حين بُحت لقلمي:إنّها وجهتنا القادمة, راح يترنّم كالأطفال صبيحةَ العيد,فمنذ زمن يتوق لنسجِ سطورٍتضمُّ بين ذراعيها خيالاً سرمدياً لوجهها..
جمعتُ أوراقي..وطرقتُ بابَ صباحي,استأذنتُه أن يشاركني بفنجان قهوةٍ(ساده) فرحّبَ بي, وسكب ماءَ وجهه على أحداقي...
.لم يكن ماءَه كالذي نعرفه ,فالتماع اللجين بادٍ عليه...............................
وكانت تلك المرّة الأولى التي أعلم فيها أنّ الصباح ليس إلاّ لجيناً ذابت فيه صولات فيروزيّة وأزهرت في رياضه سمفونيات وضعتْ تحت كتِفها مدرستي ومقعد كليّتي القاطن منذ زمن أمام (كافتريا) تعبقُ برائحة البن الساخن ,وبين زواياها غصّت كرّاساتٌ للبعض ونظراتٌ تُسترَقُ خلسةً للبعض الآخرَ ....
ورغم الضوضاء ودخان السجائر لازال مذياع حبيتي سوريا يصدحُ عالياً" ياسنين إلي رحتي ارجعيلي ..ارجعيلي شي مرة ارجعيلي.."...
و(سيرفيس) اختنق صدره باكتظاظ طلبةٍ تعدّدتْ وجهاتُهم ,ونافذة تبسُم لي حين أكاد أخرج منها ,بعد عدّة محاولاتٍ ناجحة لخلق مسافة صغيرة بين ردائي المنطوي وقميصٍ لأحدِ الطلبة الوسيمين قد فقد وعيه من عطرٍ تغلغل فيه...
ورغم الأحاديث وروائح العطور الناعمة والخشنة ,.كان الّلجين لازال يترقرق من مذياعٍ أثقلَه الغبار:"..ومن يومتها ماعدت شفتو ضـــــــــــــاع شادي..."
ونبقى على تلك الحال حتى تسقطَ آخر أوراق أيلول ,وأصحو ذاتَ صباح لأجد نفسي وصديقتي على طريق واسعٍ كقلوبنا(طريق الكورنيش) ومظلّة زرقاء مزركشة برذاذ المطر المعبّق برائحة التراب البلدي ,كما كنا نسميه .
وعلى طول الطريق مقاعدٌ نائمة أثقلها اقتراب جسدين مزقهما حبٌ قد يضيع دونَ التقاء,وقد يقف في وجهه امتلاكُ مفتاحين وشهادتين، الأولى: وداعٌ للحياة الدّراسية والثانية: إنهاءُ تجربةٍ مختلفة في خدمة العلم ,وعلى الطرف الآخرمقاعد ٌأخرى قد صحت من التقاء كفّين أذابهما العشق المباح...
وتحت شجرة سروٍ كبيرة وقفتْ عربةٌ بسيطة تبيع(الإكسبريسو) ,ومن مذياعٍ في أعلى الجذع كانت تتراقص حبات المطر على إرهاصاتٍ تشرينية:"إداش كان في ناس عالمفرق تنطر ناس وتشتي الدني ويحملوا شمسية وأنا بإيام الصحو ماحدا نطرني"
ورغم شرقيتّي الطفوليّة ارتسمتْ في مقلتي عبْرة حبٍ فطريّة .....................طريق
طويل.......عشّاق......مطر........مظلّة...........وفيروز...".ياإلهي أريد أن أحبّ!".......
ونكملُ طريقنا ونحن نضحك على خيبتنا حتى يتضاءلَ الصوتُ رويداً رويداً......ويختفي أخيراً أمام إشارة مرورٍ خضراءَ,جعلتْ السيارات تمرّ وجعلتني أتمّ دراستي لسنواتٍ أربع ..وأتركُ بصمتي كمن سبقني على جدران كلّ شبرٍ من أيّام الدّراسة والأصدقاء......
لكنّ الصور لم تنتهِ بل أخذتْ طابعاً مختلفاً قليلاً,.كصباح البارحة ,كان ممزوجاً ببسمةٍ جنونيّة لتصرفاتٍ لم أجد لها تبريراً إلاّ حين أغمضتُ عينيّ وأدرتُ إحدى محطاتِ (الراديو):"ياحبيبي وبحبك ع طريق غياب بمدى لابيت يخبينا ولا باب ياحبيبي..لوفينا الباب يتسكر شي مرة بين الأحباب"
وتأخذني النبرة الفيروزيّة الحانيّة لعالمٍ بعيدٍ,.وقلبٍ اختار البعيد,.ويمرّ أمام فكري بيتُ بشار بن برد:"والأذن تعشق قبل العين أحيانا"
-"أحقا أذني عشقته قبل أن تراه؟!"........................................................
ورغم تنصّله من جميع أقواله ,أرادتِ السحب الفيروزية أن أذكره وأبتسم, لعلّها استلّتْ من صدري أعذاراً وأعذاراً لأقدّمها له وأصفحَ عنّه..وأبوحَ بحنينٍ مسْهبٍ للحديث مجدداً إليه ولكن دون أبوابٍ تغلقُ علينا.....
ومن جرّب الفضاءات الفيروزيّة بلاشك قد حلق مع من يحب...., ومن فوق تلك السحب وجد اللجين غافياً في حروفٍ لازورديّة تنبض بشفاهٍ مألوفة:"شايف البحر شو كبير كبر البحربحبك"...........
ثلاثةٌ وعشرون عاماً على قيثارة عمري والصباحُ لايزال فيروزيّ,..فكلُّ يوم صورةوابتسامة جديدة.,نصفها من الماضي والآخر للحاضر......
إلى أين تأخذني الطبقات اللجينيّة دون أن تعلم ,فتعمّدني بلكناتها في ليل العيد مع أجراس الكنائس فيزيدني حجابي مع صوتها طهراً...وأبقى أحلمُ بطيّارة من ورقٍ و(خيطان) نطيّرها ونعود صغاراً لكن دون الأمنية بأن نكبرأبداً وندعو للزمان بأن ينسانا على سطح الجيران................................................
seba.H
التعليقات (0)