صرخة عصفور
في أنين رياح شرقية، وهبات أمطار رعدية، واكتضاض سفن خيالية، واعتبار لولع منسية، هبت عاصفة نموذجية.
كصورة حالمة نادرة فارغة تذكرتك، تذكرت أيام الوصال بين شاطئ الأمواج المتضاربة تلتف فيما بينها كأوراق كتاب لا تريد مطالعته والأكيد أن انتهاءه انتهاء أوراقه المطوية.
بألحان شذى عصفور مهاجر يرف الآن هنا وتارة هناك، يبحث عن الدفء في أحضان شجرة هدها الزمن من الانتظار ومن الانكسار، تراه ها هنا ينتظر الآتي بألم وخوف عساه أن يكون جميلا لكن الأمل أصبح حلما عندما يموت بين أغصان هاته الشجرة باردا جامدا ضعيفا مسكينا لا أب له ولا أم حنون.
باختبار تلميذ لامتحان السنة الأخير، يحاول التذكر محاولا التذكر دون تذكر لكنه يحاول عسى أن تخطو فكرة ذهنه فيستبقها إلى الكتابة خوفا من الهرب نحو اللاوعي وتأخذ بعدها أوقات وسنين أو دهرا أو حتى لا يمكن.
رأيت عما قريب موجة تكاد تخترق السماء من علوها محاولة أن تكون بقدر قدها سمكها فتمس يدها وتحضن راحتها فتنهوي إلى الأسفل من الصاعقة.
وبين نفحات رجل مسكين يتصاعد من فمه شرارات الأسى والضياع يبحث عن الهدوء في صدعات الزمن الذي يخلف مثله آلاف وآلاف في شوق إلى الحلم بالاستيقاظ يوما ما على الحلم ذاته في سكينة، إلا أن الواقع حدا حدوه برصاصة قاتلة خلفها الزمن على مستقبله هيهات ثم هيهات.
لكم استهوى الجميع أحلام فتاة يافعة أن تنتظر بشغف من يدق بابها أو من يلتفت صوبها أو من يسألها كم الساعة؟. أتراه فارس أحلامي أم مستقبلي الآتي أم صدمة انتظاري.
فتراها تدق جدران العرافات بحثا منها عن المستقبل الواعد في ثنايا التراهات والمستقبل الذي لا وجود له عساها أن تتأمل وتحلم كبقية الفتيات وتكون لها أزهار حمراء من بستان قصر كبير وسيارة فارهة وخادمة تخدمها وسائق يأخذها بين الفينة والأخرى إلى متاهات لا حدود لها.
وكم ظلم أهل الغرب أولادنا عندما يخيل إليهم أن المستقبل في أحضان امرأة غربية بعيون خضراء وشعر أصفر وبشرة بيضاء تحجب الشمس عنها فهي كبدر أول الشهر وقمر انتهاءه،
لكم سرق البحر شبابا عزة سنهم بكاء أهلهم وانتظار عرس زوجة تأمل أن يرجع البحر نحوها ويحضر البعيد إلى القريب، وأن يخمد بركان شوق أم إلى أحضانها صراخ أبنائها، وأن يلق الأب جماعة أسرته بصالون بيته ضحاكات وابتسامات وبراءة منهم إلى لمس محيا السلام.
هذا وهذا ما غرسه الزمن على مر السنين فاكتسبه البعض وهرب منه البعض وانتظره القليل، بصيحات من الأحلام الضائعة وببراءة شباب يافعة، ناضجة تتخبط بين جدران الواقع إلى الأمل... إلى الأمل الموجود ها هنا داخلنا يرثي لحالنا يستبق تفكيرنا يسري بعروقنا ها هنا ينتظرنا بانكسار وتأمل إلى الخطوة القادمة.
هذه الخطوة زرعها شبابنا، خطوة نحو الحرية والديمقراطية، خطوة نحو الحلم والأمل في نفس الآن، خطوة بفكرة ساذجة تحولت إلى رصاصة قاتلة تأبى إلا أن تترك مكانا لها وليتذكرها الجميع وأن لا مكان إلا للأحرار.
هكذا استيقظ اليوم على دماء بريئة تحكي حكاية شعب صامد، شرب منه الزمن شبابا بدون هوية وسرق أحلام فتاة وشيخ وأم وأب وابن وحفيد وجدة وجد وغيرهم كثير، وترك البعض يتيم في أروقة الشوارع يتجولون عسى أن تأخذهم يد رحيمة وتسكنهم بيتا صغيرا يدق جدرانه بالحنان والثقة.
التعليقات (0)