت أهلها، فإتهامه لها بالزنى كرَّهها في البقاء معه في بيت واحد.
وقد قضى هيثم اسبوعا في العمل بعد شهادته، وكانت أموره على ما يرام، بإستثناء بعض الانشغال بشهادته ضد زوجته!، ثم أخذ إجازة لمدة اسبوع، وقد قضى اسبوع الإجازة في بيته، وكان منشغل كثيرا في شهادته ضد سميرة، حتى أنَّه لم يعُد يحتمل أحد من حوله، فهو دائم التوتر، وبعد أنْ انتهت إجازته، وعاد إلى العمل، رأى صاحب العمل أنَّ هيثم لم يعُد يحتمل النقد في عمله، بعد أنْ كان يَطْلُب انتقاده، بل حاول أكثر من مرة الاعتداء على عمال في المصنع الذي يعمل فيه، ولهذا أعطاه صاحب العمل إجازة لمدة اسبوع، فهو قد عَلِمَ بالمشاكل حَدَث معه وزوجته.
في اليوم الثاني من إجازته بدأ هيثم يَشْعُر بصداع في رأسه، ودغد في كفه وخُفه، وفي نهاية الاسبوع كان يَشْعُر أنَّ الدنيا تدور من حوله، وقال في بيته بصوت مسموع: يا ويلي، فقد حلت لعنت الله عليَّ باتهامي زوجتي ظلما وعدوانا بالزنى، وهي أطهر مني.. ولم يسمعه أحد عندما قال كلامه، فلم يكن في بيته أحد غيره، فهو يسكن فيه وحده، بعد أنْ ذهبت زوجته إلى أهله.
وقد ذهب إلى صديق له وهو في حاله هذا يكلمه عمَّا حَدَثَ له، وأنَّه في طريقه إلى الجنون، بسبب لعنة الله التي حلت عليه، بعد اتهامه زوجته بالزنى كذبا، وقال: لقد قلت أمام القاضي: أنَّ لعنة الله عليَّ إنْ كنتُ لمن الكاذبين.
فقال صديقه شيبان: ويلك هذه لعنت بتاء مفتوحة، وليست لعنة بتاء مغلقة.
فقال هيثم: وما الفرق؟
قال شيبان: إنَّ لعنت بتاء مفتوحة، تجعل لعنت الله عليك لا تتوقف، أما لعنة بتاء مغلقة ؛ فإنَّ اللعنة تتوقف، ولها حدود.
فقال هيثم: يا ويلي، ثم لماذا لم يُغْلِقُوا التاء لتكون لعنة وليس لعنت، يبدو أنَّهم سيجنَّنُونني؟! إذن حتما سأصاب بالجنون من العنت ذات التاء المفتوحة التي لم يُغْلِقُوها، بل سأصاب بالجنون من ظُلْمِي لزوجتي، وليس من لعنت ذات التاء المفتوحة، ثم ماذا عليَّ أنْ أفعل، يبدو أنَّه عليَّ أنْ أعترف باتهامي لها ظلما، وذهب إلى القاضي، وقال له: لقد اتهمتُ زوجتي ظلما، فماذا عليَّ أنْ أفعل.
فقال القاضي: اخبر زوجتك وأهلها بهذا، وسَنَنْظُر في شأنك.
وذهب هيثم وأخبرها بما حصل، فعفَت عنه، فهي طيبة القلب، تسامح بسرعة..
وقالت له: لنذهب سياحة لمنطقة مجاورة لنخفف عن أجسادنا الأثقال التي حَدَثت من اللعنت.
لقد ذهب الصداع والدغد عن هيثم بعد اسبوع واحد من سياحته، ولم يَشْعُر بصداع، حتى بعد خمس سنوات من وقت سياحته مع زوجته..
