الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المصطفى .. أما بعد،
مع التغييرات الكبيرة التي تحدث في البلاد، وتعدد الفرص لتولي المناصب والمسئوليات، يسارع الكثير من المسلمين إلى أن يكون له مكان في هذا السباق، منهم من يطلب الوجاهة والمنفعة، ومنهم من يريد بذلك وجه الله، فكان لزاماً علينا أن نقف وقفة نبين فيها المواصفات التي ينبغي أن تتوافر في من يتولى أمراً من أمور المسلمين، بدءًا من منصب رئيس الجمهورية إلى تولي أمور أقل جماعة ممكنة مثل الأب في أسرته مثلاً، المواصفات التي على أساسها نختار من يقودنا، وفي الوقت نفسه من أراد أن يتولى شيئًا من أمور المسلمين عليه أن يلزم نفسه بها.
بداية نتساءل : ماذا نعني بقولنا الإمام العادل؟ إن عادل اِسْم فَاعِل مِنْ الْعَدْل ، وَالْمُرَاد بالإمام العادل صَاحِب الْوِلَايَة الْعُظْمَى ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُور الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ ، وَأَحْسَن مَا فُسِّرَ بِهِ الْعَادِل أَنَّهُ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْر اللَّه بِوَضْعِ كُلّ شَيْء فِي مَوْضِعه مِنْ غَيْر إِفْرَاط وَلَا تَفْرِيط. ثم نأتي لنتسلءل: ما هي المواصفات التي يجب أن تكون متوفرة في الإمام العادل؟
الصفة الأولى من الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الإمام العادل أن يكون ذو دين تقي نقي ورع ، لأنه سيقوم بالنصح لأمته، فإن لم يكن مؤمناً تقياً نقياً فسيضيع أمته، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ". قال ابن حجر في شرح الحديث: أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله إياها.
ثم يأتي تساؤل آخر: هل يصلح كل منا أن يكون إماماً ويتولى المناصب القيادية؟ يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه المناصب القيادية تحتاج إلى شخصيات بمواصفات معينة، هل هناك أصلح ولا أتقى ولا أورع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بالطبع لا، ومع ذلك روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِى؟ يطلب أن يجعل له النبي منصباً من المناصب القيادية قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِى ثُمَّ قَالَ:” يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا“. معنى ذلك أن الصلاح والتقوى والورع مطلوب في القائد ولكنه لا يكفي وحده بل لابد من مواصفات أخرى. فقد يكون الرجل صالحاً تقياً ورعاً ولكنه لا يصلح لتولي القيادة وإذا تولى ولاية ربما تكون هذه الولاية سبباً في دخوله جهنم والعياذ بالله، عَن مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ عادَهُ في مَرَضِهِ الَّذي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَديثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم - ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (ما مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْها بِنَصيحَةٍ إِلاّ لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الْجَنَّةِ). متفق عليه. فالموضوع جد خطير.
الصفة الثانية من الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الإمام العادل الأمانة والعلم بمتطلبات ومهام المنصب الذي يتولاه، وحينما طلب يوسف أن يكون على خزائن الأرض قال: " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ". حفيظ أمين عليها، عليم بكيفية إدارتها.
الصفة الثالثة من الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الإمام العادل الرفق، روى مسلم في صحيحه أن عائشة رضي الله عنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ"، هَذَا مِنْ أَبْلَغ الزَّوَاجِر عَنْ الْمَشَقَّة عَلَى النَّاس ، وَأَعْظَم الْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِهِمْ، وليس الرفق أن يأتي الإمام للناس بما يشتهون، وإنما الرفق أن يسير بالناس حسب أوامر الله ورسوله دون أن يكلفهم ما لا يطيقون.
الصفة الرابعة من الصفات التي ينبغي أن تكون في الإمام العادل إحساسه بالمسئولية، فالإمامة قبل أن تكون منصباً ووجاهة وسلطاناً ومالاً فهي مسئولية وأمانة يسأل عنها أمام الله يوم القيامة، وفي الحديث المتفق عليه عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
قبل أن تفكر في ولاية أمر من أمور المسلمين أو إذا كان الله عز وجل قد ابتلاك من ذلك بشيء فإليك نصيحة، هذه النصيحة كتبها الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز حينما تولى عمر بن عبد العزيز خلافة المسلمين، و الحسن بن يسار البصري وهو الفقيه القارئ الزاهد العابد، سيد زمانه، إمام أهل البصرة، بل إمام أهل العصر. وولد بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر رضي الله عنه. اسمع كيف يصف لنا الإمام العادل: اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل هذه الكلمة تبين لنا الدور الإصلاحي الذي يقع على عاتق كل إمام، فهو مسئول عن إصلاح كل مائل سواء كانت أوضاع اقتصادية أو سياسية أو أخلاقية أو اجتماعية أو غيرها، وقصد كل جائر، فأي ظالم يحاول أن يطغى بظلمه على الناس يجد في الإمام رادعاً يمنعه عن ظلمه ويأخذ على يده، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، يجب أن تكون أبواب القادة مفتوحة للضعفاء والمظلمين، يجب أن تصل شكاوى الناس البسطاء الضعفاء إلى أولي الأمر وأن تلقى منهم اهتماماً وأن يسعون في قضاء حوائجهم، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، المريض الذي لا يملك ثمن الدواء ممن يطلب، الفقير الذي لا يملك غطاء يقيه من برد الشتاء ممن يطلب، الأب الذي يريد تجهيز ابنته ولا يستطيع ممن يطلب، طالب العلم الذي لا يملك ثمن كتاب يقرأه ممن يطلب، الأرملة التي تعول حفنة من اليتامى وليس لها مصدر رزق ممن تطلب، كل هؤلاء وغيرهم هم مسئولية الإمام، والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المرعى ، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها عن السباع، ويكنها عن أذى الحرَّ والقرَّ. انظر كيف أن راعي الإبل يكون حريصاً على إبله، يوفر لها الطعام والشراب، فكذلك الإمام، هو مسئول عن توفير الطعام والشراب والسلع الأساسية للرعية، يجب أن يوفر لهم أسباب الأمن والأمان ويأخذ على أيدي من يسعون في الأرض فسادا، والإمَامُ العَادِلُ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ كَالأَبِ الحَانِي عَلَى وَلَدِهِ، يَسْعَى لَهُمْ صِغَارًا، ويُعَلِّمُهُم كِبَارًا؛ يَكْتَسِبُ لَهُم فِي حَيَاتِهِ، ويَدَّخِرُ لَهُم بَعْدَ مَمَاتِهِ ،انظر كيف ينبغي للإمام أن يكون حريصاً على مصلحة شعبه وأن يعمل على استقرار أمورهم حتى بعد مفارقته للحكم، والإمام العادل كالأم الشفيقة البرة الرقيقة بولدها، حملته كرها ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغم بشكايته، نحلم جميعاً أن تكون العلاقة بين الراعي والرعية كما وصفها الحسن البصري كعلاقة الأم بولدها، أن تكون هموم ومشكلات وأحلام ورغبات وقضايا وعضلات الشعوب تلقى الاهتمام والعناية من الولاة، وأن يكون الدافع لقضائها الإخلاص لله، حتى يلقى الله وهو عنه راض، والإمام العادل وصي اليتامى وخازن المساكين، يربي صغيرهم ويمون كبيرهم، نحلم جميعاً بآلية ما تستطيع بها الحكومة رعاية اليتامى حتى لا يصيبهم الإهمال والتشرد والفقر والحاجة بموت الآباء، نحلم جميعاً بآلية معينة ترعى الفقراء والمساكين وذوي الحاجات ممن يعجزون عن كسب قوتهم أو لا تكفيهم دخولهم للعيش حياة كريمة بين الناس، والإمام العادل كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده، العبارة تبين أهمية صلاح الراعي والدور المؤثر والفعال الذي يقوم به في صلاح الأمة، العديد من السلوكيات التي تنتشر وتسود بين الشعوب تكون عبارة عن ردود أفعال لسلوكيات الولاة، عندما يسمح الإمام مثلاً للمفسدين بتولي المناصب، ويحاول كل ذي منصب أن يستفيد من منصبه ويفتح باب الرشاوى، ثقافة الرشوة ستنتشر بين الناس، حتى يصبح من المسلمات لدى الكثيرين أن حاجتك لن تقضى إلا إذا دفعت الرشوة، أما إذا أخذ الإمام على أيدي المرتشين وشدد العقوبات على مرتكب هذه الجريمة تسود ثقافة العدالة والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه، إذا قام الإمام بتكريم العلماء والفقهاء ورجال الدين، ستنتشر قيمة احترامهم ومعرفة قدرهم بين الناس يحاول الناس أن يتخذوا منهم قدوة، ولكن إذا رأينا أن هذه الطائفة تتناولها وسائل الإعلام بالسخرية والاستهزاء لابد وأن يكون الوضع مختلف.
والإمام العادل هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويُسمعهم، وهنا يركز الحسن البصري على ضرورة أن يكون الإمام تقياً ورعاً له صلة بربه، فهو في منصبه قادر على أن يكون سبباً في صلاح رعيته، إذا ما وجد الأمة قد ابتعدت عن طاعة الله يدعوهم إلى طاعة الله وستكون كلمته مسموعة، وينظر إلى الله ويريهم، أي يكون في أفعاله وأقواله مراقباً لله عز وجل ويعلم رعيته ذلك، وينقاد إلى الله ويقودهم، فهو في نفسه منقاد لله عز وجل، وهو لغيره قدوة وأسوة حسنة يعلمهم الانقياد لله، ويطبق فيهم شرع الله عز وجل فيحكمهم بحكم الله تبارك وتعالى، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله.
واعلم أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ من المفترض أن الولاة هم الذين يطبقون أحكام الله على عباده ويقومون بمعاقبة كل مجرم على جرمه، فكيف يكون الحال إذا كان الولاة أنفسهم هم الذين يقومون بهذا الجرائم؟ وإن الله أنزل القصاص حياة لعباده فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟ القاتل يُقتل من الذي يقتله؟ الحاكم، فكيف يكون الأمر إذا كان الحاكم هو القاتل؟ واذكر الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه، فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر. لابد للحاكم من أن يضع الموت نصب عينيه دائماً، وأنه سوف يقف بين يدي الله وحيداً ضعيفاً، فلن ينفعه ملكه ولن تغني عنه حاشيته، ولن يدافع عنه أعوانه، ولا يملك له مخلوق من الله شيء، فإذا كان الأمر كذلك فعليه أن يراعي الله عز وجل في أفعاله، واعلم أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه يطول فيه ثواؤك، يذكره بأن كل هذه الزخارف والقصور والذهب والفضة والجاه والسلطان ستتبدل بقبر مظلم يبقى فيه وحيدا في ظلمته، ولن ينفعه فيه ولن يصحبه فيه إلا العمل الصالح، ويفارقك أحباؤك، يسلمونك في قعره وحيداً فريداً ، فتزود له ما يصحبك يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، واذكر إذا بعثر ما في القبور ، وحصل ما في الصدور، فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. فيوم القيامة هو يوم الفضيحة على رؤوس الأشهاد، ومهما حاول الإنسان في الدنيا أن يخفي جرائمه فيوم القيامة يكشف الله هذه الجرائم، ولن يكون هناك من يدافع عنك ولن يكون هناك ظلم في الأحكام، فالشهود جوارحك تشهد عليك، والقاضي هو الحكم العدل العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية.
فالآن وأنت في مهل، أي أيها الحاكم وأيها الوالي وأيها الملك وأيها السلطان، يا كل من في عنقه تولي مسئولية قوم ما أو جماعة ما أو شعب ما أو أمة ما، الآن هي فرصتك، قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، لا تحكم في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، فتبوء بأوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك، يعني أنك إذا تركت الفرصة للمفسدين أن يفسدوا في الأرض فأنت شريكهم في الإثم لأن الذي سمحت لهم بذلك.
ولا يغرنك الذين يتنعمون في بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك، يعني وإياك من شلة المنتفعين، الذين يستفيدون من علاقتهم بك في تسيير مصالحهم، وتعاقب أنت وتحاسب على ذلك أمام الله يوم القيامة.
ولا تنظر إلى قدرتك اليوم، لا تقل أنا ملك أو أنا سلطان أو أنا أستطيع أن أفعل ، ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحي القيوم.
قَالتْ فَاطِمَةُ زَوجَة عُمَرَ بنِ عَبْدِ العزِيْزِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ : " دَخَلْتُ يَومًا عَلَيْهِ وهُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلاه وَاضِعًا خَدَّهُ عَلى يَدِهِ ودُمُوعُه تَسِيلُ عَلى خَدَّيْهِ فَقُلتُ : مَا لَك ؟ فَقَالَ : ويْحَكِ يَا فَاطِمَة ، قَدْ وُلِّيتُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأمَّةِ مَا وُلِّيْتُ ، فَتَفَكَّرْتُ فِي الفَقِيْرِ الجَائعِ ، والمَرِيْضِ الضَّائعِ ، والعَارِي المَجْهُودِ ، واليَتِيْمِ المَكسُورِ ، والأرْمَلَةِ الوَحِيْدَةِ ، والمَظلُومِ المَقهُورِ ، والغَرِيبِ الأسِيْرِ ، والشَّيخِ الكَبِيرِ ذِي العِيَالِ الكَثِيرِ والمَالِ القَلِيلِ ، وأَشْبَاهِهِم فِي أقْطَارِ الأرضِ وأطْرَافِ البِلادِ ، فَعَلِمتُ أنَّ رَبِّي ـ عَزَّ وجَلَّ ـ سَيَسْألُنِي عَنْهُم يَومَ القِيَامَةِ ، وأنَّ خَصْمِي دُونَهُم مُحَمَّدٌ ـ صلى الله عليه وسلم - فَخَشِيْتُ أَلا يَثْبُتَ لِي عِنْدَ خُصُومَتِهِ قَدَمٌ ، فَرَحِمْتَ نَفْسِي فَبَكَيتُ !!
وختاماً نذكر أن الإمام إذا كان عادلاً فهذا العدل سيكون له باب نجاة يوم القيامة، فمن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وروى مُسْلِم عن زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا). وفي حديث السبعة َقَدَّمَهُ النبي صلى الله عليه وسلم فِي الذِّكْرِ لِعُمُومِ النَّفْع بِهِ.
التعليقات (0)