مواضيع اليوم

صلاح الفرد أم صلاح المجتمع ؟؟

نزار يوسف

2009-04-08 21:12:21

0

هناك تفكير مستفحل لدى البعض ، بأن على الدولة أن تقوم بكل شيء للمواطن و هي مسؤولة عن أي شيء أمام هذا المواطن و أي خطأ يقع فيه المواطن ، تتحمل الدولة مسؤوليته ، و يصل الأمر عند هؤلاء مع مرور الوقت إلى أن تتحمل الدولة أخطاؤهم هم أيضاً .. أخطاؤهم التي يقومون بها بشكل فردي مستقل عن أي عامل من عوامل تدخل الدولة أو السلطة . و الحقيقة أنه يمكن هنا إيراد بعض الحقائق ، إحداها للأسف قد تكون غائبة عن الكثـيرين أو البعض من الناس .


الحقيقة الأولى :هي مسؤولية الدولة تجاه المواطن ( شق طرقات – مدارس – مشافي – كهرباء – مياه – حفظ الأمن و النظام ..... الخ ) . و هي حقيقة موجودة و معرفة لدى الشرائح البشرية بأنواعها كافة ( شعبية – حكومية – اعتبارية و غيرها ) و متعارف عليها و على وجودها لدى معظم شعوب و حكومات العالم . و يمكننا اعتبار هذه الحقيقة أو الحق بأنه من دعامات ما عرف بنظرية نشوء و تشكل المجتمع قديماً . فالأفراد في البدايات الأولى لتشكل المجتمعات الإنسانية قد أعطوا حقوقهم ( كلها أو جلها ) للسلطة المركزية الاجتماعية مقابل حقوق و واجبات يحصلون عليها من قبل هذه السلطة أهمها الأمن و الحماية و النظام و منع الفوضى .


الحقيقة الثانية : هي حقيقة مسؤولية المواطن تجاه الدولة و بوجه آخر مرادف ، مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه و وطنه الذي يعيش فيه . ذلك بغض النظر عن رؤية هذا الفرد للدولة و نظام الحكم و السلطة في بلده ، سواء أكان موالياً أم معارضاً . و بغض النظر عن نظام الحكم في الدولة و ماهية السلطة ( ديمقراطية – ديكتاتورية – ملكية – جمهورية – فيدرالية - كونفدرالية .. و ما إلى ذلك ) و رؤيته هو نفسه لطبيعة هذه الأنظمة . هذه المسؤولية هي بدورها ذات شقين ، مسؤولية مادية ( ضرائب – احترام القانون – خدمة العلم ... الخ ) . و مسؤولية معنوية أدبية و أخلاقية ، و هي المسؤولية التي نتحدث عنها و التي هي موجودة عند الدول المتقدمة بشكل كبير ، علماً أنه لا اختلاف بين المسؤوليتين بنظرنا ، و كل منهما تنبثق عن الأخرى و تعبر عنها . و نورد هنا نماذج مختصرة على سبيل المثال لا الحصر :
ـ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و أثناء إعادة أعمار ما عرف بدولة ( ألمانيا الغربية ) آنذاك ، رفض الكثير من مواطني تلك الدولة تناول البيض الذي كان غالياً آنذاك في أوروبا نتيجة الحرب و كذا مادة ، و قرروا تقديم جميع مخصصاتهم من تلك المادة و غيرها للدولة لتقوم ببيعها إلى الدول المجاورة و تحصل على النقود اللازمة للمساعدة في إعمار البلد .

ـ كثير ما نسمع في أوروبا أو اليابان أو أمريكا مثلاً و عبر وسائط الإعلام المختلفة ، أن الناس العاديين قاموا بمساعدة الدولة في أمور معينة و خاصة الخدمات الاجتماعية و امتنعوا عن أمور معينة خدمة للدولة .

ـ أنا مواطن .. و يوجد أمام منزلي مكان لشجرة من المفروض أن تزرعها بلدية الدولة أو المحافظة ، و لسبب ما لم تقم الدولة بذلك ، فلماذا لا أقوم أنا بهذه المهمة و أزرع هذه الشجرة و أتعهدها بالسقاية و العناية .

ـ أثناء فصل الشتاء ، قد تطوف بعض الشوارع و تمتلئ بالماء أمام منزلي مثلاً ، نتيجة لانسداد مجرى التصريف في الشارع بعض الأوساخ ، فلماذا لا أبادر أنا و أقوم بهذه المهمة و أزيل الأوساخ ، و لن يستغرق ذلك مني أكثر من دقيقة واحدة ، علماً أن هذا من واجب الدولة ، و لكن لا ضير في ذلك خاصة إذا كان سبب انسداد هذا المجرى هو الأوساخ التي أرميها أنا في الشارع بشكل اعتيادي و يومي .


ـ الدولة تعلن في التلفاز مثلاً عن ضرورة عدم هدر الماء ، فلماذا لا أساهم أنا في ذلك و أخصص جزء من وقتي و كلامي عن هذا الموضوع أمام الناس و أجعل من نفسي قدوة لهم في ذلك بدل أن أكون قدوة لهم في النقد الهدام الذي ربما أكون بشكل غير مباشر جزء من أسبابه .


ـ أنا مواطن أمتلك أرضاً أو حقلاً ، فلماذا لا أستصلح هذه الأرض و أزرعها و أشجرها و أربي فيها الدجاج و الأبقار و أقوم بإنتاج الحليب و البيض و الخضار ، لي و لعائلتي و للمحيطين بي .


ـ أنا مواطن ... و عندما أشاهد في التلفاز إعلان أو ندوة أو كلام أو حتى خطاب من شخص مسؤول ، أتجاهل هذا الكلام و لا أصغي إليه و لا أتبع ما فيه من إرشادات أو توجيهات و قواعد تطرحها الدولة كحلول لمشاكل معينة إما من منطلق معاداتي سياسياً أو اجتماعياً . حتى طائفياً ( و هو ما يحصل اليوم في بعض البلدان العربية ) لذلك المسؤول ، و عندما أشاهد محطة تلفزيونية معادية لبلدي أو على الأقل لا تعمل لصالح و خير بلدي ، و كل ما تبثه هو انتقاد لدولتي أو الدول الأخرى بشكل بطريقة مدروسة ، أصغي بانتباه و أرفع عقيرتي بالنقـد و الانتقاد ، بدون أن أعرف من أنتقد و كيف أنتقد و لماذا أنتقد ، و ما هو المطب و الفخ الذي وقعت فيه . ذلك كله من معيار عاطفي غريزي .

هناك الكثير من الأمثلة التي نستطيع بها أن نوفر أموالاً و مصاريف كثيرة ، علينا و على الدولة و التي هي في الأساس من واجبنا و دورنا قبل ، تكون من واجبات و دور الدولة .

يجب علينا أن نحاول قدر الإمكان التخفيف عن الدولة بعض الأعباء من خلال أمور ذاتية نستطيع القيام بها و لا تكلفنا الشيء الكثير و تعود بالخير علينا و على الدولة و تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي . و هذا كله ينطلق من مبدأ عدم الاتكال على الدولة .


أيضاً هناك تفكير سائد و مستفحل في عقلية المواطن العربي ، و هو أن الفساد مختص فقط بالدولة . و الملاحظ أنه عندما يكون هناك حديث عن الفساد و في حلقة أو جلسة معينة ، يتجه التفكير فوراً إلى الدولة و كأن الفساد أو الخطأ مرتبط بالدولة فقط و مختص بها . و لسنا هنا في وارد تبرئة أو اتهام الدولة ، بل في وارد و سياق القول أن الفساد هو بالأساس غير مرتبط و متعلق بالدولة وحدها فقط ، بل هو أيضاً ظاهرة اجتماعية شاملة تشمل المجتمع بالدرجة الأولى و تصدر عنه أساساً . و الملاحظ في معظم الخطاب العربي ( صحف – دوريات – نشرات – كتب – مقالات – أبحاث ) المتعلق بالفساد ، أنه يكون دائماً موجهاً و مركزاً نحو الفساد الحكومي ، و لا يتم التطرق إلى ما يسمى بفساد المجتمع ، مع أنه يجب أن تكون له الأولوية المطلقة و الأهمية القصوى ، لأنه هو الأساس في أي فساد . و التقصير في الأداء أو الخطأ هو ليس فقط موجود في الحكومة ، بل في المجتمع أيضاً . و بناء عليه فإن الإصلاح هو ليس فقط الإصلاح الحكومي أو الإداري أو المؤسساتي ، بل نرى أن هناك شيء اسمه صلاح المجتمع و هو الأساس في أي إصلاح ويبدأ من المواطن نفسه .

المواطن الذي يقوم برشوة موظف الدولة للتغاضي عن خطأ أو مخالفة أو ضريبة ما ، أو للحصول على ميزة أو مصلحة ما ليس من حقه ، ألا يكون قد ساهم في الفساد الحكومي ؟؟؟؟!!! . و عندما يقوم هذا المواطن بمخالفة القانون و التعليمات التي تصدرها الحكومة و لا يتقيد بها عامد متعمداً بلا سبب و بلا مبالاة ألا يكون قد ساهم بالفساد ؟؟؟!!! . و عندما يقوم هذا المواطن بالإساءة إلى ممتلكات الدولة و مرافقها العامة و التعدي على الصالح العام ( ماء – كهرباء – هاتف ) ألا يكون قد ساهم بالفساد ؟؟؟؟ و عندما يقوم مواطن ما بدور سلبي في المجتمع و لا يؤدي واجبه المترتب عليه على أكمل وجه و يخل بالنظام العام الحكومي و الاجتماعي ، ألا يكون قد ساهم بالفساد ؟؟؟!!! .

هناك أيضاً موضوع خطير جداً و أجد من المناسب طرحه في سياق الكلام عن المجتمع ، و هو أنه معظم المشاكل التي نعتقد أو نظن أن سببها هو الدولة أو تقصيرها ، يكون سببها الأساسي هو مشاكل أسروية و اجتماعية بحتة و ناتجة عن ذهنية بعض القيادات أو أولي الأمور الاجتماعية ، كرب الأسرة مثلاً . فالشاب الذي لا يستطيع تأمين منزل له بعد التخرج من الجامعة مثلاً ، يحمل الدولة هذه المسؤولية . و الشاب أو الفتاة اللذان لا يستطيعان الزواج ، يحملان الدولة أيضاً هذه المسؤولية . و الرجل و المرأة اللذان ينحرف أولادهما لسبب ما ، يحملان الدولة أيضاً مسؤولية هذا الأمر و تبعته . هذه الأمور و التي هي على سبيل المثال لا الحصر ، كثيراً ما نشاهدها و نسمعها في الحياة العامة . ترى رجلاً لم ينجح ابنه في الثانوية العامة ، تراه على السليقة و بشكل لا شعوري و لا إرادي يقول " الحق على الدولة ، لو أن الدولة عندنا عملت كذا و كذا .. لو أن الدولة تبني لنا بيوتاً لتحل مشكلة الشباب ، أو لو أن الدولة تشجع على الزواج ، لو أن الدولة تعالج مشكلة الطلاق ، المفروض أن توظف الدولة جميع العاطلين عن العمل " . و كل هذه الاتهامات الجزافية تأتي على مبدأ المثل القائل ( الحق على الطليان ) .

أن الخطأ الشائع في الخلط بين المشاكل الأسرية و الاجتماعية الناتجة من رواسب و عفونة الماضي و بين المشاكل التقنية أو الإدارية للدولة ، هو سهل جداً لأنه يعفي المسبب الرئيسي لهذا الخطأ و هو قد يكون رب الأسرة ، أو التربية المنزلية الخاطئة أو التقاليد الاجتماعية البالية ، أو الفشل الذاتي في الدراسة و الحياة . يعفي تلك الجهة أو المصدر من المسؤولية و يضعها على الدولة و بنفس الوقت يجعل منه بطلاً لأنه ينتقد الدولة ، فيظهر بمظهر الموجه أو الشهم أو الناقد الجريء ، بينما هو صاحب العلة و سبب الداء و موطن المرض ، نتيجة للذهنية و التفكير الخاطئ .
ذلك كله ينبع من سوء الفهم النتاج عن الجهل الناتج عن سوء تربية الوعي لدى المواطن و الذي يتحمل مسؤوليته الدولة و الفرد و الهيئات و المنظمات الاجتماعية الخاصة ، معاً . فعلى سبيل المثال القليل من الناس في العالم العربي يدرك أن واجبات الدولة الأساس هي بالخدمات العامة العريضة المذكورة في بداية المقال كشق الطرق و الأمن و تأمين المخزون الغذائي الاستراتيجي و ليس التوظيف و العمالة أو بالوجه الآخر للعملة .. البطالة . القلائل يدركون أن الدولة ليس من مهامها في دول العالم كله التوظيف و التشغيل و ليس منوط بها عرفياً هذه العملية إلا فيما تحتاجه من كادر إداري و عمالي لمنشآتها و مؤسساتها . وبالتالي فإن البطالة هي ليست مشكلة الدولة أساساً و بالدرجة الأولى بقدر ما هي بنظرنا مشكلة اجتماعية ناتجة عن تخلف المجتمعات و قلة وعيها و تحملها لمسؤولياتها ، و من بعض مسبباها كثرة الولادات الزائدة دونما مبرر أو وعي لمخاطرها المؤدية إلى الانفجار السكاني . و هو موضوع معقد ناتج عند البعض عن سوء فهم ديني مثلاً . و يحتاج إلى دراسة و بحث مطولين و لا مجال لسرد كافة حيثياته هنا .
بناء عليه و عليه بناء ... فإننا نطرح من هنا و من منطلق التوصيف الدقيق للمشكلة ، قضية صلاح المجتمع و هي بنظرنا مقدمة على قضية و مفهوم صلاح الفرد ، لأن صلاح الفرد بنظرنا ينبثق من صلاح المجتمع . و العكس بنظرنا قد يكون صحيح لكنه غير سليم و دقيق تماماً لأنه و حسب التاريخ و حسب ما نرى الآن ما يحصل في العالم من حولنا و بالذات العالم العربي أو العالم الثالث عموماً نقول ( عين الفرد لا تقاوم مخرز المجتمع ) و حسبنا الآية القرآنية التي تقول ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) إذ جاء الخطاب الإلهي للقوم و ليس للفرد . و هو ما يلقي بتبعية الأمر على كاهل الدولة هنا و الهيئات و المؤسسات الدينية و الاجتماعية مع رموزها العليا . و ذلك إن كنتم بالله تؤمنون .

نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !