إنها تنصت لي باهتمام ..حتى ساورني الشك من تركيزها وهي تنظر إلي وسألتها: "ألالا مولاتي واش انتي معايا؟" ثم ردت:"احشومة عليك أوردة والله الا بالي معاك غير كملي".. كان حديثنا إجمالا يتمحور حول عالم الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة.. وأخبرتها بفائدة المدونات كمساحة شخصية نكتب فيها ما نريد ولمن نريد ولا نريد وبدوت كأني أشجعها وبحماس. فعلاقتي بها عملية ولكن ما يربطني بها أكثر هي طيبتها.
ـ أنت عندك مدونة؟ سألتني
ـ عندي بعد. أجبتها
ثم اتصال هاتفي مطول يقطع الحديث إلى إشعار آخر.
...
بعد يومين جاءتني متهللة الوجه مبتسمة ثم أعطتني ورقة بعجالة بخط اكتشفت جماله فقط لحظتها. وقالت : ـ أرجوك وردة ديري لي هذي عندك فمدونتك ياك تقدري؟
ـ وعلاش لا نقد بعد شنهو فيها؟
ـ قصة وصافي بغيتها توصل!!!
وقبل أن أطرح سؤال آخر هرولت مسرعة لمكتب آخر.
ثم بدأت أقرأ ما كتبت..لقد كانت قصتها مع صغيرتها بدأتها كالتالي:
صغيرتي تبدو غريبة هذه الفترة أعجز عن فهمها أحيانا.. أحس بها منطلقة .. تطير فرحا وحزنا دون سابق عهدي بحدث مميز يعكس ذلك.. وأظنه مزاجها المتغير دوما وفقط .
صغيرتي فوضوية للغاية قنينات العطر وروج وطلاء أظافر وأوراق وجهاز p.c "كله مع بعضه وكله على بعضه" ..حتى رواياتها المحبوبة لا تحتفظ بها إلا على فراش نومها وكأنها لا تستعذب الكلمات إلا وهي مخدرة كمن يستسلم للنوم.. وتنام وفي يدها المحمول. لم أكلف يوما نفسي عناء السؤال عمن تسامر صغيرتي في ليلها؟..ثقتي فيها أكبر من كل شئ..حتى لو كان حديثا هاتفيا هامسا جانبي وهي تكرر"آلو آلو ألو" حتى أخال أنها تتحدث إلى نفسها أو أن حديثها فقط "آلو" ..
..
أتعقب صغيرتي دوما محاولة إصلاح ما أفسده الدهر في تربيتي لها..هي الفوضى ..عذابي معها..صغيرتي جعلتني متأهبة دوما لتعقب أثرها في كل شئ..ورغم كل شئ هي حلوة.. لطيفة..عاقلة حينا ..ومجنونة أحيانا أخرى..
أناديها كثيرا يا روحي..إنها أكثر من يحس بي..يستشعر ألمي..حزني وتعبي..تهوي إلي تحتضنني بعد يوم غياب بحب.. وحنان..ثم تسرع لأشيائها لتبدأ دورة جديدة من الفوضى..ورغم ذلك سعادتي بها لا توصف.
..
بين دفاترها وجدتها ..كانت قصاصة ورق كتب عليها بالأزرق بغير خطها:
أرفض المسافة التي بيني وبينكِ وأجعلها عدم ..حتى العدم يتلاشى
ثم وبالأحمر وبخط يدها :
المسافة يا رائعي قدر..قدر يعدمنا كل يوم وقدر قد أعدمناه ..فقط أنا وأنت
..
وقعت أرضا..أناشد الله ألا أجن.. يااالله.. يا لحيرتي..ما هذه الكلمات .. ما هذه المشاعر؟؟ ومن يكون رائعي هذا؟؟ الذي كلماته تقتحم سكون النفس؟؟ ما هذه الروعة في المشاعر وهذا الرفض وهذا التحدي؟؟
..
استرجعت أنفاسي ثم أدركت أن قناعات صغيرتي قناعاتي ..وقلبها مملكة لنبضاتي..وقبل أن يكون رائعها، الأكيد أنه رائعي..
آن لصغيرتي أن تحيى..آن لها أن تضخ وردا وعطرا في قلوب أخرى كما تضخ فيّ..آن للدنيا أن تعزف من جديد موسيقى.. تسمعها هي ورائعها ..وتعينهما على رفضه "المسافة والعدم"، وتحديها "المسافة والإعدام".
..
وتوتة توتة خلصت الحدوتة يا أصحابي.
التعليقات (0)