ما حَدَث لهيثم، لا يختلف عن ما حَدَثَ لغيره من الذين ذكرناهم في القصص، فمشكلته مع نفسه، فهو لمَّا كان منشغل بما حَدَث، وتوتر كثيرا، بحيث صارت أيامه كلها توتر؛ فإنَّ المرض دخل عليه بسرعة، فلعنت الله يطبقها اللاعن بنفسه، ولا يجيء أحد من بعيد ليطبقها عليه، فخوف الإنسان في هذا الشأن يجب أنْ يكون من نفسه، ثم يجب عليه من الأساس أنْ يخاف الله، فالخوف من الله؛ لا يجعله يخاف من نفسه، لأنَّ الذي يخاف من نفسه ربما اقترف ذنبا، والذي يخاف الله لا يميل إلى اقتراف الذنواب، وإنْ اقترف ذنبا؛ فإنَّه يُعَجِّل بالتوبة.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
مثال ثالث: عانى ص من الاسهال عدة أيام، ولأنَّ ص لا يحب الذهاب المشفى فقد سأل عن بديل للدواء الكيمائي، فقيل له: البطاطة المسلوقة ممتازة.. فاشترى بطاطة تكفي عائلة متوسطة لمدة اسبوعين، فأخذ يسلق بطاطة ويأكل، فإذا بالحُمام عندما كان يجلس في المرحاض يرتفع، فالوضع ليس على ما يرام كما شَعَر، ولم يدرِ ما السبب، وفي اليوم التالي، أكل بطاطة مسلوقة، ولما جلس على المرحاض، فإذا بالأمور تُزَاد تعقيدا، والحُمام يرتفع أكثر، بل حدث صداعا، وشقاقا، وأهافا أيضا، فبدأ يربط البطاطة بصعوبة التبرز، التي ترفع الحُمام، ويمكن أنْ تُحْدِث صداعا، وشقاقا، وأهافا، فقد كان يظن أنَّ البطاطة ستزيل الاسهال دون أنْ تكون مَصْعَبة تبرز، وقد سأل عن ما يمكن أنْ تُحْدِثه البطاطة في المرحاض، فأكدوا له ما توصل إليه؛ ولهذا ترك أكل البطاطة المسلوقة عدة أيام، فعادت الأمور مقبولة.. كما نرى فالبطاطة وبقية مَصْعَبَات التبرز، تُفْضِي إلى حُمَام أولا، خصوصا في الكَوَف والساق، وتُفْضِي ثانيا - وهو موضوعنا هنا - إلى صداع، وشقاق، وأهاف.. الذي حدث في هذا المثال يمكن أنْ يَحْدُث للفوبليين، ولكن بحدة أقل..
صُدَاع إقْدُحاني: ثقل مرضي حاد يحدث في الرأس، بالاضافة إلى ترو تجري في الدم، وروت متلاشٍ يحدث في الأعصاب، ولكن يمكن للروت الذي يمكن أنْ يتلاشى؛ أنْ يكون روتا مشدديا، إنْ داوم صاحب هذا الصُّداع وتاره، فينتقل إلى فئة جديدة، بعد أنْ يصل إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه في المصدعة المقديحية، وهو مصدعة مقديحية3، ثم إذا أُنْتُقِلَ إلى فئة جديدة فإنَّ الأعراض تتشعب، وربما تكون متشعبة قبل أنْ يُنْتَقَل إلى الفومليين..
وعليه، فإنَّ هذا الصداع يَحْدَث عندما يكون المصاب بالصداع متوتر، وإلا فلا..
حركات المصاب الصداع الإقدحاني تكون ثقيلة؛ ولهذا فإذا كان معه أحد من غير المرضى، فهناك احتمال أنْ يصاب بالعدوى، والعدوى هنا – كما قلنا في أكثر من موضع في هذا الكتاب – يختلف عن العدوى التي تنتقل عبر الدم، فالعدوى هنا تتم عبر التفاعل مع المريض، فيتوتر غير المريض إلى أنْ يمرض، أي ما لم يتوتر غير المريض، ويتوتر كثيرا، فلن يصاب بالمرض، ولكن أنَّى له ألاَّ يتوتر كثيرا إذا كان يتفاعل كثيرا مع ثقالي حاد؟!..
الروات الذي في الأعصاب، والروت المتلاشي، والروت الذي يمكن أنْ يكون مشدديا، والترو في الدم نسميه مَصْدَعَة إقْدُحانية فهي التي تسبب الصداع المقديحي، وهي تَحْدُث من أسباب كثيرة.. راجع الأمثلة السابقة..
مَصْدَعَة مُقْدِيحية: هي روت مرضي مقيم في الرأس، حيث يُحْدِث ثقل مرضي حاد فيه (الرأس)، والأسباب التي تُفْضِي إلى هذه كثيرة، ولكنها تتميز بالتوتر مرة، والوتار مرة أخرى، فالتوتر، ومن ثم الوتار، هما اللذان يجعلان المريض ينتقل من فرع إلى فرع أشد، ومن فئة إلى فئة أشد..
أحيانا يُظَن أنَّ شخص معين يعاني من المصدعة المقديحية، ولكن ما لم يكن الروات المقيم حاد، فليس المصاب بالمصدعة ينتمي إلى المصدعة المقديحة، بل ينتمى إلى مصدعة أخف، فالتوتر، أو الوتار الحاصل عند من يُظَن أنه يعاني من مصدعة مقديحية هو سبب اللبس، ثم إنَّ الذي يعاني من مصدعة مقديفية – مثلا -، وكان متوتر أو يعاني وتارا، فإنَّه ينتمي إلى نفس المصدعة ولكنه في طريقه إلى مصدعة أشد ما لم يُوقِف وُتاره، فالوتار في هذا الحال انذار بالانتقال إلى صُدَاع أشد أشد.. راجع الأمثلة السابقة
صُدَاع مُقْدِيحي: هو ألم مرضي حاد، يَحْدُث فوق الجمجمة وتحت جلدة الرأس – دائما نستثني الوجه والرقبة في الصداع، رغم أنَّ الذي يَحْدُث في الرقبة روت مثله ولكن لا نسميه صداعا لدرء الالتباس –، حيث يكون في كل أو جل مواطن الرأس، ويجعل الرأس يتحرك خبطًا، فإنْ خُفِّذَ الحُراك (الخبط)، فربما يزيد الصداع، فَيُضَاف أُهاف، وربما يجعله دُوَارا، وهو الذي يَحْدُث مُضَاف إليه محدجات، بحيث تتغر الأشكال الخارجية إلى حد معين، كأنَّها (الأشكال الخارجية) ليست هي التي كانت قبل الدوار.. المصطلح الذي يجمع المصطلحات السابقة هو ثُقَال، ولذلك فأنى حَدَثَ هذا الروات فهو ثُقَال، إنْ في الرأس، أو الجبهة أو القسمة، أو الصدغ، أو غيرها، ولكن لا بد من استخدام المصطلح المحدد ليصل المعنى بيسر..
هذا الصُّدَاع عندما يكون صاحبه بين الناس فإنَّه يتميز بضغط مرضي حاد، ولكن عندما يكون وحده ويحاول تسكين جسده، أو يراقب حُرَاكات مرضه، فإنَّه سيشعر بانقشاع ممتد في أحد مواطن رأسه، وهو قُشْعار (قشعرة مرضية)، حيث يمكن أنْ يتضح أكثر إنْ ضُغِطَ على موطن معين من عصب معين، ويُفَضَّل أنْ يكون الضَّغْط على مكان مترورت، فيوجد فرع من الارتباط بين حلقات هذا المرض حتى عندما لا يبدو الارتباط مشعورا.. أحيانا عندما يخرج الذي في هذا الفرع إلى فرع أخفّ فإنَّه يَشْعُر بتحلل الروات وينفرغ شكل يشبه خروج غاز من شيء معين، لنسمِّ هذا الخروج بالغرج..
يجب أنْ نُفَرِّق بين الصُّدَاع والدَّوار، فالدوار يجعل صاحبه يُشْعُر بدوران الأشياء من حوله، أو على أقل تقدير بأنَّها تتحرك وغير مستقرة، ولا يشك صاحب هذا الحال بشعوره، ما لم يأته العلم، بأنَّ الإدْوُرانيات هي السبب..
عندما يَحْدُث الثُقَال في القَمَحْدُوَّة أو القفا أو كلاهما معا؛ فإنَّ صاحبه يَنْخَضِع له، فهو عُوَاق للحركة والتركيز فيما عداه، بحيث يُشْغِل جل وقته في التفكير فيه، وينسى كثيرا من أمور الحياة التي تَحْدُث؛ فإذا علمنا أنَّ التركيز كثيرا في شيء معين عند غير المرضى يقلل تركيزهم في أشياء أخرى، فماذا يكون شأن المُصَاب برُكَاز القمحدوة أو القفا أو كلاهما معا، الذي قد يتوسع فيصر رُكَاز المرض؛ فلا شك أنَّه سينسى حتى الأشياء التي اعتاد التعامل معها كثيرا، مثل: هل أغلق الغاز، أو أطفأ المصباح، أو هل أغلق التلفاز، أو هل اشترى لوازمه الضرورية؟.. ثم إذا دخل عليه أحد وهو في غرفته – مثلا – فإنَّه يرتعش، كما أنَّه لا يحتمل الأصوات المرتفعة، فهي تجعله يصاب بسُواق الصوات (مساوقة التفكير مساوقة مرضية لسرعة الصوت)، وهذا يزيد التوتر، فالروات – أو التروات إنْ حدث كثيرا -؛ ولهذا نقول للمريض المصاب بثقال في قذاله (جماع مؤخر الرأس) أنْ يترك رُكازه، ويحاول أنْ يَنْشَغِل بشيء آخر، ويُفَضَّل أنْ يكون الشيء الذي يُشْغِل نفسه فيه شيئا يحبه، كالقراءة إنْ كان يحب القراءة، ليَسْهُل الإقلاع عن الرُكاز، ثم أنَّه لا يمكن الإقلاع تماما فلا بد من بعض التركيز على الموطن المألمي، فالفكر مفطور على التركيز على الموطن المألمي؛ وبهذا يقل نسيانه لكثير من الأشياء التي كان ينساها، ويتقي توسع المرض، خصوصا إذا كان دخل هذا الفرع جديدا، فمن الممكن أنْ يُشْفى منه، أما عندما يتوسع فالشفاء منه بالأدوية غير وارد على الأقل حتى كتابة هذه السطور، فالأدوية الحالية يبدو أنَّ تركيزها على الدم لا على الأعصاب، وهذا خطأ فاحش، نُبَيِّنُه لهم في هذا الكتاب..
صاحب هذا الصداع عندما يتحرك تكون حَرَحَاته حُرَاكات، أي حَرَكَات مرضية، فهو يمكن أنْ يجعل المريض يهجر الناس ريثما يخف الصداع، ولكن إنْ كان مع الناس، فمن الممكن أنْ يُضَيَّقَ عقله، وهو يرى نفسه بين الناس بحاله الصداعي، الذي يجعل حركات رأسه غريبة، فهو عندما يريد أنْ يَنْظُرَ إلى شيء بزوية بعيدة عن الزاوية التي فيها رأسه؛ فإنَّ حركة رأسه تكون خبطا، فهي حركة سريعة جدا، ولكن لو كان صاحب هذا الصداع يعرف سلوك هذا المرض أو بعضا منه، فإنَّه يبدأ يتحرك ببطء لئلا تكون الحركة خبطا، سريعة تلفت الانتباه، وإذا كان من الصعب تَضْييق عقله، فهو يمكن أنْ يُشَكِّل خطرا على الذين بينهم، فالناس تتأثر بتوتر خفيف، فكيف إذا كان بينهم شخص يعاني من صداع مُقْدِيحي؟!.. يمكن للمريض أنْ يتوتر من حاله هذا وهو بين الناس، فهو يُعَوِّق حيايته؛ ولهذا ربما يُضَيَّق عقله من توتره هذا، ولكن يوجد مرضى يكظمون توترهم، إنْ كانوا بين الناس، وإنْ لم يكونوا بين الناس، فإنَّ توترهم يقل وحركاتهم تصير عادية ولكن مضاف إليها بعض العبوس، هذا يعني أنَّه تعتريهم نسبة توتر وهم بين الناس تفضي إلى المصدعة الحُراكية.. الذين مع المريض يمكن أنْ يصابوا بالمرض من حاله هذا، فهو رغم أنَّه يعاني من مرضه الشديد، إلاَّ أنَّه بعقله الموسَّع، ومن هنا يدخلوا إلى المرض.. هذا الصداع بعكس الصداع في الفرعين السابقين، فالصداع المقديفي لا يجعل المريض يحرك رأسه خبطا عندما يريد تحريكها، فهو صُدَاع لا يؤثر على حركات المريض؛ ولهذا فهو ليس صُدَاعا مَهْجَرِيا؛ ولهذا ليس صُدَاعا مَعْدَويا..
الشُقَاق إذا حَدَثَ فإنَّه يَحْدُث في موطن صغير، وعادة ما يكون في أحد جوانب الرأس، ولكنه يكون في أعلى الرأس أيضا، ولا يُفْضِي إلى الحُراك الذي يُفْضِي إليه الصداع المقديحي، ولكنه يجعل العين تعمض، بسمم الألم الناتج عن الشُقَاق، فلو أراد صاحب الشُقَاق ألاَّ يغمض لفعل، أقصد ألا يجعل الشُقَاق يُشْعِرْه بنسبة ألم مرتفعة؛ وآنَها يراقب حُدُوث الشُقَاق ويعلم شدته، دون أنْ يتألم منه كالتألم الذي يَحْدُث عندما ينساق صاحبه للألم الذي يُحْدِثه الشُقَاق، ثم أنَّ الرحر (مراقبة حُدُوث الروت الروات التروات) يقلل من الروت الذي ينفرز عندما يتألم صاحب الشُقَاق، فالتألم عملية توترية، وهذا يجعل الألم الحاصل أخفّ، ويقلل من الروت المشددي؛ وهذا يجعل المدة التي يَحْدُث فيها الشُقَاق أقل..
الكُبَاط يَحْدُث خارج الرأس، اليد – مثلا -، ولكن لا أدري ما إذا كان يَحْدُث في الرأس أم لا؛ فهو يُحْدِث ألما شديدا، يبدو أنَّه فوق احتمال موطن الرأس له؛ ولهذا يتضح حُدُوثه خارجه..
التعليقات (0)