مواضيع اليوم

صورة الشاعر الأمازيغي

محمد احمد

2009-11-13 21:40:21

0

صورة الشاعر الأمازيغي


علي شوهاد: أن تكون شاعراً معناه أن تعبّر عن الملايين من الناس، لأنّ لديك وسيلة تعبير ليست للجميع.


عبداللّطيف الوراري

ظلّت الصِّلات بين الموسيقى والشعر، أو لنقُلْ بالأحرى بين الغناء والنّظْم الشعري، وثيقةً للغاية منذ قرونٍ سحيقة. وكان الشعراء في أوّل عهدهم يُغنّون بشعرهم وهم ينشدونه ويلقونه. وكثيراً ما توقّف الدارسون عند الشاعر اليوناني هوميروس الّذي كان يتغنّى بالإلياذة على آلة موسيقية خاصة، ولعلّنا أوجدنا شيئاً مثل هذا في حياة الشاعر العربي مُتنقّلاً في القبائل العربية، يمدح بشعره هذا، ويهجو ذاك، ويتغزّل بتلك.

 كما نشأت في أوروبا في العصور الوسطىجماعات من الشعراء الجوّالين يطوفون ويتغنون بشعرهم، وكان يطلق على هذه الجماعة التروبادور. وكان من الشُّعراء من يتَّخذ الغناء للتعبير عن ذاتيّته، أو يصوِّر به اختلاجات النفس الإنسانية، أو يعكس به رهبة الطبيعة وأسرارها، وأحياناً كان يستدرّ به عطف آلهة الخصوبة والخير في أوقات الشدّة والقحط. 

ولم يُخْلق الشعر منذ نشأته إلا ليتغنّى به، ثم تطور الغناء إلى الإنشاد، والإنشاد إلى القول.

تلك أهمّ معالم الشاعر الغنائي وصورته في تاريخ الأدب, وإذا كانت هذه الصورة قد اندثرت فعلاً، في الآداب المعاصرة بحكم هيمنة الحضارة الكتابية، وما رافقها من انحسار الصوت، إلا أنّها لا تزال حيّةً في الشعر الأمازيغي الّذي توجّهه، في الغالب، ثقافتُه الشفويْة الممتدّة لقرونٍ من الإبداع والحكمة وسخاء الطبيعة.

ومن الطريف أن نجد أنّ لفظة "إنشادن" ـ الأمازيغية بجذرها المتحدّر من العربية، والمنتشرة في الوسط الفنّي ـ تكشف عن رمزيّتها الدالة على إلقاء الشعر وإنشاده، إذ تستعمل للدلالة على هذا النوع من الإنشاء الشفهي، أو من التعبير الفني الذي كان يستند فيه الشاعر الغنائي إلى عناصر حسية وخيالية وموسيقية تقرّها الأذهان وتعلق بها القلوب، معتمداً على ذاكرته وبراعته وتفنُّنه في أساليب النظم والقول.

هكذا يحتفظ الشّاعر الأمازيغي بوضعه الاعتباري كناظمٍ لكلام الشعر ومُنْشده معاً. أي يجمع بين الإبداع والإبلاغ بشكْلٍ يدعو للإعجاب, يأخذ الشاعر صفة "الرايس" الّذي أتقن الصنعة، وصفة الفنّان الّذي أوجد لكلامه المنظوم أعذب الألحان. لا يعزف على القيثارة أو على الصنج أو على العود أو على الكمان مثلما هو شائع في الثقافات الشعرية الأخرى، بل على الرّباب آلته الأثيرة التي اجترحها من كونه النفسي والطبيعي، ودلّت على جبلّته وعالمه الخاصّ.

نتذكّر، هنا، الشعراء الروايس الحاج بلعيد والحسين الباز وعبدالله أرسموك وعبدالهادي إيكوت وفاطمة أيتبعمرانت وآخرين ممّن ارتبط اسمهم بمجموعات غنائية بهذا المعنى أو ذاك.

وضمن هؤلاء الشعراء الّذين سارت بذكرهم الجبال والوهاد بين بادية سوس وشعاب الصحراء، لا ننسى الشاعر الفنّان المتحدّر من طاطا علي شوهاد، الذي عبّر في شعره وغنائه صحبة مجموعة أرشاش، عن وجدان الإنسان وأحلامه ومصيره بأسلوبٍ يميِّز شخصيّته وثقافته الإنسانية.

يقول الشاعر الأمازيغي: "أنا أومن بأنّ الشاعر لسان حاله، وليس أن يكون فقيهاً حتى يعطي دروساً في الفقه، وإن كان لا يجب أن يغفل عن الفقه، ولا بدّ أن يكون سياسيّاً ويعيش الأحداث السياسية، ولكن ليس من الضروري أن يكون سياسيّاً، مثلما لا بدّ له، بعد وذاك، أن يكون مواطناً. فإن تكون شاعراً معناه أن تعبّر عن عدد من الملايين من الناس، لأنّ لديك وسيلة تعبير ليست للجميع. على الشاعر أن يرقى بفنّه، ولكن دون الابتعاد عن كلّ هذا."

وعن سؤال ما الذي تغيّر في حياتك بعد كل هذه السنوات التي قضيتها في الحياة والإنشاد والكتابة؟ أجاب: "الشيء الذي تغيّر هو بنْيتي، فبعد أن كنت شابّاً أصبحت اليوم كهْلاً، وشعر رأسي الذي كان أسود ينسدل على ناصيتي صار الآن يشتعل شيباً. لكنّ قلبي لا يزال يخفق للناس الذين أحببتهم. وما زلت أكتشف أنني لم أخض بعد غمار "الآه والأوّاه" في المغرب، لأنه ساحة سجال من رمال الصحراء إلى أمواج البحر الأبيض المتوسط، كما لا أزال أتهجّى أبجديات القول".




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !