المشكلة التي يعاني منها الإعلام في الوطن العربي في تعاطيه مع الصراع العربي-الإسرائيلي لها شقان: الشق الأول هو تصويره لذلك الصراع على أنه صراع فلسطيني-يهودي، بينما الشق الثاني هو تسليط الأضواء الإعلامية على اليهود وليس على الحركة الصهيونية وذلك يسمح لوسائل الإعلام الغربية الموالية لدولة الكيان الصهيوني بإطلاق العنان للاتهامات بمعاداة السامية. الرئيس المصري جمال عبد الناصر دعا على سبيل المثال الى إلقاء اليهود في البحر، دعوة صريحة للإبادة العرقية لقومية أو شعب بناء على أسس دينية مما أدى الى استغلال الحركة الصهيونية لتلك التصريحات من أجل كسب المزيد من التعاطف. ولذلك السبب لا أستغرب تعاطف الإعلام الغربي والمواطن الضحية في الدول الغربية مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين ومع الدعوات لتهجير الشعب الفلسطيني وحتى إبادة العرب باعتبارها حقا مشروعا للدفاع عن النفس أمام تلك التهديدات.
الإعلام المأجور في الوطن العربي يحاول تسويق التسويات والمصالحات مع الكيان الصهيوني على أنها نهاية البؤس العربي وبداية المستقبل المشرق. قناة الجزيرة القطرية تتصدر المشهد الإعلامي فيما يتعلق بالمصالحة مع الكيان الصهيوني فهي تستضيف رموزه وقادته على شاشتها حتى يقدموا التبريرات لجرائمهم بحق الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين المحتلة. قناة الجزيرة أدخلت المحتل الصهيوني الى بيوتنا عبر شاشات التلفاز وفق مبدأ الرأي والرأي الأخر وكأنه من حق المحتل وغاصب الأرض إبداء رأيه. هناك سفارة لدولة الكيان الصهيوني في قطر بل ويتبادل المسؤولون في كلا البلدين الزيارات. دول عربية أخرى ترغب في تطبيع العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني ولكنها لظروف داخلية لا يمكنها من الإعلان عن ذلك صراحة، تقوم بتوظيف أشخاص يتبعون في وزارة الإعلام أو في بعض الحالات وزارة الداخلية حتى يقوموا بالترويج عبر شبكة الإنترنت في المنتديات والمواقع والمدونات ومحاولة تهيئة الرأي العام من أجل تلك الغاية.
أحزاب الإسلام السياسي والتيارات الدينية والسلفية على اختلاف مسمياتها هي الأخرى ليست بأفضل حالا حيث يقوم بعضها بالترويج للمصالحة مع اليهود باعتبار اليهودية دينا سماويا وأن إسقاط جميع الأنظمة العربية وأسلمة الشعوب في الوطن العربي ولو بالقوة هو الطريق لتحرير فلسطين. تلك الأحزاب والتيارات تستغل منابر المساجد ولديها محطات إعلامية خاصة بها وذلك في سبيل محاولة إقناع العرب بأن قتال الشيعة والأقليات الدينية الأخرى مثل المسيحيين هو أولى وأهم من القتال في سبيل تحرير فلسطين حتى لا تطعن قوات المجاهدين الربانيين في الظهر من قبل أعدائهم. وفي سبيل تمهيد الطريق من أجل تحرير فلسطين، طار السعودي سامر السويلم المشهور باسم خطاب الى الشيشان وارتحل أسامة ابن لادن الى أفغانستان وقرر أبو مصعب الزرقاوي أن قتال الشيعة في العراق وتفجير أسواقهم ومساجدهم أفضل عن الله ثوابا من القتال في فلسطين وانتقل المجاهدين الربانيين تحفهم عناية الله ورعايته بطائرات الناتو ودعم من الولايات المتحدة وبريطانيا الى يوغسلافيا للحرب بالوكالة عن تلك الدول الغربية باسم الإسلام والمسلمين. كل أولئك المجاهدين الربانيين يقاتلون في العراق, سوريا, اليمن, ليبيا, الشيشان, طاجيكستان, أفغانستان, نيجيريا وبقاع أخرى في مشارق الأرض ومغاربها ولكن عيونهم على بيت المقدس.
المشهد يمثل قمة الهزلية والسخرية لأن أي شخص يصدق الإعلام هو شخص مغفل محدود الذكاء قليل الفهم. لا يوجد أي مشكلة مع اليهود أو اليهودية بل المشكلة مع الحركة الصهيونية وانتقادها ليس معاداة للسامية فهي حركة سياسية استعمارية استغلت حتى اليهود واليهودية في سبيل تحقيق أجندتها السياسية. الإعلام العربي الفاشل أبدا ودوما في التعاطي مع قضية الصراع العربي-الإسرائيلي فشل في تقديم صورة واضحة للجماهير بأن ذلك الصراع ليس مجرد صراع فلسطيني-يهودي بل عربي-صهيوني، الحركة الصهيونية لن تهدأ حتى تسيطر على كامل الأراضي التوراتية من الفرات الى النيل، أي أن العراق، مصر، سوريا، الأردن في مرمى أطماعها مع ضمان تفتيت باقي الدول العربية الى قوميات وعرقيات واثنيات دينية تتصارع فيما بينها. في كتاب "فلسطيني بلا هوية،" يروي خليل الوزير كيف أن المفكرين العرب فشلوا في التعامل مع المسألة الفلسطينية على أنها صراع ضد الحركة الصهيونية وليس ضد اليهود أنفسهم. البروفيسور شلومو ساند المشهور بتأليفه مجموعة من الكتب التي تنتقد دولة الكيان الصهيوني أهمها "اختراع الشعب اليهودي" كان صريحا وواضحا في كشف وفضح محاولة تزييف التاريخ التي تقوم بها الحركة الصهيونية ولكنه في الوقت نفسه لم ولن يكون مؤيدا لدعوات إلقاء اليهود في البحر على الرغم من أنه يعتبر نفسه ملحدا وليس يهودي الديانة. البروفيسور نورمان فينكلستاين وهو يهودي معارض للحركة الصهيونية واستغلال معاناة اليهود ولكنه ليس معارضا لليهود أنفسهم أو لليهودية فهو يهودي الديانة والإنتماء.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة
https://science-culture-knowledge.blogspot.com/2019/06/blog-post_24.html
الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة
النهاية
التعليقات (0)