مواضيع اليوم

صندوق المقاصة ملف ساخن حرق أيادي كل الحكومات المتوالية من المستفيد منه؟ ومتى سيخضع للإصلاح المطلوب؟

إدريس ولد القابلة

2011-04-16 10:16:38

0

صندوق المقاصة ملف ساخن حرق أيادي كل الحكومات المتوالية
من المستفيد منه؟ ومتى سيخضع للإصلاح المطلوب؟

 

إدريس ولد القابلة

إذا كانت إشكالية لإصلاح صندوق المقاصة ظلت مطروحة منذ أربعة عقود، إلا أن مباشرة الإصلاح المطلوب ظل يُرجأ المرّة تلو الأخرى. علما أن هذا الصندوق يلعب دورا حيويا في دعم القوّة الشرائية لفئات واسعة من ساكنة المغرب، كما اضطلع ولا يزال بدور لا يقل أهمية عن المذكور، بخصوص دعم جملة من المواد الاستهلاكية الأساسية بالأقاليم الجنوبية.
لكن من المستفيد منه فعلا؟ وهل حقق الهدف المتوخى منه؟ ومتى سيخضع للإصلاح المطلوب؟


هل صندوق المقاصة عبء على الدولة؟


لاشك أن صندوق المقاصة أضحى عبء على مالية الدولة، إذ أن تكلفته الحالية للبرنامج تجاوزت ثلثي ميزانية الاستثمارات المغربية. وقد سبق لكريم الهافي، أستاد الاقتصاد أن أكد أننا بحاجة لمراجعة نظام المقاصة الحالي لجعله [الصندوق] أكثر فعالية وعلى المدى المتوسط إدخال آليات من شأنها تقديم المساعدة بشكل مباشر للمواطنين الفقراء، لأن أسعار السلع الأساسية في ارتفاع مستمر. لقد تضخمت ميزانية عمل الصندوق من 3 مليار درهم في 2002 إلى 20 مليار في مما دفع البرلمانيين للدعوة لإصلاح الصندوق خلال مناقشاتهم لقانون المالية 2008. كما سبق أن أعلن الوزير الأول ،عباس الفاسي، أن الحكومة قررت إضافة 15 مليار درهم لدعم صندوق المقاصة وذلك بعد أن خصص القانون المالي لسنة 2011 مبلغ 17 مليار درهم ، ليصبح بذلك 32 مليار درهم مجموع الغلاف المالي المخصص لهذا الصندوق. ولمواجهة آثار الزيادات تم ضخ 109 مليار درهم بين 2008 و 2011 وذلك حتى لا تباع المواد بكلفتها الحقيقية (السكر 12 درهم، والغازوال 10,30 درهم).


الاصلاح الذي لم يتيسّر بعد


بالأمس القريب لاحظ الجميع أن عباس الفاسي، الوزير الأول اهتم بقضية إصلاح صندوق المقاصة، وشكل أحد نقط أجندته الهامة، إلا أنها سرعان ما توارت واختفت من أجندته لنعاين إرجاء البت في هذا الملف مرة أخرى كما كان يحصل على امتداد ما يناهز أربعة عقود. وبذلك ظلت كل حكومة تسلم هذا الملف – الإشكالية للحكومة التي تليها إلى حد الساعة.
إن استمرار إرجاء إصلاح صندوق المقاصة من شأنه أن يثير جملة من الإشكاليات القانونية بعد الإقرار بضرورة تكريس المنافسة الشريفة بين مختلف الفاعلين بارتباط مع حماية المستهلك.
كانت وزارة المالية قد أعلنت منذ 2008 أنها ستنظر بشكل جاد في إصلاح شامل لصندوق المقاصة من أجل تحسين أدائه لفائدة المغاربة الأكثر فقرا. وسيركز الإصلاح على العديد من المظاهر: المراقبة والتنظيم الوساطي ومراجعة هيكل الرسوم وإعادة تنظيم القطاعات المعنية. وتقوم الحكومة حاليا بوضع البنية الأساسية لنظام مقاصة جديد، نظام يستفيد من تجارب البلدان الأخرى عبر العالم ويكيفها مع الاحتياجات الخاصة للمغرب. وكشفت مصادر، آنذاك، أن هنالك 3 سيناريوهات للإصلاح ظلت تروج حتى وقت قريب حول نظام المقاصة، أحدها يقضي بالحفاظ على هياكل الصندوق واستمرار تحمل الدولة لتبعات الاختلال التي يعاني منها وما ينتج عن ذلك من تأثير سلبي على التوازنات المالية العمومية، علما بأن الصندوق بشكله الحالي لا يساهم بالتقليص من الفوارق الاجتماعية بقدر ما يكرسها. كما طرح السيناريو الثاني إمكانية حذف نظام المقاصة برمته وتوزيع موارده على الفقراء فقط أو توجيهها إلى الاستثمار، غير أن من شأن هذا السيناريو أن يولد زيادة ملحوظة في أسعار جميع السلع والخدمات مع ما يمثله ذلك من إضعاف للقدرة الشرائية للطبقة الوسطى، علما كذلك بأنه لن يقع إجماع حول البروفيل الوطني لما ننعته بالفقير. أما السيناريو الثالث، وهو الذي يرجح الكثيرون بأن الحكومة ستأخذ به، ويتمثل في الإبقاء على صندوق المقاصة مع التحكم في غلافه المالي عبر حصره في نسبة محددة من الناتج الداخلي الخام وتقليص الدعم الموجه إلى الفيول الصناعي وتحسين أداء ونجاعة النظام ، بالإضافة إلى وضع نظام معلوماتي لتتبع ملفات الدعم وإنجاز دليل المساطر الخاصة بالصندوق. وفي نهاية المطاف قد تقرر الإبقاء على صندوق المقاصة مع إصلاحه لعدم إمكانية الاستغناء عنه وعن الدور الهائل الذي يقوم به على مستوى الحفاظ على السلم الاجتماعي ومساهمته، ولو بشكل جزئي، في دعم القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصا وأن إحصائيات الفقر تؤكد أن 20 في المائة من الأسر يقل دخلها عن 1930 درهما وأن 40 في المائة من الأسر دخلها أقل من 2892 درهما، كما أن نسبة الأسر التي يقل دخلها عن 4227 درهما تصل إلى 60 في المائة. بينما يصل معدل الأسر المغربية التي ينزل دخلها عن عتبة 6650 درهما إلى 80 في المائة.


دعم المواد الأساسية : كيف؟ و من المستفيد؟


إن الدعم المقدم في الأقاليم الجنوبية يهم المواد: السكر-الزيت-الدقيق-البنزين. علاوة على توفير هذه المواد بأسعار اقل من تلك المعتمدة في باقي أقاليم المغرب، إن جملة من المواطنين المقيمين بالأقاليم الجنوبية الحق يسافدون من بطاقة التموين (الزون) تمكنهم من اقتناء (السكر-الزيت والدقيق) بأثمنة تفضيلية لكن لدى تجار الجملة مرخصون لذلك و بحسب عدد أفراد العائلة. وبالنظر لممارسات التجار و الجودة الرديئة للدقيق و الزحام المسجل في نهاية الشهر و ضعف الكمية، فان المواطن يجد نفسه مضطرا لشراء هذه المواد بأثمنة السوق . في حين يتم تهريب ما تبقى لدى التجار إلى الأقاليم المجاورة .أما عن البنزين فالتخفيض في ثمنه لم يخدم قط المواطن العادي.فكم مواطنا يملك سيارة؟ و كم يستهلك من البنزين شهريا؟ فهذا الدعم يستفيد منه فقط أصحاب أساطيل الشاحنات و المهربون.أما المواطن الهدف الأول و الأخير لهذه السياسات يبقى آخر المستفدين.
خلافا للظاهر، سبق لحسن بوسلمان، مدير التنافسية والأسعار بوزارة الشؤون الاقتصادية والعامة، أن أكد أن أوّل مستفيد من صندوق المقاصة هم الفئات الميسورة ودوي الدخل المرتفع اعتبارا لكونها تستهلك أكثر، وبالتاي هي التي تطهر أنها المستفيدة أكثر من غيرها من دعم هذا الصندوق.
عموما تستفيد الفئات المعوزة بالمغرب فقط من 15 في المائة من مجموع ميزانية صندوق المقاصة، أي أن 85 في المائة من ميزانية هذا الصندوق تستفيد منها الطبقة الميسورة. ولذلك يرى البعض أنه بعيد كل البعد عن أداء دوره الذي أنشئ من أجله ولا يشكل إلا وسيلة تغني الغني وتفقر الفقير. فالعديد من الشركات تستفيد من حصة الأسد من الميزانية المخصصة للدعم، إذ تستغل هذه الشركات المصاريف البنكية المخصصة لدعم غاز البوطان أثناء الاستيراد، وتضاعف من نسبة هذه المصاريف إلى 6 أضعاف أو 12 ضعفا للطن الواحد، مما يلحق أضرارا جسيمة على الصندوق. وقد قيل أن شركة "كوكاكولا"، على سبيل المثال، ظلت تستفيد، في إطار دعم مادة السكر، من مبلغ سنوي يصل إلى 120 مليون درهم سنويا، رغم أنها تُحقق أرباحا طائلة، وهناك أمثلة أخرى من هذا القبيل .
إن دعم صندوق المقاصة لا يتجاوز 15,6 دراهم لمتوسط الفرد الشهري، و32 درهما
لمتوسط الأسر شهريا، فضلا عن أن معدل الاستهلاك الغذائي الشهري للأسر يقدر بـ 2135
درهم، و بالنسبة لمتوسط الفرد الشهري يناهز413 درهما.

لصندوق المقاصة تاريخ طويل


الصندوق الذي تأسس سنة 1941 ، من طرف السلطات الفرنسية بغية تجاوز صعوبات التزود بالمواد الغذائية و المنتجات الأولية الصناعية لتقنين الأسعار و تشجيع تنقيلها إلى بلدها و ذلك في سياق تجاوز الانعكاسات السلبية للحرب العالمية الثانية على اقتصادها و اقتصاد مستعمراتها. ثم لتوفير المنتجات الأوروبية في المغرب بأسعار معقولة، تحول إلى برنامج أوسع لدعم السلع الاستهلاكية والنفط والغاز. و بعد الاستقلال استمرت الدولة المغربية في نفس السياسة خاصة منذ منتصف الستينات حتى صدور الظهير المؤسس لصندوق المقاصة كمؤسسة عمومية ذات استقلال مالي و شخصية معنوية في 10 أكتوير 1977 . سطر هذا الظهير 3 أهداف أساسية لهذا الصندوق وهي:
- تنظيم التزود بالمواد الاستهلاكية الأساسية،
- تأمين المقاولات من تقلبات أسعار المواد الأولية،
- حماية المستهلكين عير التحكم في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية.
الكثيرون ظلوا يشددون على المزايا الشاملة لدعم السلع الأساسية، ذلك أنها تؤثر على كافة المواطنين الأغنياء والفقراء. غير أن القيمة النسبية لهذه المساعدة هي أكبر بالنسبة للمواطنين الأكثر فقرا.


أسس نظام الدعم بالمغرب وتمويله


بني نظام الدعم هذا على قطبين: صندوق المقاصة و المكتب الوطني المهني للحبوب و القطاني . و كان الدعم يشمل حتى بداية الثمانينات 7 مواد هي: الحليب- الزيدة – الزيت – السكر – غاز البوتان – الدقيق الوطني – دقيق القمح الصلب، و أضيفت المواد البترولية سنة 2000 ، ثم تقلص إذ اقتصر فقط على ثلاث مواد هي : السكر – الدقيق الوطني ( فارينا) – غاز البوتان .
ويتم تمويل نظام الدعم عبر مصدرين : ميزانية الدولة و المعادلات الجمركية : هي حقوق مضافة إلى حقوق الجمارك هدفها حماية الإنتاج الداخلي و يتم حسابها تبعا للأسعار العالمية . فالمعادلات الجمركية ترتفع عندما تكون الأسعار العالمية أو أسعار العملات منخفضة، و تنخفض بارتفاع هده الأخيرة.
إن مداخيل المعادلات الجمركية تُوجّه الى حسابين : الأول تابع لوزارة الفلاحة ( المعادلات الخاصة بالدقيق ) و الثاني تابع لوزارة المالية " صندوق التنمية الفلاحية " الذي يغذي في الأخير صندوق المقاصة.


المراقبة ظلت في خبر كان


منذ سنة 2006 كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول صندوق المقاصة عن غياب المراقبة الميدانية لملفات الدعم لدى الشركات المستفيدة، بحيث لم يتم إنجاز أي تقرير في هذا الإطار، مما يساهم في جعل المقاولات المستفيدة من الإعانات خارج أية مراقبة أو فحص، وبالتالي ذهاب تصفية ملفات الإعانات أدراج الرياح، رغم أن فريق المراقبة يتقاضى التعويض المالي عن المراقبة. وهذا أمر لم تخفيه الحكومة حيث سبق للوزير نزار بركة أن أقرّ في أكثر من لقاء صحافي غياب المراقبة المالية للشركات المستفيدة رغم التنصيص عليها من لدن المجلس الأعلى للحسابات. وهذا ما أكده عباس الفاسي الوزير الأول من جهته، عندما أوضح بأنه لم يتم بعد الوصول إلى كيفية إيصال الدعم إلى الأسر الفقيرة.
فمن نقط الضعف "المستدامة" في أداء صندوق المقاصة أنه لم يكن يخضع للمراقبة، مما شجّع على سيادة فوضى في التسيير، إلى أن الأمر حد عدم تمكن الحكومة في كيفية تدبيره الصندوق، وبذلك خرج من دائرة سيطرتها.

قالوا عن صندوق المقاصة


لقد قيل وما زال يقال الكثير عن صندوق المقاصة وتدبيره ومستقبله الغامض إلى حد الآن.


نزار بركة: الطبقة الميسورة تستفيد بشكل أكبر من الدعم


نزار بركة من الوزراء الذين تكلموا كثيرا ومرات متكررة عن صندوق المقاصة . فقد أكد أن قيام الدولة بضخ 15 مليار درهم كإضافة في ميزانية صندوق المقاصة برسم السنة الجارية يوضح عزم استمرار الجكومة في دعم القدرة الشرائية والاستهلاكية للعائلات ذات الدخل المحدود، رغم إن إصلاح هذا الصندوق تم إرجاؤه المرة تلو الأخرى. كما سبق أن قال ، في برنامج "حوار" الذي تبثه القناة التلفزية الأولى، إن النظام الحالي لصندوق المقاصة يشكو من عدة اختلالات, موضحا أن الطبقة الميسورة تستفيد بشكل أكبر من الدعم الذي يقدمه هذا الصندوق مقارنة بالطبقة الفقيرة وهو ما يظهر بجلاء في قطاع يستفيد من الدعم هو قطاع الطاقة. وأضاف أن إصلاح هذا النظام الذي يهدف إلى الارتقاء الاجتماعي ومحاربة الفقر، يقوم بالأساس على جعل صندوق المقاصة يأخذ بعين الاعتبار التفاوتات الطبقية، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في تركيبة الأسعار وتقوية المراقبة وإعادة النظر في النصوص القانونية ووضع نظام معلوماتي لتسهيل تقاطع المعلومات.


عبد العالي بنعمور: الرهان هو اعتماد الآليات الناجعة


ويرى عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، أن الرهان هو اعتماد الآليات الناجعة التي من شأنها إيصال الدعم إلى المستهدفين. ويقرّ أنه من الوجهة التشريعية يجب اعتماد منظومة مغايرة قبل متم 2014.
وقد سبق لعبد العالي بنعمور أن قال في إحدى تصريحاته إن المجلس تدارس موضوع إصلاح صندوق المقاصة وإمكانية إلغائه، وهذا ما استغرب له أعضاء في مجلس المنافسة.
وأبلغت مصادر أن أعضاء المجلس لم يتطرقوا إلى صندوق المقاصة، سواء في اتجاه إلغائه أو الإبقاء عليه، لأن الدورة لم تدرج قط هذا الموضوع في جدول أعمالها لأنه لا يدخل ضمن اختصاصات مجلس المنافسة. كما استغربت ذات المصادر تعمد بنعمور عدم الحديث عن مصير 10 دراسات سبق أن أطلقها المجلس منذ سنة 2009 والتزم بإنجازها في غضون ستة أشهر، دون أن يقدم إلى باقي الأعضاء أسباب وجيهة ومقنعة لتعثرها وعدم إنجازها في الآجال المحددة.
ويشار إلى أن هذه الدراسات كلفت ميزانية الدولة أكثر من 50 مليون درهم، ولم يتم إطلاع أعضاء المجلس على شروطها المرجعية قبل منحها لمكاتب الدراسات المحظوظة، وتهم بالخصوص دراسة شروط المنافسة الشريفة والشفافية في قطاعات إنتاجية حساسة وحيوية . كما أضافت تلك المصادر، أن مجلس المنافسة، منذ تفعيله في السنوات الأخيرة، يثير جدلا حول جدوى العمل الذي يضطلع به للحد من لوبيات الاقتصاد والريع والامتيازات التي تتحالف مصالحها على حساب القدرة الشرائية للمغاربة. وقد ذهب بعض الأعضاء إلى القول إن تلك الوبيات غير راضية على التدابير التي اتخذتها الدولة مؤخرا لصالح دعم المواد الأساسية بـ 15 مليار درهم إضافية ومنع تصدير مادة السكر دون استرجاع كلفة الدعم لفائدة صندوق المقاصة.


مصطفى الرميد: الأهم أن يصل الدعم لمن يستحقونه


يرى مصطفى الرميد، رئيس لجنة العدل وحقوق الإنسان بالبرلمان، أن الحكومات المتعاقبة أثارت كلها ، دون استثناء، قضية إصلاح صندوق المقاصة دون القيام بما يلزم القيام به، لكن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح هذا الإصلاح ضروري وحيوي ولا مندوحة عنه. إلا أن الحكومة الحالية سارت هي كذلك على درب إرداء هذا الأمر إلى موعد لاحق غير معلوم. ويظل الأهم هو أن يصل الدعم لمن يستحقونه فعلا وليس العكس.

نجيب أقصبي: تعاملت الحكومات المتعاقبة مع المشكلة مثل جمرة


سبق للخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي، أن أكد أن موضوع لإصلاح صندوق المقاصة، موضوع نقاش قديم، انطلق منذ ما يناهز أربعة عقود، كما برز من جديد وبقوة خلال الاحتجاجات الاجتماعية لبداية الثمانينات، وها هو الآن يبرز مرة أخرى لكن بقوة أكثر إلحاحية من السابق.
لقد أقرّ نجيب أقصبي مرارا لأن الخطابات التي ارتبطت بصندوق المقاصة ظلت تتغير، لكن الواقع لم يتغير، لكن يبدو أن الإرادة السياسية معالجة المشكل في جوهره مازالت لم تتوفر بعد، إذ أن الحكومات المتعاقبة منذ بداية الثمانينات، تعاملت مع المشكلة مثل جمرة، كل واحدة من تلك الحكومات ترمي بها إلى الأخرى، وكل واحدة منها تزعم أنها ستحل المشكل، لكنها ما تلبث أن تصرف نظرها عن ذلك. آنذاك ساد التوجه النيوليبرالي، الذي يعتبر أن السوق يعلو لا يعلى عليه، واكتشف المسؤولون المغاربة فكرة جهنمية، مؤداها أن المشكل لا يتعلق بالاكتفاء الذاتي أو الأمن الغذائي عبر إنتاج ما تحتاجه البلاد من غذاء، إذ شاعت فكرة مفادها أنه يكفي التوفر على العملة الصعبة كي نشتري ما نحتاجه من غذاء من السوق الدولية. ووجد هذا التوجه مبرراته في انخفاض الأسعار في السوق الدولية، غير أن القائلين به أغفلوا الدراسات والتحليلات التي كانت تؤكد أن العوامل الهيكلية سائرة نحو ارتفاع الأسعار على الصعيد الدولي، لكن لا حياة لمن تنادي. وكان الخطاب العمومي الذي يتحدث عن إمكانيات توفير الغذاء من السوق الدولية يتجاهل أن العلاقات الدولية تحكمها العوامل السياسية، إذ يمكن للدول العظمى أن تستعمل الفيتو ضد تزويد البلدان بما تحتاجه من السوق الدولية (استعمال سلاح الغداء) وإن توفرت لديها العملة الصعبة، ورغم التحذيرات الكثيرة والدعوة إلى ضمان حد أدنى من السيادة الغذائية، أي ضرورة التحكم في الإنتاج بطريقة إرادية على الصعيد الوطني، بما يسمح بتحقيق نوع من المناعة إزاء تقلبات السوق الدولية، لكن، للأسف، بقيت دار لقمان على حالها، رغم تعدد الدراسات والندوات والتوصيات، بحيث لم يفكر أصحاب القرار في بلورة أي إستراتيجية فلاحية أو أي رؤية حول الدور الذي يفترض أن يلعبه العالم القروي، بل جرى التمادي في الاستيراد، خاصة و أن الدولة ظلت تستفيد من هذا الوضع، إذ عندما يعاني الفلاح من الجفاف تنتعش خزينة الدولة، لأنها تستورد القمح بثمن بخس وتستخلص حقوق الجمرك حتى ترفعه إلى مستوى الأسعار الداخلية التي كانت مرتفعة. وهذه الرؤية تتعامل مع قضايا مصيرية بمنطق حسابي فرضت على الدولة هذا التوجه الذي يخول لها منح دعم يجري تعويضه بالأرباح التي تجنيها الخزينة من الاستيراد.و هي رؤية لا تمت بصلة مع النظرة الشمولية التي تتعاطى مع المدى البعيد.
وقد استرسل نجيب أقصبي موضحا ... جرى تصريف العديد من البدائل في الجدال والنقاش منذ الثمانينات ، حيث تم الحديث عن بطاقات الدعم تخول لحاملها الشراء من محلات خاصة وكانت ثمة مجهودات رامت اللعب على جودة المنتوج، عبر خلط القمح الطري بالشعير.. وهذا ما سيؤدي إلى تخفيض التكلفة التي ستنعكس على السعر النهائي. وطرحت كذلك فكرة الانخراط في أوراش توفر الشغل للأشخاص المحتاجين، غير أنه تبين أن نظام البطاقات كان يتطلب بيروقراطية ثقيلة جدا و أجهزة وآليات خاصة، بغض النظر عن التجاوزات التي يمكن أن تلازمه. وظهر آنذاك أن خيار توفير مصدر دخل عبر الأشغال العمومية، يمكن أن يضمن دخلا في فترة معينة، لكنه لن يؤمن إمكانية عيش مستمرة، وبالتالي لا يحل المشكل بصفة دائمة. سيما وأن هناك مليون أسرة فقيرة، أي خمسة ملايين فرد، لكن لا يوجد الفقراء وحدهم، فهناك المغاربة الذين يوجدون في وضعية هشة، أي المرشحون للالتحاق بالفقراء في أية لحظة، وهم سيتضررون بمعية جزء من الطبقة المتوسطة من إلغاء الدعم.
ويرى نجيب أقصبي أن ثمة سبيلين فقط للتعاطي مع دعم صندوق المقاصة عند التصدي لإصلاحه، إذ يمكن مواصلة العمل بالنظام الحالي بعد تطهيره وكسر الاحتكار والقضاء على الريع ، ويمكن تفكيك الصندوق واللجوء إلى منح دعم مباشر للفقراء، يحسنون به دخولهم. لكن من هي الجهة التي ستتولى هذه العملية ؟ هذا هو السؤال.
نجيب بنعمور: الدعم يستفيد منه الأغنياء أكثر
سبق لنجيب بنعمور، مدير صندوق المقاصة ، أن أبرز منذ مدة أن صندوق المقاصة كان يتمتع بوضعية مالية مريحة، ضمنت له، رغم تعدد تدخلاته وتشعبها، عدم الارتهان لميزانية الدولة، لكن مصاعب الصندوق بدأت تظهر عندما بدأت السلطات العمومية في اقتطاع الضريبة الداخلية على الاستهلاك ليحرم من عائدات مهمة، حيث بدا بجلاء، أنه كلما ارتفعت الأسعار في السوق الدولية، ازدادت تحملات الصندوق، رغم إقرار حقيقة الأسعار بالنسبة إلى العديد من المنتوجات ذات الاستهلاك الواسع التي كان يدعمها. كما سبق لنجيب بنعمور أن أكد وأقرّ على أن الدعم يستفيد منه الأغنياء أكثر، وهذا ما يدفع، في ظل المستوى الذي وصل إليه التدخل المالي للصندوق، إلى التفكير في ضرورة التعجيل بإصلاحه بما يسمح بتوجيه الدعم إلى مستحقيه. لكن في انتظار اتخاذ السلطات العمومية للقرار الذي تراه مناسبا، ظل نجيب بنعمور يشدّد على أن الحكومة ليست لديها الإرادة بعد لإقراربالإصلاحات التي أضحى يستوجبها صندوق المقاصة.

عبدالهادي الخياري: صندوق المقاصة لم يضطلع بالمهمة التي أحدث من أجلها


يرى عبد الهادي الخياري، عضو المكتب السياسي لجزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن الميسورين هم أكبر المستفيدين من صندوق المقاصة منذ إحداثه، وبذلك لم يضطلع بالمهمة التي أحدث من أجلها. لذا أضحى من الضروري إصلاح هذا الصندوق لجعل أكبر المستفيدين منه هم الشرائح المهمشة والأكثر فقرا واحتياجا. وفي هذا النطاق يؤكد عبد الهادي الخياري أن حزب الاتحاد الاشتراكي اقترح اعتماد المعونات المباشرة للأسر المحتاجة بتسليمها قدرا من المال.

عبد الحميد المرنيسي


في حين سبق للبرلماني عبد الحميد المرنيسي أن قال على المغاربة أن يتوقعوا عدم توفر الأموال لصندوق المقاصة خلال السنوات القادمة. وأضاف أنه يجب على المغاربة أن يفهموا أنه لا يمكن حلب هذه المؤسسة بشكل غير نهائي للحصول على المال. نحن نعرف جيدا من المستفيد، لكن كيفية حل المشكلة أمر آخر. ويتطلب تفكيرا جديا.

"خوسيه لوبيز كاليككس" كبير خبراء البنك الدولي للمغرب والجزائر
التكلفة النهائية قد تصل إلى 30 مليار درهم أو 35 مليار درهم

سبق لـ "خوسيه لوبيز كاليككس"، كبير خبراء البنك الدولي للمغرب والجزائر، في تصريح لـوكالة "رويترز" ، أن الميزانية التي رصدها المغرب للدعم ستنفذ في يونيو أو يوليوز، مما عزز الاعتقاد بأن التكلفة النهائية قد تصل إلى 30 مليار درهم أو 35 مليار درهم. وأضاف كاليكس أن المغرب ينفق على دعم السلع، عبر صندوق المقاصة، أكثر مما ينفق على الاستثمار في الصحة أو الطرق، مشيرا إلى أن المغرب سيجتهد من أجل الإبقاء على الدعم الحالي، دون السماح لعجز الميزانية بتجاوز الحد المستهدف المحدد في 3.5 في المائة.

 





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات