مواضيع اليوم

صولجان الألحاد وسيف الأيمان

حسنين السراج

2012-01-07 15:01:00

0

 حين يتحدث الأنسان عن (العلم و الدين) فهو يتحدث عن أثبات سابقة علمية في النص الديني أو أثبات تناقض النص الديني مع العلم . أن أثبات سابقة علمية في النص الديني أو أثبات تناقض النص الديني مع العلم محوره الدين . وهذا لا يعني بالضرورة أثبات وجود الله أو أثبات عدم وجوده . فقد يؤدي أثبات تناقض الدين مع العلم الى أيمان أحدهم بدين اخر يدعو الى عبادة الله أيضا . وقد يؤدي الى تحول أحدهم الى (ألوهي لا ديني) . وقد يؤدي الى الألحاد . أما أثبات سابقة علمية في الدين فقد يؤدي الى أيمان أحدهم به . وقد يتم تفسير الأعجاز بانه مجرد صدفة او تاويل غير واضح . 


يقول أينشتاين :أنا لا أعتقد ان العلم يجب ان يكون بالضرورة في حالة تعارض طبيعي مع الدين . في الحقيقة ، أجد ان هناك ترابط متين بينهما . لذا أقول بان العلم بدون دين كسيح ، وعلى العكس ، ان الدين بدون علم أعمى . كلاهما مهم ، وسوف يعملان يد بيد . ويبدو لي ان من لم تبهره الحقيقة في العلم وفي الدين هو كالإنسان الميت .(1)

أذا أخذنا هذا القول بشكل مجرد فمعناه أن هناك علاقة تكاملية بين العلم والدين لكن المقصد ليس كما يبدو . كما سنرى لاحقا . فما قاله أينشتاين قاد محاوره بيتر بوكي الى أن يسأله :(أذن أنت تعتبر نفسك شخص متدين؟) : 

أجاب أينشتاين : أنا أؤمن بوجود الألغاز الغامضة ، والحقيقة اني في بعض الأحيان أواجه مثل هذه الألغاز بخوف كبير . وبكلمات أخرى ، أؤمن بوجود أشياء في هذا الكون لا نستطيع إدراكها أو النفوذ الى داخلها. لذا فاني لا أعتبر نفسي رجل متدين إلا في ما يتعلق بالموقف من هذه الألغاز المبهمة . مع ذلك اني أدرك هذه الأشياء بعمق . ما لا أستطيع فهمه هو كيف يمكن ان يكون الإله الذي سوف يكافئ ويعاقب رعاياه ، أو الإله الذي يمكن أن يحثنا على تطوير رغباتنا في حياتنا اليومية .(2)


يحاول عالم البايولوجيا المعروف ريتشارد دوكنز أن يثبت بأسهاب أن أينشتاين لا يؤمن بوجود الله وأن أستخدامه لكلمة الله يقصد بها الطبيعة وأستخدامه لكلمة دين يقصد بها ( الوقوف امام ألغاز الكون باعجاب) فيستشهد بكلمة أينشتاين المعروفة (العلم بدون دين كسيح والدين بدون علم أعمى ) . وكلمته (لا أؤمن بالأله الشخصاني ) ويحاول لفت النظر الى وجود تناقض بين القولين ليقوم بدوره باثبات أن اينشتاين لا يقصد الدين الغيبي في الجملة الاولى بل يقصد مفهوم خاص به . وبذلك لا يكون هناك أي تناقض . (3) 

لكن المشكلة أن أينشتاين أوقع دوكنز في تناقض أكبر . فأينشتاين يوضح قصده بشكل أكبر يجعلنا نحكم بشكل قطعي أنه يقصد الدين الغيبي . ذلك لأنه يقول بعد أن سأله بيتر بوكي : أنت أذن لا تؤمن بالرب ؟


أينشتاين : هذا ما أعنيه بقولي ان العلم والدين يسيران يد بيد ! لكل منهما موقعه، ولكن يجب ان يمكث كل منهما في دائرته. دعنا نفترض اننا نتعامل مع عالم في الفيزياء النظرية أو مع عالم له إلمام كبير مع مختلف قوانين الكون. على سبيل المثال: كيف هي وضعية مدارات الكواكب والشمس ، وكيف تدور الأقمار التابعة في مداراتها حول كواكبها ؟والآن : كيف يمكن لمثل هذا الإنسان الذي درس هذه القوانين المختلفة وفهمها أن يؤمن بان هناك إله واحد قادر على إحداث الإخلال بمسارات هذه الكتل المدارية العملاقة ؟ كلا ! القوانين الطبيعية للعلم لا تعمل نظريا فحسب ، بل قد تم إثباتها في الواقع . ثم أنا لا أستطيع أن أؤمن بوجود ذلك الإله الأنثروبومورفي ( الإله التشخيصي الذي خلعت عليه صفات الإنسان ) الذي يمتلك القدرة على التداخل مع القوانين الطبيعية . وكما سبق لي ان قلت ، ان المشاعر الدينية الأروع والأعمق التي يمكن تجريبها هي الإثارة التي تبعثها فينا هذه الإلغاز . ان هذه ( الألغاز ) هي قوة كل العلم الحقيقي . واذا كان هناك ثمة فكرة عن الإله فهي : الإله هو روح عذبة ، وليس ذاك الشخص الذي خزن الكثير في عقله . ديني هو الانبهار المتواضع أمام هذه الروح المتسامية و اللامتناهية ، والتي تعبر عن نفسها في التفاصيل الدقيقة التي نستطيع إدراكها بعقولنا الوهنة والهشة .(4)

لو ركزنا على بداية الحديث لوجدنا أن أينشتاين قال : (يجب ان يمكث كل منهما في دائرته) . ولا أعلم كيف تمكث الطبيعة خارج دائرة العلم و المتحدث عالم فيزياء ؟ قطعا أن الدين الغيبي هو المقصود هنا تحديدا . ولا يمكن تأويل هذا الكلام بأي شكل من الأشكال . وهذا التناقض لا يقلل من قيمة ما وصل أليه دوكنز فكثير من كلام دوكنز يتناغم مع أقوال اينشتاين بخصوص الدين الى حد ما . مع أن البعض صنف أينشتاين على أنه (لا ديني ربوبي) . ألا أن دوكنز يصر على أنه (طبيعي) ليس ربوبي .

يقول دوكنز : لدينا الكثير من العبارات المشهورة لأينشتاين والتي تدل على أن أينشتاين كان طبيعيا وليس ربوبيا مثل (الأله الخفي ولكنه ليس خبيث) أو( الأله لا يلعب النرد ) أو (هل كان لله خيار في خلق الكون) بالتأكيد لم يكن مؤمنا . يمكن تفسير ( الله لا يلعب النرد ) ب(العشوائية ليست من صميم الأشياء) . و( هل كان لله خيار في خلق الكون) يمكن تفسيرها ب(هل هناك أمكانية لتكون بداية الكون مختلفة عن التي كانت عليه ؟ ) اينشتاين أستعمل كلمة الله بشكل مجازي ورمزي ... دعني ألخص دين أينشتاين ببعض ما قاله هو نفسه :( الاحساس بأن خلف ما نحس به يوجد شيء ما لا نستطيع أدراكه وهذا الشيء يمسنا بجماله وسموه بطريقة غير مباشرة . وبشكل يكاد يكون غير محسوس .)(5)

الطريقة التي يفسر بها دوكنز أقوال أينشتاين تذكرني بطريقة رجال الدين في تأويل الايات والاحاديث الى معاني تروق لهم . مع أن تفسيرات دوكنز لأقوال أينشتاين منطقية نوعا ما . لكن أينشتاين عالم فيزياء . ما الذي منعه من قول : ( العشوائية ليست من صميم الاشياء) بدل ( الله لا يلعب النرد) ؟ . وماذا يقصد أينشتاين بقوله :( الاحساس بأن خلف ما نحس به يوجد شيء ما لا نستطيع أدراكه) ؟. من حق المؤمنين أن يثيروا هذه التساؤلات . ان الطريقة التي يصيغ بها أينشتاين أقواله تجعل منها أشبه بالنصوص المقدسة (قابلة للتاويل وحمالة أوجه) .


الحقيقة أن أينشتاين في حديثه عن الدين خلق حالة من النزاع بين المؤمنين والملحدين تثير الغثيان . وتجعل الانسان يشعر بمزيد من الاحباط . بسبب الألحاح الشديد من الطرفين على أثبات أيمانه أو ألحاده . وهل يتوقف الأيمان او الألحاد على بركات اينشتاين ؟ لكن يبدو أن الأنسان يتعامل مع كل الامور بأنحياز واضح وتفاخر مج ! هل العبقرية مرتبطة بالأيمان أو بالألحاد . أذا كانت الغاية هي التفاخر بعبقري كأنيشتاين . فلا أجد أي ربط بين العبقرية والمعتقد .

يقول دوكنز : الكثير من اللغط والحيرة سببها الفشل في التمييز الدين الأينشتايني والدين الغيبي . أستعمال أينشتاين لكلمة الله (وهو ليس الملحد الوحيد الذي فعل ذلك ) بتضرع كان ولا يزال سبب لسوء الفهم من قبل العديد من الغيبيين المتدينين والمتلهفين لسوء الفهم ليستطيعوا الادعاء بأن ذلك العالم اللامع كان واحدا منهم .(6) 

الواقع ان دوكنز لا يختلف كثيرا عن المؤمنين الذين ينتقدهم فهو أيضا يحاول جاهدا أثبات أن أينشتاين ملحد . لأضافة قوة للألحاد . فهو معهم في نفس الخانة . فلا أدري ما هي المشكلة في أن يكون عالم لامع مؤمن أو ملحد ؟ لنفترض أن أينشتاين كان مؤمنا باليهودية بشكل حقيقي وليس كأنتماء أجتماعي أو عشائري . هل ستهتز عروش الألحاد ؟ والعكس أيضا لو فرضنا أن أينشتاين كان ملحد واضح الالحاد مثل دوكنز . ما الذي سيضر بالأيمان ؟ 

بعض المسلمين يحاولون أثبات أن أينشتاين كان مسلم ! والدليل هو حوار مزعوم مع أبنه يقول فيه أن أبيه كان يقول (الله أكبر) . ما الذي قادهم الى التفاخر بهذه المعلومة المزعومة ؟

أن أستخدام المنطق في غير محله أوجد هذه الصورة . فالمنطق يقول أن العبقري أنسان ذكائه خارق ومن يملك ذكاء خارق له قدرة على أختيار أفضل الاشياء ولا بد أن يختار أفضل المعتقدات . فلو أختار الايمان فهذا دليل صحة الأيمان . ولو أختار الالحاد هذا دليل صحة الألحاد . لأن العبقري أنسان له قدرة خارقة على تمييز ما هو صحيح .

وهذا الكلام ليس له واقع وليس له صحة . فهناك عباقرة ملحدين وهناك عباقرة مؤمنين بالأديان الابراهيمية وهناك عباقرة يقدسون بول البقر . ماذا عن الانبياء ؟ أليسوا أيضا عباقرة ؟ في نظر الملحدين هم يدعون النبوة . وهذا يدعم عبقريتهم بشكل أكبر من القول بصحة نبوتهم . أما أذا كانت الغاية أثبات حقيقة تاريخية فأينشتاين لا ينتمي للفريقين . فأذا كان الحديث عن الدين فهو ينتمي لليهودية عرقيا وأجتماعيا ليس أكثر . كأنتماء العرب للعشيرة .(7) أما عن أيمانه فهو يؤمن بوجود قوة خفية في هذا الكون ليكن أسمها ما يكن . يقول أينشتاين : انا اؤمن بأله سبينوزا (الله والكون حالة واحدة) والذي كشف عن نفسه بالتألف المرتب لكل الموجودات , وليس بالأله الذي يشغل نفسه بمصير البشر وتصرفاتهم .(8)

