صديق الحرف

ابسط كفك للريح
واحتضن برفق نسائم الشتاء الباردة
ثم أرسل عيناك إلى السماء
وداعب بنظراتك بعض الغيوم المنسية ..
لا تكترث إن التهم البرد أصابعك
أو اخترقت الريح ثيابك البالية
فنحن لا يقتلنا البرد
بل يسحقنا الهم
وتذوب قلوبنا تحت وطأة التجاهل والنسيان ..


بؤساء نحن يا صديقي ..
نضحك حين تعتصر قلوبنا ألما ..
ونرقص حين لا تقوى أقدامنا على حملنا ..
نرسم مروجا خضراء حين يغطي السواد عالمنا ..
نعشق التمثيل ونلعب أدوارا لم تخلق أبدا لنا ..
ونكتب
عندما تتوه أصواتنا وسط ضجيج الشوارع
وضحكات المارة وآهات البائسين ..
نكتب
عندما تفتقد قلوبنا وسيلة الاتصال الوحيدة بالعالم الخارجي
فتصبح كالكوخ الفارغ لا تزوره سوى رياح الذكرى
لتهز جدرانه وتعري جراحه ..
نكتب يا صديقي
عندما نجد من حولنا يتلذذون ببكائنا
ويبتسمون خلف قناع دموع مزيف
ويبتهجون و أيديهم تربت على أكتافنا ..
نكتب
لأننا نؤمن بأسطورة قديمة تحكي
عن حروف قادرة على امتصاص الألم
وتحويله إلى أطياف أمل سابحة بين السطور ..


أطلق ساقيك للريح
اسحق أوراق الخريف
التي تتسابق لتسكن تحت أقدام البؤساء ..
انزع حذاءك واركض فوق الرصيف العاري
ولا تكترث إن نشب البرد أنيابه وامتص الدم من قدميك
فنحن لا يقتلنا البرد ..
بل يهزمنا الزيف
ويعري جراحنا هؤلاء الذين يتاجرون بصدق مشاعرنا ..
بسطاء نحن يا صديقي ..
نفرح إذا عانق عصفور زهرة في حديقة منزلنا ..
وتغمرنا السعادة إذا بللت قطرات المطر خصلات شعرنا ..
نخاف من صوت الرعد ..
وتهرب أعيننا من شعاع البرق ...
بسطاء ولكننا نسعى لتعقيد حياتنا ..
نبحث عن كل ما هو غريب ومميز وغير قابل للفهم والاستيعاب ..
نعتقد بأن الحياة أكبر من مجرد طير ومطر
ونخشى أن ندخل وسط دائرة التخلف والجهل ..
ولا ندرك بأن الحياة أصغر من أحلامنا
وأبسط من أفكارنا ..
الحياة وردة جميلة تقف في مهب الريح
كلما اشتدت الريح طارت أوراقها
وكلما داعبتها نسائم الصيف الباردة ازداد جمالها
وأنبتت ألف وردة حولها ..


اجمع شتات جسدك
وانثره فوق المقعد الخالي في حديقة منزلك ..
مد ذراعيك بمحاذاة الريح ..
واترك النسائم الباردة تعبث بملامحك كيفما شاءت
ولا تكترث ان شعرت بأن أصابع البرد
سرقت عيناك أو غيرت شكل أنفك
فنحن لا تغيرنا سوى أحلامنا المستحيلة
وثقتنا المفرطة بالحب
ولا يسرق بريق أعيننا سواه ..