صورة المرأة في السينما العربية ..
على مدار عقود من الزمن . زمن الهزيمة والانكسار او زمن الانتصار ، كانت صورة المرأة في السينما العربية تراوح مكانها ، تلك الصورة النمطية للام المتفانية الضعيفة ، قليلة الحيلة التي تنتظر في البيت من يعيلها وعيالها ، ليبقى( السي سيد )سيدا مهيمنا متسلطا يتحكم بالقوة الاقتصادية المنزلية ويشكل دكتاتورا في مملكته الصغيرة البعيدة عن واقع الحياة في الخارج ، ودون ان يعلم من في هذه المملكة بان هذا البطل ، هذا الدكتاتور لا يعدوا ان يكون مراسلا او فراشا او كاتبا بسيطا أو ربما عامل نظافة ، في دائرة حكومية متهالكة . بل ربما يكون تحت امرة دكتاتور آخر متجوع للسلطة يمارس عليه صنوفا من الاذلال والتسلط . ليعود السي سيد ويفرغ عقدة في البيت .
وذهبت السينما العربية الى تصوير المرأة الارملة بصورة من انتهت حياتها ، وبات من المؤكد تشردها ، ذلك انها قليلة الحيلة ، قليلة الخبرة او عديمتهما ، ليست ذات مال او شهادة او عمل ، فهي قد تضطر لقبول العمل حتى لو كان العمل منحطا ، او ان تنهار تحت وطأة الحياة وتسحق تحت عجلات الحياة لتكون بغيا او راقصة ، او طمعا لكل من هب ودب ، او متسولة او الى غيره من الصور السلبية ، ولو كانت الصورة ستكون افضل لكانت تتلقى الصدقات من اهل الحي الكرام لتكون بالتالي مضغة في افواه نساء الحي ، حيث انها بحاجة الى الغريزة ، وهذا قد يهدد نساء الحي لأنها ستكون على الاغلب جميلة جدا .
وليس بعيدا عنا صورة المرأة المطلقة ، والتي لن تكون بحال افضل من حال المراة الارملة ، او حتى تلك التي تركها زوجها وغادر البلد للعمل في الخارج . فهي متشوقة للغريزة الجنسية ، واذا لم تكن كذلك فان اهل الحي ينظرون اليها على هذا الاساس ، ومن هنا ستكون غير مرغوب بوجودها في الحارة ، لانها ستشكل عامل اغراء للرجال من جانب وتهديد لمستقبل النساء في الحي . الذي قد يجتمع كباره ويقررون بالتالي طردها .
واذا تجاوزنا صورة المراة في البيت ، المحصورة بين هموم العمل اليومي المنزلي الروتيني المعتاد وما يدور من نافذة الشقة مع الجارة الاخرى من النميمة والمجاملة البيسطة وتلك الروح العدائية المتخفية خلف المجاملة والتي سرعان ما تخرج للعن على هيئة شتائم ومشاجرات تعلن على الملاء كل الاسرار والفضائح المخفية ، او تلك الزوجة التي تكتشف لوهلة بان زوجها قد تزوج عليها دون علمها من الجارة الارملة في الشقة المقابلة ، اذا ما تجاوزنا هذه الصورة الى صورة المراة العاملة والمنتجة ، والمشاركة في صناعة الحياة الاسرية الى جانب البناء الاقتصادي الوطني سنجد ان تلك المراة اما ان تكون مجرد موظفة غير مخلصة تقتلها الهموم اليومية والزيادة السنوية والجمعيات او ان تقوم ببعض الاعمال الخاصة كالتطريز او الحياكة ،بل تجاوز البعض منهن هذا الى نقر الكوسا او تقطيف الملوخية او تقميع الباميا ، ولا يفوتها ان تتجاذب النظرات مع زميلها في المكتب او تواعده وتغازله ( على غرار الافلام الغربية لكن بصورة اقل فنية ودرامية وحبكة وتشويق ) .
واما الصورة اخرى فهي صورة المرأة التي ما برحت تنتظر العريس وتفعل كل فعلها لتفوز به حتى ولو كان ذلك على حساب الكثير من الاشياء التي لا يجوز ان تتنازل عنها تحت وطاة الحياة القاسية التي صورتها السينما العربية بجدارة ، وربما تواجه في هذه الدرب ( درب البحث عن العريس ) العديد من المشاكل والمتاعب ، لتظهر المرأة وكان حياتها لن تستوي الا بهذا العريس ، وهي قد تفعل الحلال والحرام والمسموح والممنوع والجائز وغير الجائز خلال المسير في هذه الطريق الطويل الذي غالبا ما يواجه بالرفض والفشل في النهاية ، او المماطلة من قبل العريس ، او عدم العثور على الشقة او القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية المترتبة عل الصفقة المبرمة بين العريس أو اهل العريس واهل العروس في غياب كامل لرآي العروس ووجهة نظرها وارادتها المغيبة الغائبة .
هذا في الافلام ذات الصبغة الجادة ، القديمة ، اما في الافلام الجديدة او مايسمى اليوم ( السينما الشابة ) فقد تم مسخ صورة المرأة بصورة اكبر وتشويهها حتى لم نعد بقادرين على تمييز ملامحها هل امراة عربية ام غربية ، هل هي متحرة ام منحلة ، فتداخلت الصور مع بعضها البعض ، واقتصر دور المراة فيها على العشيقة ، او الحبيبة ، او عديمة الهوية تماما ، لو تجاوزت بعض الافلام هذه الصورة بعيدا لوجدناها تصور المراة بصورة بعيدة عن الواقع الحياتي للمرأة العربية والمسلمة والشرقية بشكل عام بما تتميز به من صفات ليست بخفية على احد ، ولعل هذا يصب في خانة العولمة ، والتمييع المقصود المتعمد الهادف الى طمس الهوية الوطنية والقومية العربية بشكل او بآخر .
ولن ننساق وراء قضية المؤامرة ، ولكن بوضوح تام ما الذي يميز السينما العربية من حيث الموضوع المطروح ( صورة المراة العربية ) عن تلك الصورة غير ، التسفيه والتهميش والإنكار لصورة المراة العربية الحقة .
تلك الصورة التي ظهرت فيها المرأة العربية صورة قاتمة بائسة نمطية ، عالة على غيرها ، تمثل دور الجارية اكثر مما تمثل دور المرأة ، لا تملك خياراتها ولا قراراتها ، قليلة الخبرة ، عديمة الادارة والدراية ، متكلة على غيرها حتى ولو كانت ذات نفوذ مالي او اجتماعي ، مطموع فيها ، فريسة يمكن اصطيادها بسهولة ، تستكين وتقبل بسرعة ، لا تقدم نماذج يمكن ان يحتذى بها .
الا توجد نماذج نسوية عربية فريدة مميزة قادرة عل ان تثري السينما العربية بما هو مميز وجذاب في الوقت ذاته لتكون صورة حقيقية .
بات من المؤكد ان السينما العربية ( لانعمم ولا ننكر ) ولكن على الاغلب اداة هدم وتدمير ، ونشر افكار مرسومة سلفا ،مفتعلة ومقحمة اقحاما ، بنيتها الاساسية الاغراء وعرض الاجساد بلا مبرر منطقي او درامي ، حتى انها تفتقر لفنيات السينما كسينما ، ولجأت الى الفيديو كاقرب صورة الى السينما .
التعليقات (0)