مواضيع اليوم

صرخة حب صعدت للسماء

سـامي جلال

2009-06-20 18:24:39

0

هناك عند قمم الجبال و انزلاقات الوديان و سهولها المنبسطة الرحباء, في قرى خارج اسوار المدينة بين سكانها البسطاء الكرماء, كنا متمردون عابثين بالأرض فسادا كما صنفتنا سلطات المدينة, كنا نقتطع من اراضي الأغنياء و نوزعها على الفقراء و محاكمنا القانونية لم تكن تحويها سقوف كونكريتية بل ظل شجرة او فضاء السماء و نختزل الوقت في الأحكام و نظرا لأفتقارنا لسجون و مراكز التوقيف اذكر اننا اجبرنا قاتلا ان يسلم نفسة لسلطات المدينة بتهمة القتل كي يسجن هناك و ننهي حالة ثأر بين عائلتين...
كنا حين نرفع عن رؤوسنا طاقية الأختفاء وقت هروب الشمس لمخبأها بعد ان اثقل كاهلها نهارا مشرق في تواصلها مع معايشة الناس في ممارساتهم لحياتهم اليومية .. كنا نرتجل من قلاعنا في الطبيعة و ننزل لحياة هادئة مؤقتة ننفض عنا عناء غبار النهار الذي اثقلته علميات المطاردة و الهروب بيننا و بين جيش المدينة ,كلعبة الكر و الفر التي يمارسها الأطفال.. تارة يلاحقوننا و تارة نلاحقهم و هكذا المنوال .. كان في ظهورنا رهبة حب خاصة بنفوس الناس البسطاء الذين كانوا يهرعون لأستقبالنا بالترحيب و العناق الحار يتطلعون في ملامحنا أملا انهم لم يفتقدوا وجها ألفوه سابقا و يتطلعون بما تحمله اجسادنا المنهكة من عتاد و سلاح عسى يروا قطعة حديد جديدة يتفاخرون بلمسها و حملها و يختبيء الأطفال الهاربين من المدرسة و المقصرين بواجباتهم المدرسية خلف الجدران و يتطلعون لعذر كي لا يطول غيابهم عن مشاركتهم للأطفال الأخرين الذين يشاركون الكبار في مجالس الحديث معنا .. تلك الليالي التي كنا نقضيها بين هؤلاء الناس و تختلط فيها المشاعر و الأحاسيس و هموم الحياة و لا احد فيهم كان يفكر في كوننا بشر مثلهم نحمل في ثنايا مكامننا مشاعر كباقي البشر و لدينا هموم و مشاكل مثلهم و كوننا نحمل تلك قطعة السلاح لابد لنا ان نخفي تلك المشاعر .. فهؤلاء المقاتلين الذين يواجهون تلك قطع الحديد التي تغتصب السماء و تهرب منها كل الأحياء الطائرة و المجنزرات الحديد التي تقسي على الأرض و تكتم انفاس النباتات حين تمر فوقها لا يمكن لهم ان يكونوا كباقي البشر طبيعيين .. و قوانيين تعاملنا مع هؤلاء البسطاء من الناس كانت تفرض علينا العديد من الأمور التي جردتنا من الحياة المدنية و رأوا فينا عبدا لذلك الزي الذي يحتوينا.. هذه الرهبة لم تبعد عنا فضول الأنثى القروية التي كانت ترى فينا عكس الرجال و الأطفال و تعلم مكامن الضعف فينا و غرازنا الرجولية.. في حضرتهن كان الأمر يختلف , حين يتهاتف لسمعهن اننا قادمون تختلط الأعمال بين موائد العشاء و ترتيب غرف ديوان الضيوف و ما تصله يداهم لما حصلوا علية من زياراتهم للمدينة من عطور و مواد تجميل بسيطة لأطفاء لمسة عسى تفعل مفعولها من نظرة عابرة , المقاتل فينا حين كان يخلو بفسه و يتطلع للسماء ليرى اين هو من هذا العالم و صراعه بين المباديء و الأعتزال عن الدنيا كالرهبان ... افكار تستجدي الحياة الهادئة بين احضان الحياة المدنية و حب من نوع أخر في ظل كهنوت المرأة و طقوسها المقدسة , لماذا تورادنا صورتها كلما شردنا بأذهاننا للجانب الأخر من صورة الحياة لماذا هي ليست في مكونات حياتنا اليومية الحالية , ماذا لو انتهت هذه الظروف تساؤولات كثيرة تتراود من خلال الحنين لحياتنا الطبيعية في زمن أخر غير الذي يبتلينا .. و على غفلة بين احلامنا و متاهاتها دق ناقوس الأنذار بصوت رهيب لم نعتاد له, افزعت فينا خوف ظلام الليل السارح في ازقة القرية و بيوتها المبنية من الطين, كانت صرخة انلطقت من حنجرة انثى اعلنت الحب علنا و يداها مكبلة للخلف و خصلات شعرها المنثور تتارجح مع بكاءها و دموعها التي لم تمنع عنها التوسل لفك قيودها كي تحتوي شابا يرتدي زي مقاتلينا منزوع منه السلاح يتفجر الشرر من عينيه ضد مكبليه و " يصرخ دعوها , حبنا طاهر , لم نقترف خطأً " و نظراته راحت تحوم حولنا نحن المشدوهين بين ما ترى اعيننا و جهل ما يحدث .. جاذبية الأرض اوقفت حركة جسدنا, ثبتت اقدامنا فلم نعد نحس الحركة حتى ايقضتنا انظار الجميع للدار التي خرج من بابها حكماء و شيوخ القرية يتبعهم قائد مجموعتنا لا تبدوا عليه ملامح الخير , مد يده لي و ناولني قصاصة ورق ارتجفت يدي و اهتز بدني حين طالعت سطورها " لا.. لا يمكن هذا , هذا هراء , افعل شيئا انهما عاشقان لم يرتكبا جريمة " ألتفت للأخرين استنجدهم بان يعينوني و يمنعوا تنفيذ ما تطلبه قيادتنا العليا بالرضوخ لهؤلاء الشيوخ البالين هؤلاء الذين سيهوون ارضا مالم تسندهم تلك العصي الخشبية لتوهم الأخرين بتوازن اجسادهم الهزيلة , هؤلاء الذين يصارعون خطوتهم التالية كي لا تبتلعهم الأرض في قبورها, تلك اللحظة احسسنا كم ضعفاء نحن و لم تسعفنا اسلحتنا و رهبتها في العاب الكر و الفر في لعب الكبار , نحن تخافنا الأشياء و نلعب بأقدارنا مع شبح الموت هزمتنا مجموعة من الكهول , نزعت منا الشجاعة في اطلاق صرخة و ليس طلقة .. كل ما استطاع قائد مجموعتنا ان يفعله هو ان تتكفل مجموعتنا بامر رفيق نضالنا و يتكفل اهل الفتاة بها .. جاءني امر تنفيذ جريمة الأغتيال هذه دون الأخرين , كنت اغمض عيني و انا اوجه مسدسي إلى رفيقي في السلاح اشهر مسدسي على رأس شابا قاتل لأجل قضية الأخرين و خسر قضيته , رفض ان تعصب عيناه كي يتطلع على قاتله من بين رفاقه و انا اغمض عيناي كي لا ارى على من اطلق النار و في مخيلتي اراه بوضوح كيف يتفرس وجهي و ماسورة مسدسي , السكون و الصمت الرهيب كان ينتظر ان تضغط سبابتي على زناد المسدس, لكن دموعي لم تتوقف .. و سبابتي لم تسعفْ او تتجرأ , ضعفت قوة يدي فخارت, فحشرت مسدسي في غمده و سحبت جسدي المتثاقل بالدموع إلى خلف الجموع و أومات لقائد مجموعتنا برفضي ان اغتال هذا الحب و حين نظر للأخرين لم يجد فيهم من سينفذ جريمة الأغتيال هذه, عندما تابع الأخرين خطواتهم بأتجاهي و غفلة منا هزت مسامعنا صوت اطلاقتين كانت نفذت برأسي الحبيبين من قبل ذوي الفتاة لتغتالهم و تغتال الحب الذي لم يستطع ان يجمعهما احياء .. هرعنا من خوف كان يلبس نفسه على الغضب الذي يعترينا و حملنا رفاتهما و ركضنا بهما خارج حدود القرية , نجري كأن جيشا كان يطاردنا ونحن نحمل شهداءنا لم نكن نعي مِنْ مَن نهرب و إلى أين نجري , حتى تثاقلت اجسادنا من التعب و توارينا عن تلك القرية الملعونة .. خلقنا مراسيما من وحي تشتت احاسيسنا التائهه و اودعناهم في احضان الأرض وديعة تحت تراب واحد و خطينا على قبرهم .... صرخة حب صعدت للسماء
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات