مواضيع اليوم

صفارة الإنذار التونسية

جمعة الشاوش

2011-09-07 14:17:08

0

خطاب الوزير الأول للحكومة المؤقتة التونسية الباجي قائد السبسي الذي ألقاه يوم 6/9/2001 جاء على غير المعتاد في خطاباته السابقة التي كانت تميل إلى النعومة والتهدئة والتماس الصلاح والفلاح،خطابه هذه المرّة جاء مدوّيا وواضحا وجريئا ذكّرني بتلك العبارة الشهيرة التي قالها يوما الرئيس الفرنسي الراحل "شارل دي غول"(حان الوقت لإطلاق صفارة انتهاء الاستراحة-Il est temps de siffler la fin de la récréation)...
توقيت الصفارة التي نفخ فيها السيد الباجي قائد السبسي هو الذي أرغب التوقّف عنده ذلك أنّ الأوضاع الراهنة ليست كارثية بالبلاد مقارنة بما هي عليه منذ الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي...إنه توقيت يأتي خلال أسبوع تقديم الترشحات لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي المقرّرة ليوم 23 أكتوبر 2011 أيْ الذي يفصله عن تاريخ ذات الخطاب زهاء الشهر زائد نصفه...
كأني بالوزير الأول يبحث عن إحداث "مفعول الصدمة" بلهجة خطابه ومضمونه ليدعو الجميع إلى الانتباه إلى أنّ حدث أول انتخابات في عهد الثورة يُراد لها أن تكون ناجحة بكلّ المعايير الديمقراطية الدولية لا يُمكن أن تدور إلا في أجواء من الانضباط والأمن واليقظة يجب أن تتوفّر من اليوم قبل الغد،بما يعني أنّ أمانة المسؤولية الجسيمة والتاريخية التي تتحمّلها حكومته المؤقتة والتي بموجبها تحتكر أدوات السلطة يجب أن تكون كاملة وغير منقوصة بكلّ المقاييس إذ الانتخابات الديمقراطية النزيهة والمنصفة يستحيل جريانها في مناخ من الفوضى وفي ظلّ التغوّل على سلطة هشة حتى وإن كانت مؤقتة ونتيجة توافق تحفّ حوله شكوك...
الخطاب إذن صفارة إنذار لتحميل المسؤولية للجميع ولسان حاله يقول :من أنذر فقد أعذر ولا عذر لحكومة مدعوّة لتحمّل مسؤولية خطيرة لا تملك شروطها ووسائلها...كأني بالباجي قائد السبسي يقول:إما أن تقبلوا بحكومة تحكم وإلا فلا مسؤولية لي عليكم ولا على انتخاباتكم...
بما أنّ العبرة بالنتائج فالسؤال الملحّ الذي يتداوله الرأي العام في البلاد بعد خطاب الوزير الأول هو مدى القابلية لأخذ "صفارة الإنذار مأخذ الجدّ وبالتالي بلوغ موعد الاستحقاق الانتخابي تحقيقا لغايته بأخف الأضرار؟
رغم كلّ حالة التوجس والقلق والشك التي تهيمن على التونسيين،عموما،والتي تبرّرها الوقائع فإن التفاؤل بتجاوز العراقيل والصعوبات قائم...
طبعا لستُ منجّما ولا قارئ كفّ...تفاؤلي له ما يدعمه في قراءة المشهد بكلّ تفاصيله،إنه مشهد يشوّش عليه صخب يصمّ الآذان،والصخب زبَدٌ يتبخّر...
أنا كغيري من التونسيين متوتّر وقلق ومنزعج لكني أجهد النفس لتشخيص يكون موضوعيا – بقدر الإمكان- لما نراه بالعين المجرّدة ولما تستوجب رؤيته بوسائل أخرى...
ألا ترون معي أنّه رغم كلّ المزايدات السياسية واستعراض العضلات بشتى الطرق ومن قبل كلّ الفاعلين فإنّ الأمور،في كل مرّة تنتهي  إلى حلول توافقية قد لا تُرضي الجميع لكنها تُبقي على خيط التواصل من أجل تجاوز الواقع الصعب إلى حيث التدرّج نحو وضع أفضل؟...
يكفي أن نعود بالذاكرة إلى ما كنا عليه قبل 14 جانفي 2011 من إحساس بالغبن واليأس في بارقة أمل إصلاح لوطن اغتصبته "مافيا" بكلّ ما في الكلمة من إذلال لشعب ارتُهِنت إرادته...
دعنا من ماضي الأمس القريب،يكفي أن نستنجد بذاكرتنا لتُعيد علينا ما حدث منذ أيام قليلة قبيل 14 جانفي إلى اليوم...لنعرض شريط الأحداث بتفاصيله اليومية حيث يكاد كلّ حدث منه  يوحي أننا ذاهبون إلى ما لا يُحمَد عقباه...
لكنّ تونس بقيت شامخة ومُلهمة وعصيّة على من كان يُراهن على "صوْملتها" (اشتقاق من الصومال)...
العقبات والمخاطر عديدة وأحيانا مخيفة لكنّ الانجازات التي أسست لما وصلنا إليه اليوم ليست هيّنة أو هي جاءت هبة أقدار...ليس المجال لتعداد ثمار الحصاد ولا أرغب في ذلك  درءا للدخول في مهاترات أو جدال ليس هو غايتي من هذا الفصل...يكفي الحوصلة بالقول:أهم هذه الانجازات هي أنّ المزايدات رغما عن شراستها أبقت على وضع في تونس قابلا للسيطرة على انحرافاته...هو أفضل من أوضاع بلدان عربية أخرى تعيش ظروفنا...الحياة العادية متواصلة دون إرباك كبير...الناس يلتقون ويتحاورون ويتبادلون التحية والقبل رغم اختلافهم وأجنداتهم المتباينة...الجميع ينعم بالحرية بجرعة مبالغ فيها أحيانا...لا انقطاع في الماء ولا الكهرباء ولا شُحّ في الخبز (البعض يتذمّر من نُدرة المياه المعدنية) ...كلّما اشتدّ الاحتقان استطاعت الأغلبية أن تهدّئ الأوضاع بالاهتداء إلى أرضية مشتركة تتدارك بها التصدّع الذي يستهدف الوفاق الوطني...
ثمّ لا ننسى أنّ هناك أطرافا خارجية على الخطّ تسهم في خلط الأوراق لكنها لم تقدر على بعثرتها أو "تغييب بعضها"...لا ننسى أيضا أنّ المواطن العادي وحتى الكثير ممن "يدّعون في العلم فلسفة" علموا القليل مما هو غير معلن وفهموا القليل من رسائل المعلن...يجب أن نفهم مجريات الأحداث من حيث منطلقاتها ونتائجها...يجب أن نُسيطر على قدر أوفر من المعلومات الظاهر منها والخفيّ ليكون التقييم لمآل راهننا أقرب للصواب...
من جديد أنا مُصرّ على تفاؤلي لا لطبع جُبِلت عليه،إنما لقراءة مقتنع بها ترى الأشياء ليس فقط من خلال الزّبد والفقاعات والصخب والضجيج والصراخ إنما أيضا من خلال ما وراء كلّ ذلك وإلى أيّ نتائج يُمكن أن يؤول....
إنّ التاريخ لا يصنعه المثل الذي يقول "تسمع جعجعة ولا ترى طحينا" إنما هو في شموخه تلك الإرادة الشعبية التي التقت على نحت مستقبل أفضل لتونس...
أنا متفائل،متفائل،متفائل رغم كلّ الأنواء والمخاوف....

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !