تاج القيصر لا يمكن أن يحميه من الصداع
مثل روسي
شخصيات جزائرية كثيرة، تعاني أيما معاناة هذه الأيام، حيث أن بعضها لم يعد يستطيع النوم، و بعضها الآخر فقد شهية الأكل، في حين أن آخرين لا يقومون و لا يقعدون و لا ينامون إلا و الهاتف الجوال في الأيدي... لماذا؟ ببساطة لأن كل هذه الشخصيات تنتظر منذ سنوات تحقيق حلما غاليا عليها. الحلم يتمثل في شغل مقعد في مجلس الأمة، و آخر المعلومات تقول أن رئيس الجمهورية، أنهى مسودة قائمة الأسماء التي سيعين أصحابها في مجلس الأمة في إطار الثلث الرئاسي. علما أن عددا كبيرا من الذين يعشقون المهمات النيابية، يفضلون منصب " السيناتور" المعيّن من قبل الرئيس، على مثيله المنتخب، لأن الأول يجعل الناس يقتنعون بالحجة و البرهان أن السيناتور، من أعز الناس على بوتفليقة، و إلا لما اختاره ضمن " رجاله" في الغرفة البرلمانية التي من دون موافقتها، لا يمكن لأي نص تشريعي أن يمر حتى لو صادق عليه نواب المجلس الشعبي الوطني. فالسيناتور المعيّن ضمن الثلث الرئاسي، يصعب على أي وزير أو وال أو أي رئيس مدير عام لأي واحدة من المؤسسات العمومية الاقتصادية أو البنكية أو أي واحد من الولاة أن يرفض استقباله مثلا، بينما قد يجد مسؤولون آخرون متعة كبيرة حالما يرفضون استقبال نواب البرلمان الآخرين، مهما كانت الغرفة التي ينتمون إليها، حتى أن أغلب الأشخاص الذين يتضرّعون إلى الله سبحانه، خصوصا في الثلث الأخير من الليل، كي يحقق أمنيتهم العزيزة،هم أشخاص لا ينقصهم لا مال و لا جاه و لا نفوذ.. و إنما، هم فقط بحاجة إلى أن يثبتوا للعام و الخاص بأن لهم مكانة في قلب الرئيس.. قلب بوتفليقة.
إن هؤلاء مستعدون حتى للتنازل عن رواتبهم الشهرية، و ما أدراك ما رواتب النواب و السيناتورات، لأنهم لا يريدون كما قلت، إلا أن يرى فيهم الناس، "رجال الرئيس"، فحبذا لو يتفهم بوتفليقة وضعية هؤلاء، و حاجتهم الحقيقية، فيعينهم سيناتورات، لكنه يطلب منهم أن يتبرعوا بأجورهم للهلال الأحمر الجزائري أو أي جمعية خيرية، تخدم الزووالة و ما أكثرهم، و أنا واثق بأن هؤلاء سيتلقون اقتراح بوتفليقة بالتبرع بأجورهم، بكل فرح و سرور، و سيقبلونه، بل قد يضيفون شيئا من جيوبهم ليثبتوا للرئيس بأنهم لا يخدموا بلدهم مجانا فحسب، بل يتكرمون على أناس البلد من مالهم، لأنهم يحبون البلاد و عبادها.
يمكن لأي واحد منا أن يحسب مجموع الرواتب الشهرية التي يتلقاها السادة النواب - و لا حسد.. ربّي يزيدهم- ، خلال العهدة النيابية، و لنا أن نتصور كم من مسكين و محتاج و مقهور و مغبون سيسعد بتلك الأموال، حال التبرع بها، لأنني لست متأكدا فحسب بأن أغلب الطامحين إلى منصب سيناتور ضمن الثلث المعين من قبل الرئيس، ليسوا بحاجة لا إلى أجور و لا إلى منح و علاوات و لا إلى قروض بنكية لاقتناء سيارة أو شراء سكن أو ترميمه، و لا إلى من يسدّد فواتير هواتفهم النقّالة، لأنهم في الحقيقة لا يحتاجون إلا لقب " سيناتور الرئيس".
من المؤكد أن لقب " سيناتور الرئيس" له نفس مفعول " افتح يا سمسم".. العبارة السحرية الشهيرة التي تقول الأسطورة بأن أحد ملوك الجن، يستجيب لكل من يتلفظ بها، فيخدمه و يفتح له المغارات التي تخفي أثمن الكنوز، و من الثابت كذلك أن هذا اللقب أنفع من تأسيس أي شركة استيراد، و من اليقين أيضا أن من يحوز هذا اللقب، يخدمه القوم، من دون حتى أن يطلب أي شيء من أي شخص، و صحيح أن " سيناتور الرئيس" يمكنه لعدة سنوات أن يمشي كمن يمشي على الهواء، لكني لا أريد أن أرى الأمور بعين خبيثة، لذا أفضل القول أن من يصبح واحدا من سيناتورات الرئيس، يكفيه شرفا أن الناس تصبح تتبرك به، تماما كما يفعلون مع كل من يعتلي عرش الزاوية التيجانية... و هنا أكتفي بذكر هذه الزاوية دون غيرها، لأن معلوماتي المشكوك في صحتها، تقول أن الساعين إلى الاستوزار، و احتلال المناصب النافذة في حكم بلادي، كانوا و لا أعلم إن هم لا يزالون، يلجئون إلى "التيجانية"... طبعا، أن لا أصدّق من يقول لي أن شيخ التيجانية يتدخل لدى الرئيس، كي يعين فلان، و يقيل فلتان، لأنني أعرف بأن المسألة مسألة " بركة" (؟!).. لا أكثر !
عدد الأشخاص الذين يختارهم الرئيس ليعيّنهم سيناتورات في مجلس الأمة، لا يمثل أكثر من ثلث الأعضاء، كما تدل عليهم تسمية كتلتهم ( الثلث الرئاسي)، لكن عدد الطامعين في هذه المقاعد، كبير جدا، و بعضهم كان و لا يزال ينتظر الخبر السار منذ إنشاء مجلس الأمة، و الصبر و النفس الطويل الذين يتمتع بهما كل هؤلاء، يُحسدون عليهما في الحقيقة. إنهم لا يكلّون و لا يملّون... إرادة من حديد!
قد يتساءل البعض: ما الفرق بين السيناتورات المنتخبين، و بين السيناتورات المعيّنين ؟ و قد يجيب البعض بأن الفارق يكمن في كون السيناتورات المعيّنين أحرص من المنتخبين، على خيارات الرئيس و مواقفه من النصوص القانونية، بمعنى أنه إذا ما حدثت كارثة للكون ، و صوّت نواب المجلس الشعبي الوطني على نص تشريعي يتعارض مع رغبات الرئيس، و عندما يُعرضُ ذلك النص التشريعي المتمرّد على الرئيس، و يتضح أن أعضاء مجلس الأمة المنتخبين، سيذهبون في نفس اتجاه نواب المجلس الشعبي الوطني، فان سيناتورات الثلث الرئاسي ، يتدخلون حينها، بل و يضربون بقوة، لأنهم سيصوتون ضد ذلك النص، و بالتالي، لا شيء يمر من دونهم... إنهم عين الرئيس و أذنه و شفتيه في مجلس الأمة... هذا هو الجواب النموذجي، و هو جواب لا معنى له برأي، لأن الجواب الأصح في نظري هو أنه لا فارق بين السيناتورات المنتخبين، و بين المعينين، لأنهم كلهم عيون و آذان و شفاه الرئيس، و كلهم يصوّتون إلا على ما يرضي الرئيس، و يرمون بكل نص يغضب الرئيس، و كلهم يعلمون بأن مجلسهم في حد ذاته (مجلس الأمة) لا يزال باقيا بفضل الرئيس الذي قد يزيل "عمّاره" بمجرد جرّة قلم ، و كلهم يدركون بأن لقب " سيناتور" الذي يحملونه لا يمت بصلة لصفة " السيناتور" كما يعرفها العالم ، و أن حتى " مجلس الأمة" كما هو عندنا بالجزائر، لا تُشتمُّ منه حتى رائحة مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلا.. بل و أضيف لجوابي أنه لا فارق بين أعضاء مجلس الأمة، و بين أعضاء المجلس الشعبي الوطني، لأنهم بالنهاية... كلهم، هاهنا للمصادقة على ما يُرضي الرئيس. و إنما هناك ريش معيّن يظهر على رؤوس أعضاء مجلس الأمة المعيّنين من طرف الرئيس. فكما سبق أن قلت، السيناتور المعيّن، يبدو في نظر العموم، صديقا للرئيس، لأن الاعتقاد سرى بأن الرئيس لا يعين إلا الأصدقاء ضمن الثلث المخصص له في مجلس الأمة. و أن تكون صديقا للرئيس، فهذا مفتاح المفاتيح.. افتح يا سمسم !
بالتجربة، من هم أعضاء مجلس الأمة الذين يعينهم الرئيس؟ إنهم: وزراء سابقون، ضباط سامون سابقون، نواب سابقون .. الضابط السابق فيهم، كان قد أصبح متقاعدا و ترشح للنيابة البرلمانية، فأصبح نائبا في المجلس الشعبي الوطني لخمس أو لعشر سنوات، و بعدما تحول إلى عسكري سابق ثم نائب برلماني سابق، أُستدعي ليكون سيناتورا في مجلس الأمة ضمن الثلث الرئاسي، ثم تتداول أوساط، اسمه على أساس أنه سيعين سفيرا للجزائر في هذه الدولة أو تلك، و بعدما يغادر مجلس الأمة لأنه عُيّن سفيرا بالفعل، يأتي شخص آخر ليشغل مقعده بمجلس الأمة. و من يكون ذلك الشخص الذي يحل محلّه؟ انه وزير متقاعد سابق،كان قد أُنتخب نائب في المجلس الشعبي الوطني لمدة 15 سنة، ثم عُيّن سفيرا في واحدة من الدول، و طيلة سنين عديدة، نسيه الكل، و عندما تذكروا اسمه، أكملوا به قائمة الثلث الرئاسي في مجلس الأمة... و بعد سنوات قد يرشح نفسه مجددا للمجلس الشعبي الوطني كي يعود له نائبا، و ما أن يصبح نائبا، حتى يتحول إلى نائب سابق لأن الرئيس اختاره ضمن الطاقم الحكومي الجديد.. و من الحكومة قد يعود مرة أخرى إلى مجلس الأمة بدلا من سيناتور حالي وزير متقاعد و نائب سابق بعدما كان ضابطا في الجيش، ثم عينوه سفيرا... و هكذا.. كلهم متقاعدون سابقون... حاليون إلى أن يأتيهم اليقين. السلام عليكم.
التعليقات (0)