سمر الجيّار
أرمق الجدران في ملل ،أزفر في تأفف.. ربما أخفت البعوض وأبعدته. أحاول أن أمنع نفسي عن جنوني الليلي ولو ليوم واحد. أتمني أن أنام ولو لساعة في الليل، لكن العبارة نفسها ظلت تطاردني...
(الكاتب الكويس لازم يبقي عامل زي الفيشة الدكر.. مكان ماتحطه يشتغل).
ظلت العبارة تتردد في ذهني بصدي عجيب، ثم تحولت إلي أغنية تشدو بها الشياطين حتى أن الشياطين خرجت من مخيلتي- التي أعرف أنها مريضة- إلي الحجرة. تشدو الشياطين بفظاظة ،وقد هالني مدي سوقية الجملة وابتذال التشبيه. هل من قالها لي كاتب حقا ، أم هي مجرد واحدة من ضلالاتي؟.
لم يفلح البخور في طرد الشياطين لذلك تركتها تغني ،وتنخسني بمخالبها وفتحت النافذة. ظلام دامس يشقه قوس من ضياء هلال ضعيف، ضعيف لأنه صغير وليس هناك بجواره من يُعنى به، لذلك فهو آخذ في الاضمحلال. أشفقت عليه لأنه يضمحل مثلي، ربما فعل هذا على سبيل المجاملة فهو يعود متألقا مرة أخري بينما أنا أذوي فحسب.
تلوثت ملابسي بالدماء بعدما خدشتني الشياطين،لكنني لم آبه لأنه روتين يومي ممل ،ولن ينتهي إلا في الصباح عندما يستيقظ أحدهم، ويفرغ تلك الحقنة المريبة في فخذي فأغيب عن الوعي، ولا أفيق إلا عندما يخيم الظلام مرة أخرى، ومرة أخرى أفتح النافذة وأرمق الأشجار الميتة ذاتها والهلال الذي يضمحل ثم..
ذلك الصوت العذب؟ كأنه ناداني باسمي..
لم ينادني أحد باسمي منذ سنوات! يسمونني الحالة..
سأتبع الصوت.. كم هو عذب؟.
تسللت من النافذة. عيناي تبصران جيدا في الظلام ،لأنني عشت معظم حياتي كليل طويل متواصل بلا نهار، أحببت صوت تهشم العشب الجاف تحت قدمي الحافيتين. الأشواك تجرحهما أيضا لكنها ليست أسوأ من خدوش الشياطين! رائحتي ضيّعها النسيم الخفيف، وأخفي الظلام دمامتي..هاها ظنوا أنني لا أستطيع الحركة.
مصدر الصوت وجهتي التي لا أعرف مكانها، لكن الصوت يعلو.. يا الله.. ما أجمله؟ أتعثر، ينبح كلب بقوة ليطردني ،لكنني لن أتراجع عن هدفي أبداً. هجم الكلب وهو يمزق حنجرتي، علا الصوت وهدهد روحي برقة فلم أشعر بالألم.
التعليقات (0)