مواضيع اليوم

صرخة في وجه الثائرين

جمعة الشاوش

2011-07-18 17:18:13

0

عتبي عليكم شديد أيها الثّائرون العرب،يا من زلزلتم الأرض تحت أقدام حكّامكم الطغاة.
أسألكم،وفي العين دمعة وفي الحلق غصّة،سؤالا لجوجا مُرتابا:هل الثورة فكُّ قيدٍ نحو مجهول يتكفّل بتحقيق أغراضها أم هي انعتاق من دهاليز الظلام إلى حيث نور الأفق الرّحب الذي تنشدونه؟...
أسألكم والضباب يُعتّم الرّؤية : هل تنجزون ثوراتٍ ميمونة تعانق إرادة الشعوب أم تنقادون إلى استدراجِ عفّتها لمنعطفٍ سريالي عبثي بلا غاية غير انتفاضة جريح ذبيح ؟..
معاذ الله أنْ أتّهمَكم بالغباء وسوء التقدير أو أن أنتقص من شرف تضحياتكم ونُبل مقصدها،إنما أعتب عليكم لأنّكم أوقعتم شعوبكم التي انخرطت في حركتكم الثورية بقوّة في شرَك مأزق خطير،شعوبكم التي لولاها لما كان للثورة وجود ولا معنى،هي اليوم لا تدري السبيل الذي يُجنّبها احتمالات بَأس المصير وبُؤسه...
تُرى هل نكتفي بالتّعلّل بما قاله ذلك المفكّر السعودي الثائر الذي رموه بالكفر والجنون :"إنّ العاجزين عن الإبداع والتكافؤ مع الظروف كثيرون وليسوا العرب وحدهم...قد يكون الصّواب أو العدل محاكمة الذين أبدعوا الحضارة لا الذين عجزوا عن إبداعها."...هل أننا إزاء ثورة عقيمة حبُلَ بها رحم سنة 2011 لن تُنتِج لنا إلاّ ما أنتجته ثورات سابقة من خيبة وإحباط في تاريخنا الحديث؟..إنّي لأصرخ منتفضا خوفا من مجرّد طرح كذا سؤال...
سادتي الثوّار العرب المنتشين بفعلكم الثوري الآسر لوجداننا والمعلّقة عليه آمالنا،يا مَنْ خرجتم من قمقم غضبنا المكبوت و لعْـنتنا لحياتنا الوضيعة التي اقتاتت من خنوعنا وجُبننا،وإصرارنا على أن نُعاود الكرّة من أجل معانقة صبح جميل...سادتي الثوّار،صدّقوني،إننا،هنا،في قلب عاصفة الثورة مذعورون تحسّبًا من دكتاتورية عاصفة تقذف بنا حيث لا نريد،وفقا لمشيئةٍ تختلف عن مشيئتنا...تُرى هل نحن الذين صنعوا العاصفة أم هي التي داهمتنا لتصنع بنا ما تريد ؟..
في تونس- ثورة الياسمين- كما رُوِّج لتسميتها تسويقا مغريا أو توصيفا منصفا لانطلاق شرارتها،ما إن أُعلِن عن إشراق صبحها الجديد بفرار رموز "مافيا السلطة الحاكمة"،حتى اكفهرّت السماء وكستها غيوم كثيفة سوداء اختلف المزايدون في تحديد طبيعتها،إذ رآها البعض إيذانا بغيث نافع في حين رآها كثيرون نذيرَ شؤم...مهما اختلف المختلفون،فإنّ وتيرة تسارع التوتّر والاحتقان لا تساعد على الانشغال بمعالجة هموم الناس الضاغطة الذين يستمرّون لوحدهم،رغما عنهم،في دفع تكلفة يتضخّم ثمنها قطعا للأرزاق وزهقا للأرواح البريئة وبذرا للذغينة والحقد وتشريعا لحجّة القوّة وبالتالي تخويفا من احتمال انسداد الآفاق حيث لا "ياسمين" في ذات الثورة رائحةً ولا لونًا غير ادّعاء خادع سرعان ما أبَان عن مشهد،أقلّ ما يوصف به،أنه غير مطمئن،بالنظر إلى تراكُم حصيلة ما يُحصد يوميا من فوضى ودمار وانزلاق إلى وطن تحكمه شريعة الغاب...أما ثورة مصر/الغضب/الكرامة/25 يناير 2011 فهي،اندلاعا ومسارا،لا تختلف كثيرا عن الثورة التونسية ولم تنح في راهنها منحى مغاير فيما آلت إليه الأوضاع إلا في تفاصيل يجوز إهمالها اختزالا وانشغالا بدلالات الأحداث لا بتفاصيلها...
بداية اندلاع شرارة الثورة في تونس،كما في مصر،كان الأطفال الصغار الصغار يُلحّون على آبائهم وأمّهاتهم أن يصطحبوهم لا إلى فضاءات ألعاب إنما إلى ميادين الثورة حيث المشهد عنيفا تعانقه براءتهم...أما اليوم فهم يخافون كلمة "الثورة"،يريدون أن يعودوا إلى عبثهم الصبياني الذي سرقه منهم الكبار بعد أن فصلوه عن براءة الطفولة...متى كان عبث الكبار بريئا ؟ا...
يا من أوقدتم جذوة الأمل في شعوبكم، أيها الثوّار الشباب في تونس ومصر،عتبي عليكم لأني أرى فيما أراه أنكم أودعتم استكمال المشوار للكبار.أيّ كبارٍ؟.ا..: القامعون والمقموعون والمفكّرون والدّعاة الورعون والزنادقة،جميعهم يجرّون أذيال صراعاتهم وخيباتهم،ويشْكون أمراضَ تراكم أحقادٍ دفينة في قلوبهم،لا يرون المستقبل إلا من خلال تصفيّة حسابات الماضي،لذلك فما يدّعونه باسم ثورتكم،ليس إلا فنونا من الخديعة والتزلّف والكذب والبهتان...لا تُصدّقوا خطاباتهم المحرّضة على مقاومة عدوّ لا وجود له اليوم إلاّ في إصرارهم على فرض إيديولوجيات على شعوبٍ تريد خبزا وكرامة وحرّية خالية من ملْحٍ إيديولوجي أو مذهبي أو طائفي...لا تُصدّقوهم وهم يُعرّون قبح بعضهم البعض وأنتم الذين،لم تطلبوا منهم ذلك،بل منحتموهم،على مختلف مشاربهم ثقتكم ودعوتموهم بما في ضميركم من نقاوة إلى تصريف جهدهم وخبرتهم فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض،فاستكبروا وأبوا إلاّ أن يُمارسوا لعبتهم البغيضة المعهودة إعادةً لخلط الأوراق كلّما تراءت النتائج للحسابات الضيقة غير مضمونة...

