مواضيع اليوم

صرخة من أجل الكرامة الإنسانية

د.هايل نصر

2012-05-07 08:07:14

0

"الموت ولا المذلة". يا لها من صرخة أطلقتها حوران ورددتها كل المدن والقرى السورية. صرخة أقسمت أن لا تصمت إلا بالوصول إلى الكرامة. صرخة بعد نصف قرن من فرض المذلة على شعب بأكمله بالحديد والنار. الموت ارحم من المذلة في عرف الأحرار, ولكنه كان يأتي بعد المعاناة من المذلة. خلال نصف قرن تعاقبت مجازر تتلوها مجازر في كل مرة يرفض فيها السوريون المذلة. يريد الطغاة بناء عروشهم على المذلة وعلى الرفات. كانت الملايين تساق سوقا للشوارع لتهتف بالروح بالدم نفديك يا قائد يا خالد. إذلال الملايين وهدر كرامتها لبناء زعامة وزعيم. يا لسخرية الأقدار!!! في أي دين أو عرف أو قانون يهان ويُقتل الإنسان ليُعظّم إنسان (لا تُعرف قرعة جده من أين) ويُنحت صنما يُنصّب فرعونا على من خلقهم الله أحرارا متساوين وكرمهم تكريما.
الموت ولا المذلة صرخة لخصت نضال الإنسان طوال التاريخ في بحثه عن الحرية وعن الكرامة الإنسانية. فقد قامت الأنظمة السياسية لخدمة الإنسان وحماية حريته وكرامته, فردا, وعضوا في مجتمع, ومواطنا في دولة.
فبين الدولة ونظامها السياسي ــ المفترض انه مُمثل للدولة ومُجسد مقومات وطبيعة وقيم مجتمعاتها ــ وبين الحقوق والحريات الاساسية , ومنها, بشكل خاص, كرامة الكائن البشري الذي هو مواطن هذه الدولة, او المقيم فيها اقامة مؤقتة او دائمة, او حتى السائح وعابر إقليمها, يقوم, ومنذ زمن سحيق في القدم, صراع غير متكافئ. الدولة بسلطاتها وأدوات قهرها من جهة, و الإنسان المستضعف من جهة اخرى. الانسان الذي لم يتخل يوما عن مطالبه بكرامته وبالحريات وحقوقه الأساسية. والدولة الرافضة لها , او المماطلة في تحقيقها, أو المتقاعسة عن تطبيقها.
نضال الانسان المرير في هذا الاتجاه عبر العصور, قاد إلى ما وصل إليه جزء من البشرية في اجزاء محدودة من المعمورة, الى فرض الاعتراف بالحريات والحقوق الاساسية. ومع ذلك فان هذا الجزء من البشرية على المساحة المحدودة من المعمورة, لم يتوقف عن النضال لتثبيت ما توصل لفرضه من حقوق وحريات وحمايتها ودفع كل اذى عنها. لم يتوقف عن النضال لجعلها متلائمة دائما مع الواقع ومتكيفة مع كل مستجد في عالم متطور, وفي حركة دائمة. ويرفض في عصر التطور الصناعي والتقدم العلمي والتكنولوجي في كل الميادين, ان يتحول الى مجرد الة تعمل وتنفذ وتُنتج, مقابل توفير شروط "الصيانة" الضرورية لاستمرارية العمل, والقدرة على الحركة والانتاج, وليس لاعتبارات اخرى, انسانية, منها الكرامة, فهذه الاعتبارات إن جاءت جاءت بالتبعية, وليست لأنها هدف في حد ذاته.
نضال الإنسان قاده إلى بناء دولة القانون والمؤسسات في انظمة ديمقراطية لم يعد يرضى عنها بديلا, ولم تعد الدولة نفسها بقادرة على الخروج عنها ولو اراده أو حاوله بعض حكامها.
في نسيج الكرامة الانسانية التقت و تلتقي تأثيرات الفلسفة بمذاهبها, والاديان على اختلافها, والحقوق بأنواعها, والعادات والاعراف المتواترة أو حتى المنقطعة. قد تتباين بعض مكوناتها, حسب الحقب الزمنية, وحسب المناطق الجغرافية, والثقافات, والحالات الذهنية للفرد والمجتمعات.
في العصور القديمة الكلاسيكية كان ينظر اليها على انها الشرف ولم يكن لها المعنى المعاصر. فتراها المسيحية في إكرام الله للإنسان حين " خلقه على صورته ". ويراها الإسلام مكرمة للإنسان من الخالق: كرم الله الانسان تكريما... وفي بعض الفلسفة كان الفيلسوف كانت يرى انه معترف بها لكل إنسان عاقل. كما أشارا لفيلسوف بول ريكار Ricoere إلى أن الكرامة "شيء واجب للكائن البشري من واقع كونه عنصر بشري.
في جوهرها تبقى الكرامة الانسانية لصيقة بالطبيعة الإنسانية للإنسان, منتقلة إليه, حسب البعض, من إرادة الله , أومن الطبيعة , حسب البعض الأخر, لتدخل طبيعته وتسقر فيها, ولتصبح غير قابلة للانفصال عنها. فهي خاصية, إن نزعت عنه يستوي عندها مع غيره من الكائنات غير البشرية ويصبح شأنه كشأنها. وتعني فيما تعنيه في الواقع والتعامل, عدم امكانية استعباد الانسان او استرقاقه او اذلاله او تعذيبه جسديا أو معنويا, مهما كان جنسه او لونه او أصله أو دينه, او معتقده...
حسب فلسفة القانون, تمتد جذور الكرامة, التي هي موضوع هذه السطور, عميقا في عصر الحداثة (النظر هنا من الوجهة القانونية) الذي جاء لفرض المفاهيم الانسانية, ووضع الفرد في مركز النظام الاجتماعي. مفهوم الكرامة هذا لم يكن في اذهان العديد من رجال عصر التنوير, وفي الاعلانات الحقوقية,الامريكية, والبريطانية, والفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر, مجرد كرامة فردية أو مجموعة كرامات تختلف من حيث المحتوى والدرجة من فرد لآخر, حسب المركز الاقتصادي والاجتماعي. و لكي تكون كرامة فعلية وحقيقية, لابد لها ان تشمل كل افراد الجنس البشري, ولا بد لها ان تكون متساوية.
الحروب بين الدول, والحروب الاهلية, والانظمة الاقتصادية التي افرزت انظمة سياسية واوضاعا ومراكز اجتماعية وثقافية متفاوتة التركيب ومتصارعة بهذه الدرجة او تلك, لم تسئ فقط من حيث الواقع للحريات والحقوق الاساسية للإنسان, وانما كانت تتعدى ذلك الى درجة التعطيل أو الالغاء الكامل والدائم لها, حسب نوع الدول وانظمتها.
بدأ الوضع يتغير تدريجيا بعد الحرب العالمية الثانية فيما يتعلق بالاعتراف بالكرامة الانسانية. نتائج تلك الحرب بأهوالها ــ لم تكن اكثر بشاعة من الحروب التي سبقتها الا من حيث الاتساع والدمار وملايين الضحايا , لاستخدام كل ما توصلت اليه الدول المتحاربة وقتها من وسائل جهنمية وصلت الى استخدام الاسلحة الذرية, ضد اليابان, ــ كان مجال تفكير ليس فقط لإعادة البناء المادي, ولكن أيضا وبشكل أساسي, لإعادة بناء الانسان. ومن هنا دخل مفهوم الكرامة الانسانية نصوص القانون الدولي. وقرارات الامم المتحدة والمنظمات الإقليمية ..
وسنكتفي هنا بالإشارة للتوجه السياسي والقانوني في هذا المجال للاعتراف بالكرامة الانسانية في النصوص, على المستوى الدولي, والاتحاد الاوروبي, والاشارة لبعض دساتير الدول الاوروبية .
ولا يمكننا, في هذا المجال, التعريج على المنطقة العربية و "دساتيرها" (إن وجد بعضها فهي معلقة من أعناقها) حيث للحديث فيها عن الانسان وحقوقه وكرامته حكايات وشجون وانهار دماء. فأنظمتها منذ عقود تعمل على ابقاء انسانها, الذي لا يقل بشيء عن الانسان اينما كان, خارج كل مفهوم للكرامة. فهل في منطقة يعاني انسانها من الفقر والجهل والأمية, ويسودها الخنوع والخضوع والاقتياد والصمت, ليصبح كل هذا واقعا وثقافة وأعرافا وتقاليد. منطقة يهش فيهاالانسان هشا, ويتوسل دهرا بعض حقوقه التي ان اعيد اليه فتاتا منها يعاد مُنزّلا تنزيلا "بمكارم", تُلزمه مقابلها إدامة الدعاء قياما قعودا شكرا وعرفانا. هل يمكن لهذا الانسان, في هذا الوسط وفي هذه الشروط,الادعاء بانه موفور الكرامة؟. هل لمن يقبل يد مضطهده ويركع على اعتابه ويجري جريا لتثبيته في السلطة للأبد, ولإعادة انتخابه, كاذبا على نفسه, كلما جاء الاستحقاق, هل له الادعاء بانه موفور الكرامة؟ . هل لمن يساق ضمن جيش يُسمي جيش حماة الديار لقتل أبناء شعبه ودك الديار, أو ضمن أمن وُجد لحماية الوطن فانتهك كرامة المواطن وأرعب للوطن, أو شبيح برتبة وزير أو أمين عام, قائد عسكري أو حزبي, إمام جامع أو حسينية, راع كنيسة, أو شيخ عقل أو بلا عقل ودين , حزبي جبهوي, أو إعلامي بلا أخلاق أو ضمير أو مهنية, أو كتاب في داويين السلطان, أو مثقف دعي يبيع ثقافة الاستبداد والطغيان بأبخس الأثمان, هل في مثل هؤلاء شيء من كرامة, أو لديهم أدنى مفهوم للكرامة, أو يمكن أن تتلى عليهم مواثيق ومبادئ الكرامة؟.
ــ "الكرامة الانسانية" في نصوص القانون الدولي ومنظمة الامم المتحدة وبعض الدساتير الغربية:
أدخلت "الكرامة الإنسانية" في القانون الدولي والقانون الدولي الانساني, والعديد من النصوص السياسية والقانونية العالمية بعد الحرب العالمية الثانية.فالإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 حث في مقدمته, الفقرة الاولى, على " ... الاعتراف بالكرامة الانسانية غير المنفصلة عن طبيعة كل انسان في العائلة الانسانية " famille humaine " وعن حقوقهم المتساوية التي تشكل الاساس للسلم في العالم".
كما تعلن مادته الأولى: يلد الناس احرارا متساوين بالكرامة والحقوق. موهوبون بالعقل والضمير,وعليهم التصرف تجاه الاخرين بذهنية الاخوة. وتحرم المادة 5 تعريض الانسان للتعذيب ولعقوبات, او للمعاملة الفظة غير الإنسانية أو المهينة.
مقدمة ميثاق الحقوق المدنية والسياسية , وميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, تنص على انه طبقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الامم المتحدة, الاعتراف بالكرامة غير القابلة للمساس بها لكل اعضاء العائلة البشرية, وحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف فيها, اسس تبنى عليها الحرية والسلم العالمي. باعتبار ان هذه الحقوق تنبثق من الكرامة الانسانية .." الفقرة 1 و 2.
دخلت هذه العبارات كذلك الاتفاقية الدولية ضد التعذيب وكل العقوبات والمعاملات الفظيعة غير الإنسانية, أو المحطة بالكرامة. وتم الاعتراف بها في 10 ديسمبر 1984.
ــ" الكرامة الانسانية" في نصوص المنظمات الاقليمية:
ليسمح لنا القارئ هنا ان نمرر دون تعليق ما جاء في "الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب" الصادر في 27 جوان 1987 " ... الحرية, والمساواة, والعدالة والكرامة هي الاهداف الاساسية لتحقيق الاماني المشروعة للشعوب الافريقية .." (المادة 3). فقط نقول تعليقا على الواقع وليس على الميثاق: على الأفارقة, وبشكل خاص في شمال القارة, ان يناموا قرري العيون فقد حماهم الميثاق الإفريقي, وحمتهم النصوص الداخلية, وحماهم حراس تلك النصوص المؤتمنين على تطبيقها منذ عقود, والمصرين على تسليم الحراسة والأمانة بعد أن يأخذ الله أمانته, أو يقعد بهم الخرف, لحراس من صلبهم ترعرعوا على قيمهم, وعليها شبوا وسوف يشيبون, ولكن الثورات عاجلت بعضهم وحالت دون أمانيهم. الم يكن القذافي المقبور ملك ملوك إفريقيا من حماة هذه الحرية والمساواة والعدالة والكرامة؟.
ــ"الكرامة الانسانية" في نصوص الاتفاقيات الاوروبية:
الاتفاقية الاوروبية الموقعة في 26 نوفمبر 1987 اعتمدت المادة 3 من الاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الانسان لعام 1950 والتي تنص على ان لا يخضع أي إنسان للتعذيب, أو لعقوبات, أو معاملة غير إنسانية, أو محطة بالكرامة. كما الغت المادة 14 من الاتفاقية كل تمييز يقوم على الجنس او العرق او اللون او اللغة او الدين او الآراء السياسية, او غيرها من الآراء. أو يقوم على الاصل القومي, او الاجتماعي, او للانتساب الى اقلية قومية , أو على أساس الثروة أو الولادة او اي وضع اخر".
ــ "الكرامة الانسانية" في القوانين الدستورية الاوربية:
ـ القانون الاساسي الالماني الصادر في 23 ماي 1949 كان قد شدد بشكل صريح وقوي على مبدأ الكرامة. ولم يفته التذكير بمسؤولية الشعب الالماني في الحرب العالمية الثانية, فأعلنت مادته الاولى :" كرامة الكائن الانساني غير قابلة للمساس بها .. وعليه يعترف الشعب الالماني للإنسان بحقوق مصونة وغير قابلة للتصرف بها, كأساس لكل جماعة انسانية للسلم والعدالة في العالم ..".
وقد فسرت المحكمة الدستورية الالمانية محتوى هذه المادة على ان كرامة الانسان هي في الوقت نفسه برنامج دستوري ومبدا في اساس الدولة الالمانية, وحق اساسي للإنسان لا يمكن خرقه. ( ماري ليس بافيا في الحريات والحقوق الأساسية CRFPA دالوز 2008).
ـ في فرنسا, لم يظهر تأثير القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية في الدستور الفرنسي لعام 1946, فيما يتعلق بالكرامة الانسانية, مع انه كان اول دستور يصدر في اوروبا الغربية بعد تلك الحرب. رغم ان المقدمة بدأت بعبارة: " عشية انتصار الشعوب الحرة على الانظمة التي حاولت استعباد واذلال الانسان.." ولم يذهب المؤسسون الى حد الاعتراف بالكرامة الانسانية بمفهوم تجريد الانسان من انسانيته. كما لم يشر اليها دستور عام 1958.لدخول هذه العبارة النصوص الفرنسية كان يجب انتظار قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 27 جويليه 1994 الذي اعتبر ان " حماية الكرامة الانسانية للإنسان من كل أنواع الاسترقاق و الاهانة مبدأ له قيمة دستورية".
الكرامة الانسانية في دساتير الدول الاوربية الخارجة من الانظمة الدكتاتورية اخذت تشير الى الكرامة الانسانية بعد تبنيها الديمقراطية الغربية . فدستور الجمهورية اليونانية الصادر في 9 ماي 1975 نص على ان " احترام وحماية قيمة الكائن البشري واجب اساسي للدولة". وبعد دكتاتورية فرانكو في اسبانيا اعلنت المادة 10 من دستور المملكة لعام 1978 "1. كرامة الانسان والحقوق التي لاتنفصل عنه,والتطور الحر لشخصيته , واحترام القانون وحقوق الاخرين, تقع في اساس النظام السياسي والسلم الاجتماعي".
بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وانهيار جدار برلين عام 1989وتبني دول اوروبا الشرقية النظام الديمقراطي الغربي, دخلت "الكرامة الانسانية نصوص دساتير غالبية تلك الدول. فقد ادخل القانون الدستوري الصادر في 12 جويليه 1991 للجمهورية البلغارية في مقدمته, الفقرة 4, بان الجمعية الوطنية العليا أنشأت " حقوق الشخص وكرامته وامنه كمبدأ سام".
ونص الدستور الهنغاري لعام 1949 المعدل بشكل جوهري عام 1989 في المادة 54 فقرة 1 " في الجمهورية الهنغارية لكل انسان الحق الذي لا يمكن المساس به في الحياة والكرامة الانسانية ..". وأعلن دستور الجمهورية السلوفاكية لعام 1992 في مادته 6 فقرة 1 ان حق كل فرد في الحياة جدير بكل حماية منذ بداية الحمل به".
نكتفي هنا بهذه الاشارة السريعة "للكرامة الانسانية" في بعض النصوص بعد الحرب العالمية الثانية, ولكن هل يعني ادخال عبارة "الكرامة الانسانية" القانون الدولي , والقانون الدولي الانساني, وتكريسها في قرارات منظمة الامم المتحدة, وبشكل خاص جمعيتها العامة, وفي قرارات المنظمات الإقليمية, ودساتير وتشريعات الدول الغربية الديمقراطية, ان كرامة الكائن الانساني باتت في مأمن من كل خطر؟,محمية ومصانة؟.
بين النص والواقع فارق كبير.النضال الذي يخوضه الانسان من اجل كرامته لا يهدف فقط للإكثار من النصوص والتفنن في صياغتها, ولا لمجرد جعل تلك النصوص واضحة وقابلة للتطبيق, وانما ليكون هذا التطبيق فعليا شاملا, ومخالفته, اي كان فاعلها, معاقب عليها جزائيا. ويخضع لرقابة واختصاص السلطة القضائية المستقلة العادلة.
هذا مع التذكير ان:
ـ الكرامة الانسانية ليست عنوانا معزولا, انما هي مرتبطة بمجموعة حقوق وحريات تشكل كلا متكاملا, فيه الاقتصادي, والسياسي ,والاجتماعي, والثقافي. انتهاك اي منها هو انتهاك لكرامة الانسان.
ـ الكرامة الانسانية باعتبارها لصيقة بالإنسان, لمجرد كونه انسان, تشمل كل افراد الجنس البشري. اليس هذا ما تقوله النصوص؟. اليس قصرها من حيث الواقع على الغرب والانسان الغربي مخالفة صريحة لتلك النصوص شكلا ومحتوى؟.
ـ في بعض الغرب عنصرية صريحة أحيانا, ومستترة دائما, تذهب بالتعارض مع كرامة الإنسان الذي لا ينتمي بأصوله لغير هذا الغرب, حتى ولو حمل جنسيته. بماذا يمكن تفسير تهديدات رئيس دولة عُرف عنها, وتُعرّف بنفسها على انها دولة حقوق الانسان, بسحب الجنسية الفرنسية ممن هم من اصول اجنبية, في حالات ارتكاب جرائم معينة لا تسحب بسببها جنسية اي فرنسي من اصول فرنسية؟. اليس في هذا اعتداء من رأس الدولة على الكرامة الإنسانية, وتمييز صارخ بين أصول مواطنيه المنتمين لنفس الدولة, ولنفس الجنس البشري المتأصلة فيه الكرامة الانسانية, حسب النصوص الفرنسية؟. ( ليس هذ الا مثال حديث جدا بطله الممثل الأول للدولة وقيمها والناطق باسمها).
ـ السكوت ( حتى لا نقول التواطؤ ونثير ضدنا بعض أبناء جلدتنا "المستغربين شططا" ولا يميزون بين ما هو سياسي نفعي وانتهازي, وبين ما يدخل في القيم والمبادئ والحقوق, كما يفعل احرار تلك البلدان الذين يقفون بجرأة وصلابة مع القضايا العادلة المتعلقة بالإنسان وحقوقه وكرامته اينما كان وكانت. ولنا في هذا أن نضرب مثلا واحدا, حيث خرج مئات الآلاف من الفرنسيين في كل المدن الكبرى للدفاع عن حقوق وكرامة الغجر المرحلين من فرنسا, وتعسف السلطة في ذلك)على اسرائيل "الديمقراطية" بسلبها حقوق الانسان الفلسطيني, ومنها حقه في الحياة , وحقه في ارضه وممتلكاته, بشكل يومي وممنهج, واضطهاده بممارسة كل انواع التعذيب الجسدي والنفسي ضده, والعمل على تدمير كل ما فيه من صفات انسانية, هل لا يتعارض كل هذا مع الكرامة الانسانية المكرسة في النصوص؟. وهل لا تشمل هذه الكرامة الانسانية الانسان الفلسطيني؟.
ـ سكوت الغرب على انظمة شمولية تمارس علنا ويوميا وعلى مسمع العالم كله,سياسات اضطهاد الانسان , من زهق للأرواح وتعذيب وحشي, جسدي ومعنوي,الا يعتبر هذا السكوت تواطؤ يذهب الى حد المشاركة الفعلية في انتهاك الكرامة الانسانية من قبل المبشرين بدخولنا قرن "الكرامة الانسانية"؟.
ليس بالنصوص وحدها تتحقق الكرامة الانسانية, وانما بالعمل على تطبيق هذه النصوص بإخلاص وصدق ونزاهة وكرامة.
ومن هنا القول اليوم, ماذا تعني الكرامة الإنسانية في الاتفاقات الأوربية, وفي القوانين الداخلية للدول الأوربية, وما قيمتها إن لم تخرج من النصوص إلى الواقع؟. هل ما يجري في سوريا يجري على كوكب أخر خارج اختصاص هذه الاتفاقيات والقوانين؟. هل الإنسان السوري في كل هذا غير معني وليس من "العائلة الإنسانية"؟. الم يقدم من اجل الكرامة تضحيات لم يسبق أن قدمها قبله إنسان؟.
لا تلام النصوص فهي في غاية البلاغة والدقة والتقنية, ولكن العيب كل العيب في الرؤوس التي لا تنحني بصدق لتلك النصوص ولا ترى في ذلك خيانة للكرامة الإنسانية.
ومع ذلك لا يستجدي السوري أحدا, ولن يلين عنفوانه, سيبقى يصرخ الموت ولا المذلة إلى أن يقهر الموت ويصل إلى الكرامة والحرية.
د. هايل نصر

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات