كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 بمثابة إشارة الانطلاق للعربدة الأمريكية المقننة لتعيث في الأرض حروباً واحتلالاً وتجسساً وهيمنة ... وتحت عنوان (الحرب على الإرهاب) أطلقت عملاءها وعيونها وجواسيسها يحركهم ويتابعهم رجال مخابراتها CIA ينتشرون في بقاع الأرض ويستبيحون أراضي الدول وينتهكون سيادتها ويخضعون أنظمة تلك الدول ومرافقها وقواعدها وملاحاتها البحرية والجوية والبرية لخدمة شعارها المقدس" الحرب على الإرهاب" .. ولأن العصا لمن عصى.. ولأن من ليس معنا فهو ضدنا ..
ولأن لائحة قائمة الدول المساعدة للإرهاب جاهزة فقد خضع الكثير من دول العالم "طوعاً أو كرهاً "لبطش أمريكا استجداء لرضاها أو تفاديا لغضبها وتحاشياً لنقمتها وتجنباً لانتقامها.. لذا فقد استباحت مخابرات أمريكا لنفسها إنشاء السجون شديدة الحراسة والرعب في قواعدها المستأجرة في الخارج .. كسجن جوانتانامو في كوبا أو في الدول التي هاجمتها واحتلتها كسجن أبوغريب في العراق وكذا إنشاء سجون سرية خارجة عن رقابة وعيون المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية ..
وبالموازاة لحروبها العسكرية العلنية "الواسعة" أطلقت حرباً مخابراتية سرية واسعة بموجبها أعطت لنفسها حق الاشتباه والمطاردة والاختطاف واعتقال على أي إنسان أياً كانت جنسيته أو هويته أو إقامته في أي مكان أو أي دولة من دول كوكب الأرض .. ثم نقله جواً وإيداعه أحد سجونها العلنية أوالسرية داخل أمريكا أو خارجها لتفعل معه أو به ما تشاء..
بل طورت نشاطها المحموم في المطاردة وعملاً بمبدأ " دفن النفايات الذرية" في بلاد العالم الثالث فقد قامت بتطوير نشاطها المحموم بالتعاون مع أنظمة الدول "الصديقة" لتدفن لديها أنشطتها "الإجرامية" .. وذلك عن طريق اختطاف " الضحية" من على أرض أي دولة ثم نقله جواً إلى الدول "الصديقة" أو " المتعاونة" لتسلمها "الضحية" ملزوقاً على قفاها استيكر مدون عليه طلبات ال CIA من أسئلة واستجوابات واتهامات وعلى الدولة المستلمة أن تقوم بكل ما في وسعها من "خبرات" في تظبيط وتعليق وتعذيب وسحل وكهربة ونفخ وخوزقة "الضحية" للخروج منها "بالمعلوم" أو "بالمعلومات" التي تطيرها الدولة المستلمة إلى أمريكا مع أحر التمنيات بالحصول على الرضا و" التقدير الأمريكاني"...
ولقد سارت هذه العمليات في أمان ال CIA ورغم تسرب رائحتها إلى أنوف المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلا أن الدعاية الأمريكية الجبارة استطعت أن ترش عليها اسبراي التغاضي والتجاهل .. إلى أن وقعت الواقعة .. وكانت وقعتها ووقيعتها على الأراضي الإيطالية في غضون عام 2003.. وذلك حينما كان رجال الCIA الأمريكان يرتعون في غفلة أو تغافل أو استغفال للمخابرات الإيطالية .. حيث صدرت لهم الأوامر باختطاف "مواطن مصري" يدعى "أبو عمر" يقيم في إيطاليا حيث منحته حق اللجوء السياسي.. تشتبه فيه أمريكا "مجرد اشتباه" ..
فقام رجال مخابراتها الذين تسللوا للأراضي الإيطالية باختطاف " الضحية" ونقله من الأراضي الإيطالية إلى قاعدة أمريكية في إيطاليا ثم التحليق به جواً في سماء الهيمنة والعربدة ونقله إلى ألمانيا ثم إنهاء رحلة التنقل والحط به " سراً" في " جمهورية مصر العربية" وتسليمه لها ملطوعاً على قفاه " استيكر" بالطلبات ..من حيث التهمة والأسئلة والاستجواب والاستفسار مع رجاء الإدارة الأمريكية وتطلعها الطموح إلى "تعاون مثمر" ونجاح مأمول اعتمادا على مهارة وشطارة وبراعة وفظاعة أصدقائها في مصر في "تظبيط" الضحية المختطفة والمنقولة جواً" أو "جورا" ً من الأراضي الإيطالية إلى الأراضي المصرية من وراء ظهر البشرية وقد بقي في السجون أربعة سنوات لا تدري به البشر..
وكان من المقدر أن تمر هذا العملية كمثل سابقاتها من عشرات المئات من العمليات على أراضي البسيطة إلا أن "أبو عمر " المصري كان تحت متابعة السلطات الإيطالية والتي رصدت عملية اختطافه من قبل عناصر المخابرات المركزية الأمريكية .. وأمسك القضاء الإيطالي خيوط "العملية" ..
وهنا تبدأ رحى أنقى وأسخن معركة في الدوران .. معركة بين العدالة -والتجبر .. بين القضاء -والهيمنة.. بين الدفاع عن السيادة و استمراء انتهاكها.. بين قانون الحق - وقانون الغاب .. بين حقوق الآدمية و صكوك الاستعباد ...
معركة كان سيدها القضاء الإيطالي الذي واجه مثلت أمام منصته وخضعت أمام سلطته أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ .. لم تفلح قوتها أو عظمتها أو جبروتها أو مواءماتها السياسية أو مساوماتها أو تهديداتها أو "معوناتها" أو سطوة مخابراتها أو الخشية من احتقان علاقاتها بإيطاليا ..
لم يفلح كل ذلك في إرهاب أو التأثير على نزاهة وعدالة وشجاعة القضاء الإيطالي الذي مضى في القضية وأمر بملاحقة والقبض على أكثر من خمسة وعشرين فرداً من عناصر المخابرات المركزية الأمريكية ..
وانتهى القضاء الإيطالي إلى إصدار حكمه يوم الأربعاء 4 نوفمبر / تشرين الثاني بإدانة عناصر السي.أي.إيه واثنين من الإيطاليين بينما أسقطت الدعوى عن الرئيس السابق للسي.أي.إيه في روما والمسئولين الأول والثاني في المخابرات العسكرية الأمريكية. وحكمت على روبرت سيلدون لادي رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية السابق في ميلانو، بالسجن ثماني سنوات، كما حكم على 22 عنصراً سابقاً بالسجن خمس سنوات، وحكم على عنصرين في الاستخبارات الإيطالية بالسجن ثلاث سنوات. كما قضت المحكمة بأن يدفع هؤلاء الذين عوقبوا بالسجن تعويضاً قدره مليون يورو لنصر المشهور بأبو عمر و500 ألف يورو لزوجته. وصدرت الأحكام بحق الأمريكيين جميعا غيابياً بعد أن رفضت الولايات المتحدة تسليمهم، الأمر الذي يجعلهم مطاردين دولياً.. كما صرح أبو عمر أنه سوف يرفع دعوى أخرى أمام القضاء الإيطالي بالمطالبة بتعويض ضد ( الذين عذبوه) بمبلغ عشرين مليون يورو..
ياسلام على الدنيا لما تكون فيها السيادة للقانون والاستقلالية للقضاء والنزاهة للقضاه والاحترام لحقوق الإنسان بصرف النظر عن جنسيته أو عقيدته أو بلده..
أنظر مدى السمو والعلو والرقي والتحضر والنزاهة والشجاعة التي تحلت بهم إيطاليا بقضائها حين دافعت عن سيادة أراضيها وعن حقوق أحد الناس (الغرباء) البسطاء في إسباغ حمايتها ورعايتها له ..
أنظر إلى أي الدرجات ارتفعت إيطاليا..
وأنظر أيضا إلى أي الدركات هبطت أمريكا بعربدتها وبلطجتها وبطشها وظلمها وكيف هبط معها الذين نفذوا لها رغباتها وتفانوا في إظهار الولاء لها بالبطش وتعذيب وسجن "مواطن" يحمل جنسية وهوية من عذبوه ..
التعليقات (0)