يقول الكاتب فرانسوا دو كلوزيه عن أينشتاين في كتابه أينشتاين ضد الصدفة :
كان الابتهال الى الرب مألوفا لديه , لكن هذا الأبتهال لم تكن له علاقة كبيرة بصلاة المؤمنين . ربه بالنسبة أليه لم يؤسس دينا , ولم يولي كهنة , أنه هنا في متناول العقل , كامن في النظام الكوني , أنه رب يحمله العلم . كل الفيزياء ميتافيزيقية , كان يقول أحيانا . أن منطق الطبيعة مشابه لمنطق الانسان , يحمل معه مطلق الجمال , والانسجام , والوحدة والبساطة . وطوال حياته كان يؤدي أبحاثه كما لو كانت تأملا يتتبع كمالا ربانيا . (9)


من المؤكد أنه لا يؤمن بالأديان . ومن المؤكد أنه يؤمن بوجود شيء لا نستطيع ادراكه . أينشتاين مؤمن بطريقته الخاصة وملحد بطريقته الخاصة . هكذا يعرض نفسه . أو هكذا فهموه . عبقري يقبل القسمة على الجميع . وكلامه عن الدين من الممكن تأويله لشتى الاتجاهات . أنها صورة قوس قزحية . وقد تكون هذه اللوحة الأينشتاينية رسمت بأسلوب الفن البصري (الأوب ارت) بشكل مقصود . من يعلم كل شيء جائز . 


ربط الدين بالعلم والحديث عن الأعجاز العلمي خصوصا في القران يبدأ ولا ينتهي والبحوث في هذا المجال كثيرة ومستمرة , فيعتقد الباحثين الأسلاميين (أن أثبات وجود سابقة علمية تم أثباتها الان . سيدعم حقيقة ان هذا الكتاب من الله ) . كما يبين الباحث الأسلامي المتخصص في العلوم الهندسية وعلوم التربية والدراسات القرانية عبد الدائم الكحيل كروية الارض من القران بالشكل التالي : 


الآية الكريمة:يقول تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [الزمر: 5].


شرح الآية:يتحدث ربنا تبارك وتعالى عن نعمه التي لا تعد ولا تُحصى، فيخبرنا عن خلقه للسموات والأرض، وأنه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. وجاء في أضواء البيان للشنقيطي: والتكوير هو التدوير ومنه قيل كار العمامة وكورها، ولهذا يقال للأفلاك كروية الشكل.
ومن هنا يمكن أن نستنتج إشارة علمية مهمة وهي أن الشكل الذي يتحرك في الليل والنهار هو شكل كروي حيث يتداخل كل منهما بعضه في بعض .


الحقيقة العلمية:لقد أصبحت حقيقة كروية الأرض من الحقائق اليقينية. وتدل على ذلك الصور الملتقطة من الفضاء الخارجي للأرض، ففي عام 1968 التقطت أول صورة للأرض بواسطة مركبة الفضاء أبولو، وبعد ذلك التقطت آلاف الصور للأرض، وجميعها أظهرت الأرض كرة تسبح في ظلام دامس .


وجه الإعجاز: يتبين لنا من خلال هذه الآية الكريمة وتحديداً قوله تعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) وجود نظام كروي يسير عليه الليل والنهار ويتداخلان مع بعضهما، ولا يحدث ذلك إلا إذا كانت الأرض كروية، وهو ما وجده العلماء بالصورة الحقيقية.


والسؤال: لو لم يكن محمداً رسولاً من عند الله تعالى فمن أين جاء بهذا التعبير (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) وكيف علم أن الأرض كروية، إن هذا من دلائل نبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام.(10)

طريقة منطقية جدا في الوصول الى حقيقة أن القران أشار الى كروية الأرض قبل أكثر من 1400 سنة , وتأثيرها كبير على المسلمين , وقد يعجب بها باحث غير مسلم , وقد تغري شاب أوربي في البحث أكثر عن حقيقة الأسلام وقد يصبح مسلما لو عرضت أمامه ادلة أخرى تؤكد الأعجاز العلمي في القران , وهذا كله وارد على أرض الواقع , فهناك في كل مكان في العالم نوعية من الناس تواقين لمعرفة الاخر وملهوفين للوصول للحقيقة و يملكون الجراة الكافية لتأييد فكرة مخالفة أو أعتناق عقيدة أخرى لو ثبت لهم صحتها , يقول الدكتور علي الوردي :(أن الباحث المبدع يمتاز عن الرجل العادي بكونه يعترف باطاره الفكري , ولذا فهو أقدر على مواجهة الحقيقة الجديدة من غيره )(11)

لكن هذا النموذج ليس هو النموذج السائد في العائلة الأنسانية فكثيرا ما نجد عقل الأنسان يبرر ويخلق أعذار يجعل جميع الأمور منطقية ومقبولة في حال كانت نتائج ما توصل اليه تثبت وجود ثغرة في معتقداته من خلال تسخيف وتهوين الثغرات التي قد تجعل ما يؤمن به وهما أو شيء اخر غير الحقيقة , ويضخم كل نتيجة هامشية تدعم حقيقة معتقداته ويعطيها أبعاد حقيقية تحولها الى شيء مؤثر وداعم عظيم لها .

للحقيقة وجه اخر وما بينه الباحث عبد الدائم الكحيل من أعجاز في أثبات كروية الأرض من القران هو أحد وجوه الحقيقة والوجه الاخر نجده عند الكاتب جواد البشيتي الذي يقول :

في أمْرِ كروية الأرض لم يَرِدْ في القرآن أي لفظ (أو عبارة) يَدُلُّ معناه ، من غير تأويل ، على أنَّ الأرض (كوكب الأرض) كُرَة ، أو كروية . فكلمة كُرَة لا وجود لها في كل القرآن . ورد في القرآن ، وعلى سبيل المثال ، الآية (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) . المؤوِّلون العلميون للقرآن أوَّلوا التكوير في هذه الآية بما يُمكِّنهم من الادِّعاء بأنَّ الإشارة إلى كروية الأرض قد وَرَدَت أوَّل ما وَرَدَت في القرآن .

على أنَّ الآية إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ تُكَوِّر هذا التأويل ، وتَجْعَله يَنْكَدِر انكدار النجوم يوم القيامة ، فالشمس تُكَوَّر ، يوم القيامة ، أي تُظْلِم ويَذْهَب نورها. وغنيٌّ عن البيان أنَّ الشمس الكروية هي التي تُكَوَّر يوم القيامة ، أي تصبح مُظْلِمَةً .

ما هو شكل الأرض في القرآن؟ في القرآن ، الأرض ليست بـكروية ، وليست بجسم مِنْ بُعْدَيْن ، أي ليست بجسم له طول وعرض فحسب . إنَّها ليست بـمُرَبَّع، ولا مستطيل ، ولا مُثَلَّث . إنَّها ليست بـمُكَعَّب . إنَّني لا أعْرِف السبب الذي منع كل من قرأ القرآن وفهمه من أن يَفْهَم الشكل القرآني للأرض على أنًَّه كمثل قِطْعَة نقدية معدنية مستديرة . إذا أنتَ تأمَّلْتَ هذه القطعة تَفْهَم على خير وجه الشكل القرآني للأرض .

القطعة النقدية المعدنية المستديرة (القِرْش مثلا) ، لها سُمْك (ارتفاع) . وبفضل هذا السُمْك نَفْهَم الأرضين السبع، فالأرض، في سُمْكها ، تتألَّف من طبقات سبع ، هي الأرضين السبع . وبفضل استدارتها نَفْهَم القُبَّة السماوية ، فَجَعْل السماء مُقَبَّبَة على الأرض (أي رفع السماء عن الأرض من غير أعمدة مرئية) إنَّما يقتضي أن تكون الأرض مستديرة . وهذا الشكل القرآني للأرض يُفَسِّر جريان الشمس لمستقرٍّ لها ويُفَسِّر أيضاً العبارة القرآنية يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ .


وفي معنى التكوير جاء في تفسير القرطبي : معنى التَّكْوِير، في اللُّغَة , هو طَرْح الشَّيْء بَعْضه عَلَى بَعْض . يُقال كَوَّرَ الْمَتَاع أَيْ أَلْقَى بَعْضه على بَعْض . إذا كانت القُبَّة السماوية نهاراً فإنَّ الله يأتي بـليل يشبه القماش ، فَيَلِفُّ به النهار مرَّات عدة ، فيتضاءل النهار ، أو النور ، شيئاً فشيئاً حتى يعم الظلام . وهذا ما شرحناه إذ قُلْنا من قبل : إنَّ الخالِق يُدْخِلُ الليل في النهار، ويُدْخِلُ النهار في الليل، أو يُتْبِعُ الليل بالنهار، والنهار بالليل. وَقَدْ قال اِبْن عَبَّاس : ما نَقَصَ مِنَ اللَّيْل دَخَلَ في النَّهَار وما نَقَصَ مِنَ النَّهَار دَخَلَ في اللَّيْل . وهذا هو معنى : يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل . وتَكْوِير اللَّيْل على النَّهَار هو تَغْشِيَته إِيَّاهُ حَتَّى يَذْهَب ضَوْءُهُ . ومعنى يُغْشِي النَّهَار على اللَّيْل هو أنْ يُذْهِب النهار ظُلْمَة الليل . وَهَذَا قَوْل قَتَادَة . وَهُوَ مَعْنَى الآية : يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبُهُ حَثِيثًا . 


وجاء في تفسير الجلالين: يُكَوِّر، أي يُدْخِل اللَّيْل عَلَى النَّهَار فَيَزِيد ، ويُدْخِل النَّهار على اللَّيل فَيَزِيد. وجاء في تفسير ابن كثير: يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار، وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل ، أَيْ سَخَّرَهُمَا يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنِ لا يَفْتُرَانِ كُلّ مِنْهُمَا يَطْلُب الآخر طَلَبًا حَثِيثًا، كَقَوْلِهِ يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حَثِيثًا . هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّي وَغَيْرهمْ . وجاء في تفسير الطبري : يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل أي يُغَشِّي الليل على النهار, والنهار على الليل . كما قال يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل . ومعناه ، عن ابن عَبَّاس، يَحْمِل اللَّيْل على النَّهَار. ومعناه ، عن السُّدِّي ، يَجِيء بِالنَّهَارِ وَيَذْهَب بِاللَّيْلِ , وَيَجِيء بِاللَّيْلِ , وَيَذْهَب بِالنَّهَارِ . لفظ التكوير إنَّما اسْتُخْدِم هنا ليؤدِّي المعنى الذي نراه في ظاهرة نمو ظلمة الليل ، ونمو نور النهار ، فـنور النهار يتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى ظلمة الليل التي هي أيضاً تتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى نور النهار . في هذا التَدَرُّج في نور النهار و ظلمة الليل يكمن المعنى الحقيقي لـلتكوير . وإليكم الآيات القرآنية التي يَدُلُّ معناها على أنَّ الأرض ليست بكروية : (وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) . (أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً) . (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً) . (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) . (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) . (وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) . أين معاني الكرة ، أو الكروية في (سُطِحَتْ) و(مِهَاداً) و(فِرَاشاً) و(بِسَاطاً) و(مَدَدْنَاهَا) و(مَدَّ)و(طَحَاهَا)؟!(12)

الأول يثبت أعجاز علمي وأشارة الى كروية الأرض من القران والثاني يثبت عكس ذلك تماما وكلاهما أعتمد على العلم والدين في بحثه , في الواقع أن ربط العلم بالدين بحد ذاته خلق وجه ثالث للحقيقة مختلف عن الوجهين السابقين ويخالف مبدأ الموضوع من أساسه قبل الولوج الى تفاصيله ويرى فيه عدم أنصاف للدين والعلم على حد سواء ويتبنى هذا الرأي بقوة الدكتور خالد منتصر حيث يقول :

منهج العلم مختلف عن منهج الدين ، وهذا لا يعيب كليهما ولا يعنى بالضرورة أن النقص كامن فى أحدهما، فالمقارنة لا محل لها ومحاولة صنع الأرابيسك العلمدينى بتعشيق هذا فى ذاك محاولة محكوم عليها بالفشل مقدما ً، فالعلم هو تساؤل دائم أما الدين فيقين ثابت ، العلم لا يعرف إلا علامات الاستفهام والدين لا يمنح إلا نقاط الاجابة ، كلمة السر فى العلم هى القلق أما فى الدين فهى الاطمئنان ، هذا يشك وذاك يحسم ، وكل القضايا العلمية المعلقة والتى تنظر الاجابات الشرعية لن تجد اجاباتها عند رجال الدين لسبب بسيط هو أن من عرضوها منتظرين الاجابة قد ضلوا الطريق فالاجابة تحت ميكروسكوب العالم وليست تحت عمامة الفقيه ، والعلم منهجه متغير وقابل للتصديق والتكذيب ويطور من نفسه بمنطقه الداخلى وربطه بالدين يجعل الدين عرضة للتصديق والتكذيب هو الآخر ، ويهدد العقيدة الدينية بتحويلها إلى مجرد قارب يمتطيه المتاجرون بالدين معرض ببساطة للعواصف والأمواج تأخذه فى كل إتجاه ، ويتحول الدين إلى مجرد موضوع ومعادلة ورموز من السهل أن تتغير وتتغير معه معتقدات المؤمنين ببساطة ويتملكهم وسواس الشك ويأخذ بتلابيبهم ويزعزع إيمانهم ، وكذلك جر العلم من المعمل إلى المسجد يجعل معيار نجاح النظرية العلمية هو مطابقته للنص الدينى سواء كان آية أو حديث نبوى وليس مطابقته للشواهد والتجارب العلمية والمعملية ... القرآن كتاب سماوى محكم وشامل ، أحدث ثورة وتغييراً شاملاً فى مجتمع صحراوى بدوى ضيق ومنه إلى الكون كله ، ولكى تحدث هذه الثورة كان لابد أن يتكلم القرآن مع أصحاب هذا المجتمع البدوى بلغته ومفاهيمه بمافيها المفاهيم العلمية السائدة فى هذا الوقت ، ومهما كانت هذه المفاهيم والأفكار العلمية ساذجة أو مغلوطة بمقاييسنا العصرية فإنها كانت ضرورة وقتها وإلا لكنا أمام كتاب ألغاز غامض وليس كتاباً دينياً هادياً ومرشداً ولابد أن يكون واضحاً لكى يقنع ويهدى ويرشد ، ولايعنى وجود هذه الأفكار أن القرآن منقوص ففى إعتقادى أن وجود هذه المفاهيم هى دليل قوة لأنها تحترم مبدأ هاماً وترسخه وهو أن الدين الإسلامى وكتابه الجليل الكريم المقدس يتفاعل مع الواقع بقوة وحميمية وهذه هى معجزته الحقيقية . (13)

من حق أي باحث أن يدعم الدين بالعلم , فالبحث متاح للجميع لذلك أجد من حق رجال الدين ربط العلم بالدين وكذلك من حق المخالفين لهم أثبات العكس , أن الكثير من البحوث التي تدور حول ربط العلم بالدين مثيرة للأعجاب حقا لما فيها من تشويق في طريقة ربط النظرية العلمية بالنص الديني , سواء كان مؤلفيها علماء متدينون أو رجال دين متعلمون, لكني اجد بعض البحوث خصوصا تلك التي يعدها رجال الدين  تحوي الكثير من المغامرة خصوصا المرتبطة بنظريات علمية قلقة تكون محل خلاف بين العلماء لأن العلم غير متفق على حقيقة ما ربطوه بالدين وقد ياتي يوم يغير نفس العالم صاحب النظرية الفلانية رأيه فماذا سيفعل رجل الدين في ذلك الوقت ؟ فهو جعل النظرية العلمية معصومة من الخطا في تلك اللحظة التي دعم بها النص ديني , فهو في الواقع جعل النظرية القابلة للتغيير توأما سياميا للنص الديني الثابت , وفي اللحظة التي تظهر فيها حقيقة علمية جديدة تلغي السابقة سيجد رجل الدين نفسه في موقف لا يحسد عليه والخيارات المتاحة امامه أحلاها أن يتراجع عن الأعجاز العلمي الذي توصل اليه حين كانت النظرية العلمية السابقة في عز شبابها .

ظهر رجل قبل سنوات في العراق يقول أن الأرض مكعبة ! وعرض بحث كامل يثبت فيه نظريته وناظره بعض رجال الدين والتقته بعض الصحف التي رأت فيه خبرا غريبا ممكن أن يوضع في صفحة غرائب وعجائب وأستضافته بعض القنوات التي رأت فيه مادة دسمة لجذب الجمهور, الا أنه لم يفلح في أقناع أحد بوجهة نظره , حتى أن المسكين لم يحصل على الشهرة الكافية التي توازي قوة خروجه عن المألوف , ولا أعلم ما الذي يمكن أن يقنعه أن الأرض كروية ؟ قد يحتاج الأمر أن تأخذه محطة ناسا الى الفضاء ليرى الحقيقة بعينه ومن يعلم قد لا يصدق ما يراه! وقد يقول لهم أنها مكعبة لكنكم واقعين في خداع بصري ! شعور الأنسان بحقيقة ما , قد يجعله لا يرى ما سواها . 


المصادر: 

1- أينشتاين عن الدين –نشر وترجمة عدنان عاكف – الحوار المتمدن – العدد 2614 - 1/4/2009 
2- المصدر السابق
3- ينظر - وهم الأله – ريتشارد دوكنز – صفحة 17 وما بعدها 
4- أينشتاين عن الدين –نشر وترجمة عدنان عاكف – موقع الحوار المتمدن – العدد 2614 1/4/2009
5- وهم الأله – ريتشارد دوكنز – صفحة 21 
6- وهم الأله – ريتشارد دوكنز – صفحة 15
7- أنظر-ي : ( أينشتاين ضد الصدفة – فرانسوا دو كلوسيه – الفصل العاشر) و (أينشتاين عن الدين –نشر وترجمة عدنان عاكف – موقع الحوار المتمدن – العدد 2614 -1/4/2009)
8- وهم الأله – ريتشارد دوكنز – صفحة 20
9- أينشتاين ضد الصدفة – فرانسوا دو كلوسيه – صفحة 60 
10- كروية الأرض – عبد الدائم الكحيل – موقع عبد الدائم الكحيل للاعجاز العلمي في القران والسنة 
11- خوارق اللاشعور – علي الوردي – صفحة 48 
12- الأرض ليست كروية في القران وأليكم الادلة – جواد البشيتي – موقع الحوار المتمدن – العدد 2072 - 18/10/2007 
13- أكذوبة الأعجاز العلمي – خالد منتصر – موقع عرب تايمز – 17/12/2004

الهوامش :
ظهر الفن البصري ، أو ما يعرف بـ الأوب آرت ، في النصف الثاني من القرن العشرين ويرتبط كثيرا بفنون الدعاية والإعلان والتقنيات السينمائية والإلكترونية والخدع البصرية . وهو اختصار لمصطلح(
L’optique Art )الذي يعني الفن البصري للعين .
ويعود الفضل في انتشار هذا النوع من الفنون إلى الرسامين فكتور أساريللي وسوتو الذين يعتبران من أبرز مؤسسي اتجاه الخداع البصري . ففكتور فاسارييلي الذي أنجز عددا هائلا من الأعمال الإبداعية المتميزة، يعتمد في رسوماته على خلق تكوينات هندسية متكررة ومتشابهة (أحيانا متشابكة) تعرف بــ التذبذبات نتيجة العلاقة المتبادلة بين الموضوع والخلفية.. أما سوتو فقد تخصص في إنجاز منحوتات متحركة على شكل تجهيزات (كما هو الشأن عند كل من غابو وبفزنير) أساسية لجذب الرؤية والانتباه . (الموقع الشخصي للفنانة أعتدال عطيوي) . 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !