عبد الهادي فنجان الساعدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“الامعاء، التي ركَّبَ عليها الاستعمار الرؤوس الحاكمة تعطل النشاط الطبيعي في الوطن”(1).
عندما يكون العيب في المصنوع يمكن تلافيه من خلال التقصي والبحث عن اسباب هذا العيب، إذ بالامكان الوصول الى تقنية افضل بمجرد الاستمرار في البحث ووجود الهدف من اجل الوصول الى الاحسن. “ويشكل استغلال الاخطاء المرتكبة احد المفاهيم الاساسية في اسلوب الادارة Management المعروف حاليا تحت اسم الجودة Quality والذي اتاح لليابانيين التفوق على الامريكيين في عقر دارهم، ويتمثل هذا الاسلوب في عملية متواصلة من التحسين والسعي الدؤوب لتحقيق اعلى مستوى من الجودة عن طريق عزل مصدر الخطأ. والهدف من هذا الاسلوب بلوغ المستوى صفر من الاخطاء Zero Defect الذي تعبر عنه اللغة اليابانية Kaizen وهذا هو النهج الذي اهتم به شخصيا، أي بلوغ الكمال باستعمال الاخطاء والانتقادات الشخصية كمصدر للمعلومات. فعندما اواجه نقدا، أياً كان مصدره، داخليا ام خارجيا، استوعبه بهدوء، ثم اقوم بالتحليل لاحقا ببرود اعصاب، فافصل مشكلتي الخاصة عن مشكلة محاوري الذي غالبا ما يستغل عيبي للتقدم والسيطرة عليَّ”(2).
عندما كنا في مرحلة الدراسة الثانوية نقارن بين الصناعات الغربية والصناعات الروسية او الصينية ايام كان الاتحاد السوفيتي قوة عظمى تقف كقوة ذرية امام المد الغربي وبالخصوص الامريكي او ما كنا نسميه “الامبريالي”، كانت الشعوب الفقيرة والنامية تشجع الصناعات الروسية او الصينية باندفاع سياسي أكثر مما هو اندفاع نحو التقنية الصناعية والوعي بذلك ولكن كان الاقتصاديون يقولون بان الصناعة كلما كانت عريقة، كلما كانت متقنة ومتقدمة، واذا كان عمر الصناعة السوفيتية ثلاثون سنة فان عمر الصناعة الغربية مئة وثلاثون سنة وهكذا.
بعد ذلك قرأت رسالتين احداهما لنيل درجة الماجستير والأُخرى لنيل درجة الدكتوراه لاحد الاصدقاء القدامى حول العلاقات الايرانية الروسية، هالني عمر الصناعة الايرانية فهي قد بدأت في اواسط القرن الثامن عشر. ولكن من الذي جعل الصناعة الايرانية بهذه الدرجة من الرداءة، هل هي المختبرات المتخلفة، ام المصانع، ام السوق. لقد علمت بان هذه الاسباب ما هي الا عوامل مكملة، اما العامل الاساسي فهو الإنسان إذ ان الإنسان الايراني كإنسان شرقي مسلم لا يحمل أي تقنية فكرية او ان القوانين التي تسير الإنسان في هذا الوسط الموبوء لايمكن ان تخلق صناعات متطورة توازي في تطورها الصناعات الغربية التي بدأ بعضها بعد زمن من بدء الصناعات في ايران. هل هو الفكر الإسلامي ام الفكر الغربي ام الفكر الشرقي، بالتاكيد انه ليس هذا ولا ذاك ولكن هذا الكائن الذي لايحمل أياً من هذه الأفكار بشكل طبيعي. فهناك مساحة واسعة بين الإنسان والدين، والإنسان والدولة، والإنسان والفكر في هذه البقعة التي تتسم بالغنى المادي على مستوى الثروات ولكنها فقيرة في العلاقات والروابط التي تربط بين منطقتي الرأس وبقية الجسد، إذ يستعمل الرأس كبقية الجسد لتمييز المحسوسات والاطعمة والنظر الى المحرمات من التكوينات الجسدية والحديدية ولمضغ الحوامض والتقيؤ بعد الاسراف بالشراب. اما القحف فلا يحمل غير مواد لزجة تنظم عمليات الهضم والجنس والانتماء المذهبي بشكله المتخلف من دون تمييز الالوان او الاشكال الفكرية.
الحواشي
(1) من كتاب “الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”، مالك بن نبي، دار الفكر، ص4.
(2) من كتاب “هل انتم محصنون ضد الحريم”، فاطمة المرنيسي، المركز الثقافي العربي، دار فنك، ترجمة نهلة بيضون، ص57.
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)