مواضيع اليوم

صفة الجليس الصالح وجليس السَّوْء

رهن المحيس

2011-11-15 22:23:46

0

 

أصلح الأصحاب والجلساء هم العلماء، العاملون بعلمهم، المتقون لربهم، ويليهم العباد الأتقياء، الذين يعبدون الله على علم وبصيرة.

وشر الأصحاب والجلساء هم المبتدعة والفساق، الجرآء على الله ورسوله، الذين لا يصلحون ولا ينفعون، بل بالفساد يسعون، وللصد عن دين الله والحق يعملون.

فنِعمَ منْ وُفق لجليس صالح، وصديق عاقل فالح، ويئس من ابتلاه الله بجليس السَّوْء، ورفيق الضر.

والجليس الصالح والسَّوْء قد يكون رئيساً، أووزيراً، أومستشاراً، أوعالماً، أواستاذاً،أوزوجاً، أوكُتاباً، أوفضائية من الفضائيات، وما شابه ذلك.

(فالجليس الصالح يأمرك بالخير، وينهاك عن الشر، ويسمعك العلم النافع، والقول الصادق، والحكمة البالغة، ويبصرك آلاء الله، ويعرِّفك عيوب نفسك، ويشغلك عمَّا لا يعينك، وإذا كان مَلِكاً أوصاحب دنيا رفع قدرك، وأعلى منزلتك، وسدَّ خلتك، ثم لا تحتاج بعد الله إلى سواه، وإنْ ذكَّرته بالله طمع في ثوابه، واستعد بالصالحات للقائه، وإنْ خوفته عذاب الله، وعاقبة الظالمين، ومصارع الجبارين، كفَّ عن الإساءة، وترك الظلم وهو قادر عليه، واستغفر لذنبه، وامتنع من الشر وهو ميَّال إليه، ورعيته كلهم راضون عنه، ومحبون له، إذا دخلوا عليه أكرمهم، وإذا خرجوا من عنده سأل عنهم، وفكَّر فيما يعود بالخيرعليهم، وزيره، وأميره، وحاجبه، وخادمه، وسائر حاشيته، ومن في ولايته جميعاً صالحون، ولربهم عابدون، ولمليكهم عابدون مخلصون، والناس على دين ملوكهم، وإذا صلح الراعي صلحت الرعية، وكان الخلفاء الراشدون إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً.

يقف الواعظ بين يدي أحدهم فيقول ما يشاء، ويطلب إصلاح الأخطاء، ويهدي إلى سبيل الرشاد، فربما رأى من بكاء السامعين ما يبكيه، وشاهد منهم ما يرضيه.

وقال أبو جعفر المنصور يوماً لواعظ دخل عليه: عظني وأوجز، فقال: (لو كان الذي في يديك يبقى لك ما وصل إليك)، فأعجب المنصور بموعظته وأثنى عليه. وكذلك يقول لك ويسمعك جليسك الصالح، وأستاذك الصالح أيضاً، يجهد نفسه في تعليمك وتفهيمك، وإصلاحك وتقويمك، يطالبك بالعمل، وينتظر من ظاهرك ثمرة ما يغرس في باطنك، وإذا غفلت ذكّرك، وإذا اهملت أو مللت، بشرك وأنذرك، لا يخاطبك إلاَّ على قدر عقلك، ولا يكلفك من الأمر إلاَّ ما تطيق، يجيبك سائلاً، ويذْكرك غائباً، ويعتني بك حاضراً، ويراك أحد أولاده، وليس في الجلساء من ينفعك خيره، ويضرّك شرّه، كالأستاذ الذي يعد لك أباً ثانياً، وكما يكون هو تكون أنت.

 وإذا المُعَلِّم لم يكُـن عدلاً مشَـى          رَدَحُ العدالةِ في الشباب ضئيلاَ

وإذا المُعَلِّم سـاء لَحْظَ بصيـرةٍ           جاءت على يده البصائر حُولَا

 وإذا أتى الإرشادُ من سَبَبِ الهَوَى          ومن الغرور فسمه التضليـلا

               وإذا أُصِيب القَـوْمُ في أَخْلاقِهِـمْ          فَأَقِمْ عَلَيْهِمْ مَأْتَمَـاً وَعَوِيــلَا

 أمَّا إذا كان الجليس مثلك أو دونك، فهو الذي يسد خلتك، ويغفر زلتك، ويقيل عثرتك، ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثَّك عليه، ورغبَّك فيه، وبشرك بعاقبة المتقين، وأجر العاملين، وقام فيه معك، وكان لك عوناً عليه، وإذا تكلمت سوءاً أو فعلت قبيحاً زجرك عنه، ومنعك منه، وحال بينك وبين ما تريد، وطهَّر قلبك من الخبث، ولسانك من الفحش، وقال لك: اعرض عن هذا، واستغفر لذنبك، إنك كنت من الخاطئين، وصالح إخوانك لا يمل قربك، ولا ينساك على البعد، يسرّك إذا حضرت بحديثه، ويرضيك بأفعاله، ويشهد بك مجالس العلم، وحلق الذكر، وبيوت العبادة، ويزين لك الطاعة بالصلاة، والصيام، والحج، والإنفاق في سبيل الله، وكفِّ الأذى واحتمال المشقة، وحسن الجوار، وجميل المعاشرة، ويقبح لك المعصية، ويذكر ما يعود به الفساد عليك من الويل والشقاء في عاجل الأمر وآجله، ويضرب لك الأمثال بفلان الذي شقى بعد السعادة، وذلّ بعد العزّة، وافتقر بعد الغنى، ومرض بعد العافية، لأنه كان يصرف الأموال في الفساد، ويستعين بسلطانه على الظلم والاستبداد، وكان صحيحاً قوياً، وشاباً فتياً، فشرب الخمر، وزنى ولاط، فاحترقت كبده، وتمزقت رئتاه، وأصيب بالسيلان والجذام، ولَعذاب الآخرة أشد وأبقى.

وما زال ينفعك، ويرفعك، ويزجرك، ويردعك، حتى يكون كبائع المسك، وأنت المشتري، ولصلاحه لا يبيع عليك إلاَّ طيِّباً، ولا يعطيك إلاَّ جيداً، ولا يأخذ منك إلاَّ ثمناً قليلاً، وإنْ أبيت الشراء، وامتنعت من الأخْذ، طيَّبَك بيديه، وصبَّ عليك العطر، فلا تمر بشارع، ولا تسلك طريقاً إلاَّ وعبق منك الطيب، وملأت به المعاطس والأنوف، فتعود إليه مشترياً، أو ليحذيك بعطره، ومسكه، وعنبره، وهكذا.

وهذا مثل العالم الذي لابد أنْ تحفظ  عنه شيئاً إذا تكلم، فإن عملت به فقد اشتريت، وإلاَّ فقد أعجبك ما عنده، وستعود إليه.

أمَّا مثل العابد فهو مثل من لا يعطيك شيئاً من المسك، ولكنك تجد منه العَرْفَ الشَّذِيَّ، والرائحة الطيبة، فإذا رأيت زهده وتقواه، واستقامته في دينه ودنياه اقتديت به، وكانت لك فيه أسوة حسنة.

وَإِذَا نظَرْتَ إِلَيْهِ عِنْدَ قِيَامِهِ          في اللَّيْلِ قُلَتَ الْبَدْرُ بَاتَ مُصَلِّياَ

وَيَظَلُّ يَكْتَسِبُ الْحَلاَلَ وَإنَّهُ          لَعَلَى الشَّرِيعَةِ مُقْبِـلاً ومُوَلِّيَـا

وأولئك هم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، تنزل عليهم الرحمة فيشاركهم فيها، ويهم بالسوء فلا يقوله، ولا يستطيع فعله، إمَّا مخافة من الله، وإمَّا حياءً منه.

وأمَّا قرين السَّوْء فإنك إنْ لم تشاركه في إساءته، أخذت بنصيب وافر من الرضا بما يصنع، والسكوت على شَرَّه، تخاف منه وتحذره، وتحتاط لحفظ كرامتك من أنْ يمزقها، أويسمعك عن نفسك، وفلان الاخر ما لا تحب، وأنت لا تبدى ولا تعيد، وإنْ رضيت بصنيعه، فهو كنافخ الكير على الفحم الخبيث، وأنت جليسه القريب منه يحرق بدنك وثيابك، ويملأ أنفك بالروائح الكريهة، وأنت وإيّاه في الإثم سواء، ومن أعان على معصية ولو بشطر كلمة كان شريكه فيها، والسكوت على الشيء رضاء به.

وكل ما لا يحل فهو من اللغو الذي مدح الله تاركيه بقوله تعالى: "وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ"

وقد يكون الجليس السَّوْء فاجراً قوياً لا تستطيع نهيه عن المنكر، ولا تقدر على مراجعته، فخير لك الابتعاد عنه لئلا تكون في معصيتين: السكوت على الباطل، والمرافقة أهله.

وفي مجالس الشر تقع الغيبة، والنميمة، والكذب، واللعن، وكل كلام فاحش، ويقع اللهو والطرب، وممالأة الفساق، ومجاراتهم على الإسراف في الإنفاق، والخوض في الباطل: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"

والله الموفق للخيرات، ورسوله الهادي إلى أقوم الصراط.

اللهم هب لنا من الجلساء والأصحاب من يكون عوناً لنا على أمور ديننا ودنيانا، واصرف قرناء السَّوْء وعمن يلينا، لا يصرف ذلك إلاَّ أنت، وصلى الله وسلم وبارك على من بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم ما تعاقب الليل والنهار.

                




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !