مواضيع اليوم

صندوق الحسن الثاني للتمنية الاقتصادية والاجتماعية

إدريس ولد القابلة

2009-10-05 15:27:29

0

Avril 2004

دولة في قلب دولة بين النشأة والمآل

نصادفه في مختلف المشاريع الضخمة التي انطلقت منذ سنة 2000.. بدونه لم يكن ليكتب لميناء طنجة المتوسطي أن يتحقق.. ولولا تدخلاته لما أنجزت مجموعة من الطرق والملاعب الرياضية.. يضطلع بدور تفعيل آليات التنمية المعطلة منذ سنوات.. يلعب كذلك دورا مهما في المجال الاجتماعي والثقافي.. لكن في الوقت الذي تتوسع فيه دوائر تدخلاته وتعدد مهامه، قلت وموارده وتقلصت بفعل انحدار موارد الخوصصة خلال السنوات الأخيرة.


إنه صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الفاعل الأساسي في مجالات دعم الاستثمار وتمويل التجهيزات الضخمة والبنيات التحتية والمشاريع الاجتماعية والثقافية.. يدعم ويقرض ويساهم في رأسمال جملة من الشركات ويشجع استثمار الأموال الأجنبية بالمغرب ويحفزها على اختيار بلادنا في ظل منافسة قاسية لا ترحم.


مثل والده الراحل الحسن الثاني، حرص الملك محمد السادس، على تفعيل دور مؤسسات تابعة مباشرة للبلاط، تهتم بمجموعة من القطاعات والملفات الاقتصادية والمالية الحيوية، مع اختلاف بيّن بين الملكين، الأب والابن.
فإذا كان الراحل الحسن الثاني اهتم بالأساس بالحياة السياسية، فإن ابنه، الملك محمد السادس، انحاز بوضوح إلى إعطاء الأولوية للمجال الاقتصادي، لذلك برز أكثر في عهده، دور بعض الصناديق التي أضحت تشكل دولة في قلب دولة، ومنها صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. فكيف نشأ هذا الأخير وإلى أين يسير؟

 

النشأة والمهام والأهداف؟

يعتبر صندوق الحسن الثاني من الحسابات الخصوصية، ويرى فيه الكثيرون الدرع المالي لسياسات التنمية الاقتصادية. أحدث بظهير وشرع في عمله بمقتضى مرسوم صدر بتاريخ 12 مارس 2002، المتعلق بتطبيق القانون المحدث له، وهو مؤسسة عمومية تحظى بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، مقرها بالرباط، تعمل تحت وصاية الدولة كما يقر بذلك فحوى النص الذي أنشأه.


حدد الملك الراحل الحسن الثاني، مهام هذا الصندوق في آخر خطاب له سنة 1999، إلا أنه برز نزاع بين اختصاصاته واختصاصات وزارة المالية والبنك المركزي وباقي السلطات الجهوية، ولم يحسم إلا سنة 2001 بالمصادقة النهائية على النص المحدث للصندوق.
فمنذ إحداثه تحول إلى أداة قوية لدعم الاستثمار الخاص ببلادنا. ويرى عبد الواحد القباج، رئيس صندوق الحسن الثاني، أن على هذا الأخير أن يحافظ على الاعتناء بالمهمة التي أحدث من أجلها دون انحراف، أي الاهتمام بتأهيل نسيج البنيات التحتية والتجهيزات الكبرى اللازمة لتحسين قدرة بلادنا التنافسية وتحمل جزء من عبء دعم الاستثمار الصناعي الخاص، المنتج للثروات المضافة ولفرص الشغل وتحسين الأوضاع الاجتماعية للساكنة عبر تمويل مشاريع سكنية واجتماعية وثقافية.


يقوم صندوق الحسن الثاني باستثمارات بموازاة مع تدخلات الحكومة، الاقتصادية والاجتماعية، عبر مشاريع ضخمة وأوراش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومنذ انطلاقته ضخ أكثر من 30 مليار درهم في الدورة الاقتصادية، أي ما يعادل 9 بالمائة من الميزانية العامة لسنة 2009.
لقد خلق صندوق الحسن الثاني أساسا للاهتمام بالاستثمار في قطاعات محددة، كالنسيج والجلد، السيارات، الصناعات الالكترونية والأنشطة الصناعية المهتمة بالمحافظة على البيئة. ويوفر الصندوق 50 بالمائة من مصاريف تجهيز الأراضي و30 بالمائة من كلفة بناء الوحدات و100 بالمائة من ثمن الأرض، إذا كان طلب الدعم مرتبطا باقتناء الوعاء العقاري.


كما يتدخل الصندوق، بطريقة غير مباشرة، عبر وضع محلات جاهزة لاحتضان المشروع تحت تصرف المستثمر.
يرى أحد أطر وزارة المالية أن دور بعض الصناديق الخاصة، وعلى رأسها صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، قصور و ـ أحيانا ـ فشل الحكومة في مجموعة من المهام الموكولة لها قبل غيرها، علما أن تلك الصناديق يتحكم فيها البلاط ومستشاروه، وأن المشاريع الضخمة والورشات الكبرى التي احتضنتها بلادنا منذ سنة 2000، كانت كلها مبادرات ملكية، مما حجب كليا دور الحكومة، وقد قيل أكثر من مرة، لولا تدخل صندوق الحسن الثاني لما تمكنت من إنجاز مشاريع ضخمة معول عليها لتفعيل آليات التنمية وتحريكها.


ويضيف إطار وزارة المالية، أن الهدف الأصلي من الإقرار بالحسابات الخصوصية هو التخفيف من المصاريف بالمغرب وتسهيل تحقيق النتائج، إلا أن الحسابات الخصوصية في المغرب غالبا ما كانت تساهم في هذر المال العام، لاسيما وأن بعضها لا يخضع للرقابة المالية المفترضة.

 

صندوق الحسن الثاني مدعم ومنقذ

علاوة على مشروع ميناء طنجة المتوسطي، تدخل صندوق الحسن الثاني في بناء المعهد الملكي الأمازيغي ومقر الخزانة الوطنية وإنجاز 1800 كلم من الطرق السيارة، كما ساهم بـ 4.6 مليار درهم في المشاريع الطرقية، وساهم في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بـ 100 مليون درهم وفي إعادة بناء مدينة الحسيمة بعد الزلزال.


وإذا لم يكن صندوق الحسن الثاني مساهما مهما في مشروع ما، فإنه لا يتأخر في دعم الدولة لإنقاذها من الفشل، وهناك أكثر من مثال يوضح هذا المنحى.
إن مشروع تهيئة واد أبي رقراق تطلب 5.3 مليار درهم، ساهم فيها الصندوق بلميار درهم فقط، إلى جانب المجموعة الإماراتية "سما دبي"، هذا بخصوص الشطر الأول، ومن المنتظر الاستنجاد بالصندوق مع بداية إنجاز الشطر الثاني حسب مصدر عليم.
المثال الثاني متعلق بمشروع خط السكة الحديدية الرابط بين تاوريرت والناظور، إذ ساهم الصندوق بـ 900 مليون درهما (أي ما يعادل 30 بالمائة من الكلفة الإجمالية) وستتحول مساهمة الصندوق في المكتب الوطني للسكك الحديدية بعد تحويله إلى شركة مجهولة الاسم.
وشارك الصندوق أيضا في مشاريع ملاعب مراكش وطنجة وأكادير والتي تمت برمجتها في إطار الاستعداد لاحتضان كأس العالم لكرة القدم سنة 2010، وتمت الإقرار بإنجازها رغم فشل بلادنا في احتضان البطولة الكروية، إذ ساهم الصندوق في البداية بـ 350 مليون درهما، غير أن الصعوبات التي صادفها المشروع، بعد إضافة ملعب سيدي مومن بالدار البيضاء آنذاك، ارتفعت مساهمة صندوق الحسن الثاني إلى 1.35 مليار درهم.
وبلغت مساهمة الصندوق 50 بالمائة في كلفة إنجاز طنجة المتوسطي (3 ملايير درهم) لضمان استمرار الوكالة الخاصة بالميناء المذكور تحت مراقبة الدولة. وفي سنة 2003 ضخ الصندوق في خزينة الوكالة ملياري درهم كدعم لتحقيق البنيات التحتية المرفئية، وفي يونيو أضاف 750 مليون درهم عن طريق المساهمة، هذا علاوة على إيداع 650 مليون في الحساب الجاري المشترك للوكالة الخاصة لميناء طنجة، والتي يملك الصندوق 91.7 بالمائة من رأسمالها. في حين لم يتجاوز نصيب الدولة 67 مليون درهم، أي ما يمثل 8.2 بالمائة فقط، أما مساهمة صندوق الإيداع والتدبير فلا تتعدى 0.1 بالمائة.
يعتبر دور الصندوق جوهريا في قطاع التجهيزات الأساسية والبنيات التحتية، ولم تكن الطرق السيارة الرابطة بين البيضاء ومراكش وتطوان ـ الفنيدق ومراكش ـ أكادير وفاس ـ وجدة، لترى النور لولا تدخله.
لم يتحمل الصندوق الكلفة كاملة وإنما ساهم فيها بدعم مهم لشركة الطرق السيارة، وكان دعمه هذا بمثابة ضمانة شجعت من جهة تسهيل استفادة الشركة المذكورة من قروض مهمة، ستمكن بلادنا من الاستفادة من 1417 كلم من الطرق السيارة مع حلول 2012، وذلك بمعدل إنجاز 150 كلم سنويا.
وقد تدخل الصندوق عن طريق المساهمة في رأسمال الشركة، إذ ضخ فيها أموالا جديدة مكنتها من تسريع وتيرة الإنجاز، ويملك الصندوق حاليا نسبة 59.6 بالمائة من رأسمالها.
ومن مهام صندوق الحسن الثاني دعم الاستثمار، وهو يدعم أصحاب رؤوس الأموال أكثر مما يقرضهم أو يساهم في شركاتهم، فعلى امتداد 10 سنوات، صرف أكثر من 10 ملايير درهم لدعم الاستثمار.


منذ سنة 2000 لعب صندوق الحسن الثاني دورا ملحوظا في مهمة دعم الاستثمار الخاص، والذي حظي بما يناهز 595 مليون درهما لاقتناء الأراضي أو تشييد البنيات أو شراء المعدات. وقد مكن هذا التدخل من إنجاز 156 مشروعا بفضل استثمار فاق 8 ملايير درهم خلال 8 سنوات، سيما في مجال صناعة السيارات (أنشطة المناولة)، والإلكترونيك والنسيج.


وفي سنة 2008، خصص الصندوق 500 مليون درهما لدعم المزيد من الاستثمارات بالقطاعات المذكورة.
يساهم صندوق الحسن الثاني أيضا في رأسمال شركة الطرق السيارة بما قدره 66.6 بالمائة، وتم ذلك عن طريق رفع رأسمالها بـ 1.45 مليار درهم.
فقليلون هم الذين يعرفون أنه لولا تدخل الصندوق ومساهمته التي وصلت إلى 4.6 مليار درهم لما تم إنجاز مجموعة من الطرق السيارة، وهو يملك حاليا 59.6 بالمائة من رأسمال الشركة الوطنية للطرق السيارة.

التمويل والرقابة

يمول صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من أموال دافعي الضرائب (الشعب)، لكنه لا يخضع لمراقبة الحكومة، ولا لـ "نواب الشعب" على علة هذه التمثيلية. لقد ظل هذا الصندوق يعتمد على عائدات الخوصصة، فإلى حدود سنة 2005، استفاد من 19 مليار درهم. ووصلت موارد صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى 23 مليار درهم، مصدرها عائدات الخوصصة التي بلغت 32.8 مليار درهم، أي أنه استحوذ على 72.12 بالمائة من هذه المداخيل سنة 2007، في حين لم يصرف إلا 12.8 مليار درهم في الاستثمار، علما أن التزاماته بهذا الخصوص بلغت 17.9 مليار درهم.


أما بخصوص المراقبة فلم يسبق أن سمعنا أن صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خضع لمراقبة مالية، قبلية أو بعدية، منذ أن انطلق نشاطه في غضون سنة 2000.
يؤكد المحلل الاقتصادي، إدريس بنعلي، أن صندوق الحسن الثاني أحدث أصلا لاستثمار عائدات الخوصصة في مشاريع من شأنها خدمة التنمية الشاملة ببلادنا. وفعلا، استفاد الصندوق من حصة الأسد من "كعكعة" الخوصصة، إلا أنه ظل خارج دائرة المراقبة المالية، علما أن هذا الإجراء يعتبر من المهام الضرورية كلما تعلق الأمر بالمال العمومي.


ويضيف إدريس بنعلي، أن نظام المراقبة المالية ببلادنا، أضحت ضرورية لمعرفة وتقييم
طرق التدبير المعتمدة من خلال النتائج المحصل عليها بغية تحسين ما اعوج في نهج التسيير والإدارة، وكذلك تقويم نظام الحكامة المعتمدة. هذا، للتمكن من الرقي إلى مراقبة نوعية، مازالت عندنا في خبر كان، باعتبار أن المراقبة المالية المعتمدة حاليا، تبقى مقتصرة على مراقبة المواءمة دون اهتمامها بالفاعلية والجدوى.
ويرجع إدريس بنعلي محدودية جدوى نمط المراقبة المالية المعتمد إلى عدم تمتع مؤسسات المراقبة بسلطة تقريرية واقتصارها على دور استشاري، علاوة على أن هناك مؤسسات تتصرف في أموال عمومية مهمة، لكنها تقع خارج دائرة المراقبة، أو تخضع فقط لمراقبة شكلية، تصادق وتصفق أكثر مما تتقصى وتبحث لتقف على موضوع الخلل.
علما أن إدريس بنعلي سبق له أن وضح، في أكثر من مناسبة، أن المؤسسات التي تضطلع بمهمة الرقابة لا تتمتع بأي سلطة تقريرية، وأن السبب الرئيسي لتعثرها في القيام بالمهام المنوطة بها يتمثل في أننا أحدثنا مؤسسات للمراقبة، لكن أفرغناها من محتواها فأضحت مجرد ديكور ليس إلا.

 

حضور القصر بقوة.. الحال والمآل

منذ شروعه في العمل سنة 2000، التزم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بصرف ما يناهز 21 مليار درهم، أي ما يعادل أكثر من 9 بالمائة من الميزانية العمومية المقررة برسم سنة 2009. وفعلا تم صرف، 75 بالمائة من المبلغ المذكور إلى حدود نهاية سنة 2008.
لكن تقلصت موارد صندوق الحسن الثاني المالية بفعل جفاف منبعه الأساسي : الخوصصة، وحسب مجموعة من المحللين الماليين، إن لم تظهر مصادر أخرى للتمويل، فلن يتمكن الصندوق من الاستمرار أكثر من 8 سنوات على أكبر تقدير.


من الأكيد أن هذا الصندوق لعب دورا مركزيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، لكن هل سيظل وحده يضطلع بمختلف المهام التي تكلف بها إلى حد الآن؟ وإلى متى سيبقى صندوق الحسن الثاني يغطي ضعف الوزارات المختلفة في الاضطلاع بالدور المنوط بها، رغم أن صندوق الحسن الثاني يضخ في ميزانيات مشاريعها أموالا طائلة لتمكينها من التحقق؟
تتأكد أهمية هذا التساؤل، أكثر بفعل منحى انخفاض موارد الصندوق، إذ أن نصف عائدات الخوصصة، التي آلت إليه، تُصرف دون أن تخلق مدخولا لتغذية ميزانيته.
لقد استفاد الصندوق من 38.8 مليار درهم، صرف منها إلى حد الآن 20.8 مليار درهم، وبقيت بحوزته 18 مليار درهم، واعتبارا لأنشطته السابقة يتبين أنه وظف في المعدل 2.3 مليار درهم في السنة، وبذلك لم يبق أمامه إلا 8 سنوات أخرى إذا لم تضخ أموال إضافية في خزينته، علما أن 45 بالمائة من الأموال الموظفة صرفت على شكل دعم وليس استثمارا منتجا لثروة مضافة، و29 بالمائة كمساهمات في الرأسمال، و26 بالمائة المتبقية خصصت لقروض طويلة المدى.
إذن لا مناص من البحث عن مصادر تمويل أخرى في انتظار برامج للخوصصة. سيما وأن استمرار وجود صندوق الحسن الثاني أضحى رهينا بعرض المزيد من ممتلكات الشعب للبيع في المزاد العلني، هذا في وقت بدأت فيه أكبر الدول الليبرالية وأعتقها في هذا المضمار، منذ مدة، تعود إلى نهج تدخل الدولة في القطاعات الحيوية.


لقد أصبحت عندنا قاعدة مؤكدة، فكلما احتاجت الدولة إلى المال، عرضت ممتلكات الشعب للبيع. وفي هذا الصدد، لا زال المحلل الاقتصادي، إدريس بنعلي يستغرب لجوء الدولة إلى التخلص مما تبقى من مؤسسات عمومية منتجة، رغم أنها وحدات حيوية واستراتيجية، كحل سهل المنال دون اعتبار انعكاسات هذا التصرف على المستقبل المنظور. علما أن عائدات الخوصصة تبخرت في معظمها ولم يعد يظهر لها أثر إلا عبر ما يقوم به صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لقد ذرت الخوصصة عموما ما يناهز 95 مليار درهم، أغلبها ذهب سدى، والمتبقي منه لا تتحكم فيه الحكومة ولا البرلمان. ويبدو أن صندوق الحسن الثاني مازال مكتوبا عليه الاستمرار، ما دام أن الدولة في جعبتها ما يمكن عرضه للبيع بالمزاد العلني لضخ الأموال في خزائنه، علما أن القطاع العام مازال يضم حتى الآن ما يناهز 425 شركة قابلة للخوصصة، وبذلك ستظل معينا تغترف منه الدولة دون الأخذ بعين الاعتبار موقف الشعب بهذا الخصوص.


ما زال صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يشكل أداة من أدوات القصر لإعادة هيكلة البيئة الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. وكانت البداية بتكثيف الاستثمار وتحقيق بعض الخطوات على هذا الدرب، إذ عرفت بلادنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة تطورا ملحوظا بهذا الخصوص، حيث فاق معدل الاستثمار 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل حوالي 25 بالمائة فيما بين 2000 و2002، في انتظار تحقيق نسبة 32 بالمائة خلال هذه السنة.


وساهم صندوق الحسن الثاني في بروز اهتمام الملك بالشأن الاقتصادي أكثر من اهتمامه بالشأن السياسي، وهذا المنحى حجب الحكومة، خصوصا في المشاريع الضخمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن فكرة وتصميم مشروع ميناء طنجة المتوسط بلورا في سرية تامة بالديوان الملكي مع إشراك كريم غلاب.


ألم يعد يقال الآن بأن الملك هو المقاول الأول والمصرفي الأول بالبلاد، يتابع عن قرب مسار الخوصصة والمشروع الأزرق؟ إن الملك أضحى فاعلا اقتصاديا كما أن دور المؤسسة الملكية، في مجال تفعيل التنمية والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية، تكرس اليوم بقوة أكثر من أي وقت مضى.

الرقابة المالية بالمغرب

عموما مازالت الرقابة المالية البعدية بالمغرب، تعيش نقصا ببلادنا، الشيء الذي يجعلها بلا فائدة في أغلب الأحيان، علما أنه حسب التقارير والخطب الرسمية يستفاد أن الرقابة المالية ظلت قائمة منذ 50 سنة.
وحسب أحد الأطر السامية بالمفتشية العامة لوزارة المالية، مرت الرقابة المالية ببلادنا بأربع مراحل منذ سنة 1960، إذ كانت البداية بإحداث اللجنة الوطنية للحسابات التي اضطلعت بمهمة التأكد من قانونية وشرعية العمليات المتضمنة في الحسابات، وكان يقوم بهذه المهمة وقتئذ رئيس معين من طرف الملك ومفتشون تابعون لوزارة المالية، وكانت هذه اللجنة مطالبة بتقديم تقرير عن تنفيذ قانون المالية، إلا أن هذه المراقبة ظلت محدودة جدا، رغم أنها لم تكن تتجاوز حدود مراقبة محاسبية عادية لا تخرج عن طبيعة المراقبة الإدارية المحضة.


وفي سنة 1979 أحدث المجلس الأعلى للحسابات وأريد منه أن يكون أساسا، جهازا قضائيا مكلفا بتأمين المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية والتأكد من قانونية مختلف العمليات المالية ذات العلاقة بالمالية العامة (أموال الشعب). وظل المجلس الأعلى للحسابات على هذه الحال، يرفع تقاريره كل سنة إلى الملك، متضمنا بيانا لمجموع أنشطته إلى حدود 1996. وفي هذه السنة ارتقى المجلس المذكور إلى مرتبة مؤسسة دستورية كما أكد على ذلك مضمون الدستور المعتمد منذ 13 شتنبر 1996، وذلك لتمكين المجلس الأعلى للحسابات من لعب دوره كاملا كمؤسسة عليا للرقابة بمقتضى فحوى الفصل العاشر الذي يلزم هذه المؤسسة الدستورية بتولي ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية. علما أن دستور 1996 سعى إلى تكريس إطار سياسة اللامركزية واللاتركيز الإداري بغية تحسين تدبر الجماعات المحلية، وذلك بالتنصيص على إحداث المجالس الجهوية للحسابات، المكلفة بمراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيآتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.


إلا أنه من الملاحظ أن هذا المجلس لم يسبق له أن اهتم بمراقبة بعض الصناديق ومنها صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية رغم أن تمويله الأساسي مصدره المال العام (عائدات الخوصصة وموارد عمومية أخرى)، ولحد الآن ما زالت هذه الصناديق خارج دائرة مراقبة المجلس الأعلى للحسابات، ولم يسبق أن تأكد أنه اضطلع بمهمته بخصوصها.


لقد رصد قضاة المجلس الأعلى للحسابات ما بين سنوات 2003 و2008 مختلف حسابات المؤسسات العمومية، وصدرت آلاف الصفحات، إلا أنه من الصعب ورود معطيات خاصة ببعض الصناديق، من قبيل صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بنفس الدقة والمتابعة والجرأة في استخلاص النتائج كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الأخرى موضوع التمحيص. فأهم المعطيات الخاصة بهذه الصناديق توجد في التقارير التي يعدها القيّمون عليها دون سواهم، ويتم الإقرار بها جملة وتفصيلا، وتحظى بالمصادقة دون تمحيص كما يتم بالنسبة للمؤسسات العمومية الأخرى.


ويخلص الإطار السامي بوزارة المالية إلى القول، إن مصيبتنا تكمن في غياب ممارسة فعلية لمؤسسات رقابية وتشريعية وحكومية وقضائية، رغم أن هذه الأخيرة تستنزف أموالا مهمة لتمويل حملاتها وأبحاثها واستقصائها وتنقلاتها.

 

الحسابات الخصوصية

يعتبر صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أحد الحسابات الخصوصية المهمة والأكثر حيوية حاليا ببلادنا، إلى جانب صناديق أخرى، كصناديق الحسن الثاني ومحمد الخامس ومحمد السادس، إلا أن هذه الصناديق ليست هي الحسابات الخصوصية الوحيدة التي تنشط بالمغرب وتضطلع بمهمة خاصة.


إذ كما سبق الذكر يبلغ عدد الحسابات الخصوصية برسم قانون المالية 2009 أكثر من 80 حسابا خصوصيا، فاقت مواردها 52 مليار درهم بزيادة، نسبتها 25 بالمائة مقارنة مع ميزانية 2008.
وآخر حساب خصوصي تم إحداثه مؤخرا، هو الصندوق الخاص للتصدي لتداعيات الفيضانات الأخيرة التي شهدتها بلادنا.
ومن أهم هذه الحسابات الخصوصية، تلك القريبة من البلاط، بشكل أو بآخر، سيما صندوق الحسن الثاني للتمنية الاقتصادية والاجتماعية وصندوق مؤسسة محمد الخامس المكلف بالمشاريع الاجتماعية.
خارج الصناديق الملكية، هناك العديد من الحسابات الخصوصية التابعة لهذه الوزارة أو تلك، إلا أن وزارة الداخلية تحظى بالرتبة الأولى بين الوزارات، من حيث الموارد المخصصة لحساباتها الخصوصية، حيث تستحوذ على 40 بالمائة من الموارد الإجمالية المخصصة لتلك الحسابات، والتي لا تتجاوز العشرة (10)، علما أن وزارة المالية هي التي تتوفر على أكبر عدد من الحسابات الخصوصية (أكثر من 30 حسابا).
فمنذ سنة 2002، تبين أن الدولة أصبحت تعتمد على الحسابات الخصوصية لتفعيل سياستها التنموية في مختلفة القطاعات.
إن الحسابات الخصوصية تخص كل القطاعات وتستفيد من ملايير الدراهم، ورغم ذلك مازال يلفها غموض سميك، إذ يرى أغلب المحللين الاقتصاديين والماليين، أنها بقيت مطبوعة بغياب الشفافية وأحيانا سوء التدبير رغم أن الخطاب الرسمي دأب على تقديم بعضها كإحدى رافعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


وتعتبر هذه الحسابات ميزانيات خاصة ضمن الميزانية العامة لكنها تختلف عنها بليونة إدارتها. وقد اكتسبت الحسابات الخصوصية أهمية كبرى في عهد الملك محمد السادس، إذ تجاوز عددها سنة 2002، 130 حسابا وانخفض إلى 75 سنة 2008، ليقفز من جديد إلى 81 سنة 2009.
لكن رغم أن عددا من هذه الحسابات تقلص إلا أن مواردها المالية لم تتوقف عن التصاعد، وغالبا ما يتم تخصيص منابع محددة لتمويلها، فمثلا تخصص الرسوم المطبقة على الاسمنت لتمويل الحساب الخاص بالسكن والرسوم المطبقة على الرهان (طوطوفوت، لوطو...) للحساب الخاص لدعم الرياضة، والرسوم المطبقة على مبيعات التبغ والسجائر للحسابات المرتبطة بالمساعدات الاجتماعية، كما أن حسابات خصوصية يغترف تمويلها من الميزانية العامة أو بمعونات من الدول الشقيقة والصديقة، كما هو الشأن بخصوص صندوق الطاقة المستفيد من هبة سعودية ناهزت 10 ملايير درهم، وصندوق مواجهة الكوارث الطبيعية الممول من طرف ملك السعودية عبد الله.

توزيع التزامات صندوق الحسن الثاني حسب القطاعات بـ (ملايين الدراهم)

أـ البنيات الأساسية الكبرى :
أ1- الطرق والطرق السيارة والسكك الحديدية: 5849
أ2- الموانئ : 3830
أ3-الفلاحة : 578
أ4- مشاريع حضرية: 1715
أ5- الدراسات: 140

ب) دعم الاستثمار:
ب1- الصناعة : 1918
ب2- السياحة: 1211
ب3- الصناعات الالكترونية: 110
ب4- القطاع المالي : 551

ج) مشاريع اجتماعية وثقافية ورياضية
ج1- ملاعب رياضية : 1350
ج2- مشاريع اجتماعية: 2933
ج3- مشاريع ثقافية : 484
ج4- إنعاش الشغل: 194


التزامات صندوق الحسن الثاني حسب النوعية (بالنسبة المئوية)

- المساعدات : 45
- المساهمة في الرأسمال : 29
- تسبيقات وقروض : 26


ا
لحسابات الخصوصية

علاوة على الصناديق التابعة للبلاط، والتي لا تتحكم فيها الحكومة ولا تخضع إلى أي نوع من المراقبة، هناك العديد من الحسابات الخصوصية تابعة لبعض الوزارات أو موضوعة رهن إشارات هذه الجهة أو تلك، نذكر منها ما يلي، وقد أقرها قانون المالية لسنة 2009.


1. - حصة الجماعات المحلية من الضريبة على القيمة المضافة: 19 مليار درهم.
2. - الحساب الخاص بالجيش : 10.2 مليار درهم.
3. - صندوق التنمية الطاقية : 6.24 ملايير درهم.
4. - صندوق دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : 2.25 مليار درهم.
5. - الحساب الخاص بالطرقات : 2.15 مليار درهم.
6. - الحساب الخاص بدعم السكن : 1.5 مليار درهم.
7. - صندوق دعم المواد الأساسية (الدقيق) : مليار (1) درهم.
8. - الحساب الخاص باستبدال أملاك الدولة : مليار (1) درهم.
9. - صندوق دعم أسعار المواد الغذائية : مليار (1) درهم.
10. الصندوق الخاص بحصيلة حصص
الضرائب الموصدة للجهات: 724 مليون درهم.
11. - صندوق تضامن مؤسسات التأمين : 700 مليون درهم.
12. - الصندوق الوطني للتنمية الرياضية: 700 مليون درهم.
13. - تمويل نفقات التجهيز ومحاربة البطالة : 566.5 مليون درهم.
14. - صندوق التنمية البشرية : 566 مليون درهم.
15. - الصندوق الخاص بالصيدلة المركزية : 560 مليون درهم.
16. الصندوق الخاص بوضع وثائق
الهوية الالكترونية ووثائق السفر: 520 مليون درهم.
17. - صندوق التنمية الفلاحية: 500 مليون درهم.
18. صندوق تدبير المخاطر المتعلقة بالاقتراضات
غير المضمونة من طرف الدولة : 477 مليون درهم.
19. - الحساب الخاص بدعم النقل الحضري: 400 مليون درهم.
20. صندوق مواكبة إصلاحات النقل الطرقي
الحضري والربط بين المدن: 400 مليون درهم.
21. الصندوق الخاص لدعم المحاكم
ومؤسسات السجون : 350 مليون درهم.
22. - الصندوق الوطني الغابوي : 272 مليون درهم.
23. - صندوق النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني : 270 مليون درهم.
24. صندوق النهوض بتشغيل الشباب : 140 مليون درهم.
25. - الحساب الخاص بالاقتطاعات من الرهان المتبادل : 90 مليون درهم.
26. - صندوق التبغ لمنح المساعدات: 70 مليون درهم.
27. - الصندوق الوطني للعمل الثقافي : 20 مليون درهم.
28. - الحساب الخاص بالمساهمات في المؤسسات الأممية : 16.8 مليون درهم.
29. - الحساب الخاص بالصيد البحري : 14 مليون درهم.
30. - صندوق الدعم لفائدة الأمن الوطني : 10 ملايين درهم.
31. - صندوق تحديث الإدارة العمومية : 10 ملايين درهم.
32. - حساب العلاقات العامة (الداخلية): 500 ألف درهم.


بعض المحطات

2000: اعتمد صندوق الحسن الثاني 16 مليار درهم، لتنفيذ مجموعة من المشاريع التنموية.
2001: إنجاز 48 مشروعا بتكلفة 17 مليون درهم. وحقق الصندوق مداخيل ناهزت 1.3 مليار درهم، منها 68 مليون درهم محصلة من عائدات تفويت رخصة استغلال الهاتف النقال و6.1 مليون محطة من فتح رأسمال شركة "اتصالات المغرب" في وجه القطاع الخاص.
2005: استفاد صندوق الحسن الثاني مما قدره 10 مليارات درهم من عائدات الخوصصة رصدت لمشروع ميناء طنجة المتوسطي. وساهم في 111 مشروعا بقيمة 4.5 مليار درهم لخلق أكثر من 31 ألف فرصة شغل قار ودائم، 40 بالمائة منها بالدار البيضاء و25 بالمائة في طنجة.
2008: ساهم الصندوق في تمويل إنجاز مقر المعهد الملكي الأمازيغي والخزانة الوطنية بالرباط والبرنامج الطرقي (1800 كلم)، هذا علاوة على مشاركته في برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات