من مرحلة الثورة إلى مرحلة البناء و التأسيس، هل انتهت الثورة حقا في كل من مصر و تونس و ليبيا؟ سؤال جوابه يٌرد إلى عنصرين؟ من يحملون لواء الثورة ( الساسة الجدد و الفعاليات الشعبية الداعمة لها إضافة إلى الشارع) و من يحسبون على الأنظمة السابقة، غير أن الثورة ستبقى سلاح كل من لا يرضى عن العملية السياسية و كل متذمر و مظلوم، في خضم ذلك تبرز عملية التأسيس و البناء للمستقبل السياسي في هذه البلدان كصراع بين جناحين من جهة ( العنصرين السابقين) و بين أطراف الثورة و ما تمخض عنها من نخب سياسية، و في هذه الحالة كل يدًعي تمسكه بمبادئ الثورة و يرى في عدوه سارقا أو متسلقا....
في البلدان الثلاثة تجاذب عنوانه " صراع الإسلاميين و العلمانيين" و هو صراع طبيعة الحكم بين دولة مدنية ليبرالية أو دولة تجعل الإسلام و الشريعة منطلق الحكم و صياغة الدستور، هذا التجاذب تغذيه أطراف دولية تريد الحفاظ على مصالحها، فالغرب يرى في وصول حكومات ليبرالية متحررة أمر إيجابي و مساعد لإستقرار المنطقة " أي الشرق الأوسط" ، في حين يعتبر وصول الإسلاميين للحكم و لو بتفاوت من حيث طبيعة التشدد ( من يسار الإسلاميين كالنهضة و الإخوان إلى اليمين حيث السلفيين و الحركات الجهادية) امر مقلقا و لا يخدم الغرب و لا حليفته في الشرق الأوسط.
الإخوان المسلمون بدورهم و باقي الحركات السلفية التي دخلت العمل السياسي غالبا ما ترسل إشارات طمأنة للغرب، بأن وصولهم للحكم لن يكون عامل سلب ضد مصالحه و يضربون المثل بحزب العدالة و التنمية التركي، غير أن النموذج التركي أصبح بدوره محيرا و مخيفا لدى جهات غربية كثيرة، فأساس الإعتدال و التحرر لدى الغرب هو العلاقات البينية التي تربط إسرائيل بباقي أنظمة الشرق الأوسط، مانراه حاليا هو التوجه العدائي لأوردغان ضد إسرائيل و تقربه من الحركات الفلسطينية خاصة " حماس" ذات المرجعية الإخوانية، لن نحكم على هذا التوجه نهائيا، النتيجة ستبرز مع توالي السنوات القادمة، هل حقا تركيا جانبت إسرائيل و اتجهت للفلسطينيين أم فقط ما كنا نشاهده يدخل في خانة العنتريات؟ ضف إلى ذلك أن وصول أي المعارضة العلمانية للحكم قد يعيد العلاقات التركية الإسرائيلية إلى سابق عهدها.
بالعودة للموضوع، التوجه التركي للمنطقة و حضورها القوي قد يشجع الإسلاميين، و لربما بوصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر و ليبيا و تونس قد نجد تكتلا قويا يضم هذه البلدان و تركيا، هذا التكتل قطعا سيزعج الأمريكان و دولا عربية قوية كالسعودية مثلا و الأردن....، لكن وصول الإخوان للحكم بشكل مطلق أمر مستبعد، سيكون لهم تمثيل أقوى في البرلمانات و حضور أقوى في العملية السياسية، سيستثمر هذا الحضور في صناعة التحالفات و بالتالي في تمرير القرارات و البرامج التي تخدم الإخوان بالأساس، ما قد تعلمه الإخوان من العدالة و التنمية التركي، أن الوصول للحكم يتم بشكل تدريجي عن طريق التدبير المحلي الخدماتي الشفاف فالمواطن لا يريد خطب عصماء بقدر ما يريد معيشة أفضل و شفافية و نزاهة .........
الرابح في هذا الصراع في حالة غياب الوعي الشعبي قد يكون بقايا الأنظمة السابقة المطاحة و من كان يحوم في فلكها، أحزاب أعيان و رجال أعمال قد يجدون في أحد التكتلين مظلة للعودة من جديد للحياة السياسية، و هذا مانراه حاليا في مصر و يبدو كذلك في تونس، عودة الحرس القديم بإمكانياته السياسية و تجربته في مقارعة الإخوان و الإسلاميين قد يدفع بهم إلى التحالف مع القوى الليبرالية الجديدة، من جهة أخرى قد يتخذ هؤلاء رداء التأسلم من أجل ضرب القوى العلمانية و اليبرالية القادمة من رحم الثورة و التقرب للإخوان. و بدورها السياسة و السباق نحو المصالح قد يدفع بنخب الثورة إلى التحالف مع رموز الحقب السابقة من أجل الوصول و البقاء للحكم، في هذه الحالة ستصبح الثور و كأنها لم تكن.
التعليقات (0)