النجاح لا يحدث صدفة، بل هو نتاج عملية كيميائية دقيقة تتكون من عدة عناصر تتفاعل مع بعضها في ظروف موضوعية معينة فيتولد منها النجاح. بالطبع ما نتحدث عنه هنا هو النجاحات الحقيقية ذات الآثار الإيجابية الملموسة، النجاحات التي تمكث في الأرض، أما النجاحات المتوهمة الزائفة فهي زبد يذهب جفاء أو ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ النور 39
هذا ما يؤكد عليه «ستيفن كوفي» أحد أبرز علماء الإدارة في عالمنا المعاصر، مؤلف كتاب العادات السبع لذوي الفعالية الفائقة، حيث اكتشف من خلال أبحاثه ومطالعاته أن هناك عادات مشتركة يمارسها الأفراد الناجحون، وأن كل من يسعى للنجاح عليه أن يفعل الشيء ذاته، فالأمور لا تجري اعتباطا وإنما وفق سنن وقوانين من تمسك بها يصل وإن طال السرى.
المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي - ونحن نعيش ذكرى رحيله التاسعة - تحدث في كتابه «كفاحنا» وهو إحدى مذكراته، عن أسباب التوفيق له في إنجاز عدة مشاريع في الكويت بعد أشهر من إقامته هناك. وقبل أن نسردها، هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام، ذلك أن أصحاب الهمم العالية لا يرون فيما ينجزونه أمرا كبيرا، فهم كما قال المتنبي «وتصغر في عين العظيم العظائم»، أو كما أشار إليه الإمام زين العابدين في دعاء مكارم الأخلاق: واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي، واستكثار الشر وإن قل من قولي وفعلي.
فالسيد الشيرازي بعد أن يسرد عوامل التوفيق يقول: فهل بعد هذا كله يمكن أن يكون ما قمت به مورداً للعجب، أو الأحرى أن يتعجب المرء كيف يكون إنتاجي بهذه الضحالة، بينما أن تلك الأسباب ينبغي أن تأتي بنتائج كثيرة؟!
أما أسباب التوفيق فسنذكرها كما كتبها سماحته ولكن بتصرف يسير، آملين أن نتوقف عندها ونستفيد منها حتى نلحق بركب النجاح:
1: التركيز على التفكير في موضوع أو مواضيع.
2: الاستشارة الدائمة، في مختلف المواضيع والشؤون.
3: أخذ العبرة من كل شيء، فلا أدع شيئاً يمر إلا اعتبرت منه.
4: الاستطلاع الدائم على مختلف العلوم والأوضاع.
5: المطالعة الدائمة السريعة، وأحياناً ألتهم كتاباً ذا مائة صفحة في بعض ساعات.
6: الاهتمام بالوقت حتى لا أضيع ولو دقيقة.
7: الاتباع الدائم لأقصر الطرق إلى النتائج، وإليك مثلاً لذلك، فإني أسرع في الكتابة، حتى إن خطي كثيرا ما لا يقرأ إلا لمن عرف أسلوبي، وذلك لعدم إضاعة الوقت في حسن الخط، فالألف لا أجرّه، والحرف لا أتمّه، بل أكتب دائماً بالقلم الضعيف حتى لا يأخذ الخط مني إلا بمقدار الضرورة.
8: التحول من موضوع إلى موضوع، لئلا أملّ، فأهيئ دائماً عدة أمور أنتقل من هذا إلى ذاك، مثلاً أطالع حتى إذا مللت، أؤلف، حتى إذا مللت أذهب إلى مقابلة صديق، حتى إذا مللت أستشير في تأسيس موضوع، والغالب أن يكون أمامي عدة كتب للمطالعة، وعدة كتب للتأليف، وعدة مشاريع للإنجاز، أنتقل من هذا إلى ذاك، وهكذا.
9: قلة الاهتمام بالأمور الدنيوية، ولو قلت إني منذ خمسة عشر عاما لا أعلم إلى وقت الغداء ما هو غدائي؟ وإلى وقت العشاء ما هو عشائي؟ لم أكن بعيداً عن الواقع.
10: الإسراع في إنجاز بعض الأمور، مثلاً الأكل لا يأخذ مني في بعض الوجبات إلا عشر دقائق، وأحياناً أبلل الخبز حتى لا يحتاج إلى المضغ، أو آكل وأنا مشغول بالتأليف أو المطالعة،... إلى غير ذلك من الأمور.
11: من فضل الله سبحانه كثرة أصدقائي ومعاوني، فهم يعينوني في مهامي، وقد اعتدت عدم استفزاز أي صديق مهما كانت الظروف، ولذا فالأصدقاء يفتحون لي كل قلوبهم، ويساعدوني في كل مهمة.
12: وأخيراً، وإن كان ينبغي أن يعدّ أولاً لطف الله وفضله وحده وحده، «وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله»
التعليقات (0)