الفتن الطائفية والاجتماعية وما يرتبط بها من عنف وكوارث اجتماعية ومآسي شخصية تعد منتج سياسي ذو أهداف محددة لأنظمة سياسية تسعى إلى الحفاظ على بقائها ،عبر توجيه طاقات القهر والغضب الذي تخلقه السياسات المجحفة لها لدى مواطنيها نحو قنوات بديلة بدلا من توجيهها إلى المسببات الفعلية للغضب الشعبي ،عبر عملية إسقاط نفسي يقوم على إنشاء عدو وهمي تنشغل به الشعوب عن العدو الحقيقي الذي يمثل السبب الحقيقي لقهرها وتوجه نحوه قهرها وغضبها .
تصنع الأنظمة السياسية والمستفيدين من استمرارها وفسادها الفتنة في المجتمع عبر توظيف أدوات وسياسات تكون في الغالب غير معلنة بشكل صريح. احد تلك الأدوات التي ترتبط بشكل قوي بالفتنة والعنف الاجتماعي والطائفي التغييب المقصود للديمقراطية. التنوع العرقي في المجتمع الأمريكي والعديد من المجتمعات الديمقراطية الأخرى لا يقود إلى فتن وعنف طائفي بما يعزى إلى تبني النظام الديمقراطي، بينما تشهد المجتمعات العربية والمجتمع الأردني والتي تتصف بتجانس عرقي وثقافي ولغوي وحضاري كبير فتن تطل برأسها بين وقت وآخر وتقود إلى عنف اجتماعي يبعد الشعوب عن تحقيق تطلعاتها وتظهر الأنظمة وأدواتها الأمنية كوسيلة للسيطرة على الفتن والعنف الذي سببته سياساتها وبحيث يتم التركيز على تجليات الفتنة والعنف دون التركيز على مسبباتها الحقيقية.
كما تتضمن الأدوات السياسية لصنع الفتنة الطائفية والاجتماعية من قبل الحكومات والأنظمة التهميش المنهجي لفئات وطوائف من المجتمع وتوجيه موارد البلاد لمصلحة مجموعات محددة وفئات محددة وغالبا ما تتصف الأنظمة التي توظف هذه الأدوات باحتكار الموارد الوطنية من قبل مجموعة من الأشخاص الفاسدين وفئات محددة تسعى الأنظمة إلى اكتساب ولائها بحيث يقود ذلك إلى إنشاء واقع لا يتصف بالتكافؤ بين المواطنين من كافة أصولهم ومناطقهم ومما يقود بالتالي إلى الفتنة والعنف الاجتماعي والطائفي.
وأد الفتن يتطلب قرارا سياسيا يتضمن إزالة أية تشوهات في توزيع مكاسب التنمية وقرار سياسي بالسماح بكتابة التاريخ الحقيقي للفترات التي شهدت ذروة الفتن والعنف الطائفي والاجتماعي وتحديد القرارات السياسية المعلنة وغير المعلنة التي تسببت بتلك الفتن وإخضاع الحكومات والسياسيين الذين تسببوا بتلك الفتن وعواقبها إلى محاكمة التاريخ إن لم نقل لحكم القانون احتراما للتقاليد السياسية السائدة محليا وعربيا بحصانة صناع السياسات .
كما يمكن وأد الفتن على مستوى القرار السياسي عبر توظيف وسائل الإعلام ومنابر المساجد التي تعد أدوات فعالة في إزالة الفتن الطائفية والاجتماعية والعنف المرتبط بها في المجتمعات التي تتصف بتجانس ثقافي وديني وحضاري وعرقي كبير كالمجتمع الأردني. وأشير في هذا الصدد إلى انه يمكن جمع غالبية فئات الشعب الأردني من كافة أصوله ومنابته حول آية من القران أو حديث نبوي بل حتى حول قصيدة لمحمود درويش.
ولكن لأن القرار السياسي والإرادة من الصعب أن تتوافق مع الغاية المتمثلة بوأد أسباب الفتن التي تتفق مع الاستراتيجيات التي توظفها الحكومات والأنظمة لبقائها و ويقتصر عملها على مواجهة تجلياتها فان الشعوب ذاتها يمكنها العمل على وأد الفتنة عبر توجيه جهودها نحو السعي لاستعادة حقوقها الغائبة من تلك الحكومات ، ومن الأدلة على ذلك التراجع الكبير في مستويات العنف الاجتماعي في المجتمع الأردني منذ مسيرة ذيبان الأولى وتراجع الفتنة الطائفية في مصر منذ انطلاق ثورتها المباركة.
kalidhammed@hotmail.com
التعليقات (0)