لكن هل نَعْتَبُ على الثائرين في أرجاء أخرى من الوطن العربي ؟..في ليبيا واليمن وسوريا حيث الثورات السلمية انزلقت إلى ساحات حرب مروّعة وبشعة وأضحت التضحيات من أجل الحقّ الطبيعي في الحرّية تحصد جثثا متناثرة بالآلاف وتُسيل أنهارا من الدماء الزكية ودموع الثكالى والمستضعفين وتدفع بعشرات الآلاف إلى الهروب من موت يتهدّدهم هائمين تائهين مشرّدين خارج أوطانهم...تلك ثورات أخرى يضطرّ القائمون عليها إلى الاستنجاد بقوى الدّول الأجنبية المهيمنة،في السرّ أو العلن،بشكل مفضوح أو على استحياء،طلبا  للخلاص ممّن كانوا بالأمس حكاما طغاة فأضافوا لذلك وصمة سفّاكي دماء ومجرمي حرب ضدّ شعوبهم التي يحكمونها بعقيدة :نحكمكم أو نقتلكم...
أيْ نعم نَعْتب،أيضا،على ثوّار ليبيا واليمن وسوريا لأنهم وقعوا ضحيّة استسهال الفعل الثوري اقتداء بنموذجيْ تونس ومصر الذيْن ما كان يصُحّ الاقتداء بهما في حالة أوضاعٍ مغايرة على مستوى طبيعة الأنظمة وعلى مستوى أرضية رخوة مناورة عالميا،أيْ أجندات  مشبوهة للفاعلين في صنع الحدث من الداخل والخارج...

ما كان لثوراتٍ تقوم من أجل الإطاحة بأنظمة حكم لا تسندها شعوبها أن تستوجب دفع كلّ هذا الثمن الباهظ وما يُمكن أن يُفرض استزادة دفعه بكلّ فواجعه وأهواله ومفاجئاته في حين أنّ الاستحقاقات المطلوبة بعد سقوط الأنظمة المستبدّة تستوجب لبلوغها أن تكون الشعوب متعافية في قمّة البذل والصفاء دون أيّ حالة إنهاك شعبي...

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !