مواضيع اليوم

صدمة الطيب لعلج الحضارية في المسلسل التمثيلي الدنيا إلى جات...

شريف هزاع

2009-12-25 19:59:09

0

صدمة الطيب لعلج الحضارية في المسلسل التمثيلي الدنيا إلى جات...

عبـد الفتـاح الفاتحـي

     "الدنيـا إلى جات تجيبها سبيبة أو لا مشات تقطع السلاسل" تمثيلية إذاعية رمضانية عرتضها الإذاعة الوطنية المغربية خلال شهر رمضان مباشرة بعد الإفطار للفنان القدير الأستاذ أحمد الطيب لعلج يصوغها في قالب حكائي مثير ومشوق يشدك إليه شدا ويأسر المستمع أسرا. وتتمحور التمثيلية حول الفقيه برطال البئيس الذي لفظه المجتمع لفظا لسوء طالعه وانفض من حوله الجميع بما فيهم زوجته "جرادة"، ليقرر السفر بحثا عن السعد المفقود في زاوية أخرى من هذه الدنيا، ثم يعود والسعد يدندن معلنا عن تغيير جذري لحياة الفقيه برطال، وعبر قالب حكائي يزاوج بين الواقعية والحكي العجائبي تبرز موهبة الطيب لعلج حين ينوع بنيويا في سيرورة السرد.
     إن برطـال في رمزية الأستاذ طيب لعلج لن تكون إلا تمثيلا لطبيعة صراع شخصية الإنسان المغربي في عالم يتغير وتتبدل أحواله وسلوكاته وحاجياته المتزايدة فيزداد جشعا، وتنفصم شخصيته، فتعيش صراعات داخلية تفضي إلى أمراض عضوي ونفسية، حال العالم المتمدن.

الصدمـة الحضاريـة لشخصيـة برطـال

     إن النسيـج الحكائي الذي تبناه علامتنا الطيب لعلج ليعكس رؤية شمولية في التعاطي مع سيرورة التطور المجتمعية في عالم سريع يخلق أزمات وارتجاجات لا تعدو أن تكون أزمات نفسية يرافقها انحلال أخلاقي واغتراب عن القيم الأصيلة، هي عنوان مؤشرات الصدمة الحضارية التي سنأتي عليها في توالي تيمات المقالة.
     فكيـف تجسدت مظاهر الصدمة الحضارية لدى الإنسان المغربي خاصة والعربي عامة من خلال شخصية الفقيه برطال في الدنيا إلى جات... للطيب لعلج؟ 
    الصدمـة الحضارية أزمة نفسية ناتجة عن الإحساس بالغربة والتردد والبؤس والشعور بالوحدة والحنين إلى الأصـل، إنها بحسب "بتر آدلر" شكل من أشكال القلق الذي ينتج عن عدم إدارك العلاقات الاجتماعية وعدم فهم رموزها والشخص الذي يعانيها (برطال) يعكس قلقه وعصبيته في عدد من الوسائل الدفاعية كالرغبة في الانطواء والغضب والإحساس بالإحباط، حينما تستحيل عملية فهم الفلسفة المجتمعية الجديدة، فإن الفقيه برطال بدأ يفقد حسه ويسيطر عليه الخوف، ويغترب حتى عن الأشياء التي يعرفها ويفهمها. إنها قد تطور صدمة برطال الحضارية لتصل إلى حدها العنيف المؤدية إلى الإصابة بمرض عقلي والاكتئاب والقلق، واللا اندماج. ذاك الذي يقود الفقيه برطال إلى إعلان مبرر للعودة إلى الأصول، بإيجاد مهرب من الورطة، ورفض تلك العودة لما يقتضيه التكيف مع احتياجات الواقع.
     إن مظاهـر الصدمة الحضارية عند الفقيه برطال تتمظهر في شعوره بالكآبة والقلق من زيف واقع المدينة ونفاق المجتمع، كما تبرز في رغباته كصور الحنين إلى الوطن في أوائل أيام الغربة، أي أيام برطال اللامحظوظ، إنه شعور يسببه العيش في بيئة جديدة ذات ثقافة مغايرة لثقافة الفقيه برطال، نفاق اجتماعي، حقد، حسد، الانتقام... قيم غريبة وعادات مغايرة للتي عاش حلاوتها برطال، صدمة لا يمكن الإفلات من تبعاتها إلا "بالاندماج في الثقافة الجديدة، أو بالتواؤم معها .
    تبـدأ الحكاية ببنية حكائية غير عادية حين تجعل من بؤس البطل مدخلا لها، مدخل لا يتبدى إلا لماما في كتابات عمالقة الأدب والفن. يتنكر المجتمع للفقيه برطال لسوء مديونيته ولسوء طالعه، وبذلك يتخطى الطيب لعلج المألوف -بداية سعيدة تفتقد على غير غرة- لتبتدأ سيرورة السرد كتشفـي من سوء حظ البطل في توالي البنية الحكائية إلى أن ينعم بهذا الحلم المفقود.
    إن البنيـة الجديدة التي اعتمدها لعلج جعلت من عتبة النص بؤسا ماديا ومعنويا يعيشه البطل ويقابل هذا البؤس الغريب بيسر أخ برطال، ويتابع السارد بناء نمذجة شخصية البطل، حينما لا يقابل تذمر المجتمع من برطال بتمرد مضاد على قيم المجتمع التي لا ترحم، وبذلك يكون برطال نبي عصره تفهم، سعة صدر وتأفف. ووفق هذه الجدلية السردية يتواصل تأزم الحكي، حين تطالب الزوجة "جرادة" زوجها برطال بتغيير العتبة وتدفع به إلى الهجرة مكرها للبحث عن السعد المفقود.
    بعـد المقابلة الخارجية تتسربل البنية الحكائية في تمثيلية "الدنيا إلى جات..." بهندام المقابلة الداخلية -النفسية- الغربة، فقدان السعد تقابلها غربة الشخصية تحت تأثير السعد العائد. وذاك الذي جعل الحكاية تنال جماليتها التي تأسر ألباب المستمعين، وقد لا تمنحهم فرصة الاستفاقة من غفوة التدبر الحكائي الذي ينسجه المبدع بجرأته المعتادة.
    ويظـل المبدع لعلج وفيا للمقابلة عبر إيواليات إبداعية وجمالية متميزة فمن الرفض المجتمعي والشعبي لبرطال ورفض السعد له في مرحلة خلقت تذمرا، يتواصل البعد التقابلي في مسلسل اغتراب الشخصيات وباقي مؤثثات الفضاء التي تدور فيها أحداث تمثيلية الدنيا إلى جات...

الغربـة والحنيـن عند شخصيـة الفقيـه برطـال

      يفتتـح القالب السردي تطور أحداثه بغربة برطال عن مجتمعه الذي اعتزله لسوء دائنيته ونحس طالعه، ثم تتوالى مسببات الغربة بتطور هواجس البطل النفسية حين تنزع نحو تغيير الواقع بإيعاز البطل المساعد في ذلك الزوجة "جرادة".
     وتتواصـل سيرورة الغربة بالاغتراب عن الوطن، يترجمه قرار الشخصية مكرهة الخوض في تجربة البحث عن السعد أو الحظ المفقود، رحلة بحث صادفت حالات كثيرة أخرى من الاغتراب، إلى أن يصادف البطل حظه النائم، وتعود به الشخصية مدندنا وفي دندنته إعلان عن تغيير جذري في شخصية البطل الفقيه برطال تغيرات تعززت باغتراب الوطن، ولتتمظهر فصول الصدمة الحضارية عند البطل في مغامراته المدعومة من زوجتـه "جرادة" والسيد "الباشا"، في ظل هذا الواقع يحن البطل إلى أيام زمان، لكن معارضة البطل المعاكس "جرادة" والصراع الداخلي للشخصية يقف في وجه برطال بالمرصاد، غربة تتراوح بين وعي برطال الماضوي لسلوكيات الناس ووعي الحاضر بذلك حيث الحقد والمظاهر الخداعة والنفاق الاجتماعي... إنها تجربة الصدمة الحضارية في عالم يتطور بسرعة مذهلة.
     يتتابـع مسلسل الاغتراب في ما باتت تفضله الزوجة "جرادة" من سلوكيات غريبة لسابق عهد برطال سلوكيات تدفع في اتجاه حذو الأكابر كشكل من أشكال الاندماج الحقيقي في روح العصر الجديد ومتطلباته، وللحاق بركب أكابر القوم (الباشا) أشارت عليه جرادة بسلوكيات جعلت منه مشعوذ عصره، ولج قصر الباشا من بابه الواسع متسلحا بعوالم الخرافة لإشباع حاجيات المجتمع المتلهفة إلى ما هو جديد وغريب، فذاع بذلك صيت برطال في المدينة، صيت ولد مضاعفات عمقت من غربة البطل النفسية والمجتمعية وتعذر معها العودة إلى سالف أيامه التي صارت مفقودة، فلم يقف مسلسل الاغتراب عند هذا الحد، بل تطور نفسيا، من خلال التقابل في نفسية الشخصية أحدهما ينزع نحو أصيل الأشياء وعذوبة أيام زمانه على حلكتها، والأخر ينجذب لتطوير السلوك بما يتلاءم وجديد العصر، وبهذا تكون الشخصية في ذروة صدمتها الحضارية الكبرى.
     إن شخصية برطال في سلسلة الفنان القدير الطيب لعلج لا تعدو أن تكون إلا تصويرا للشخصيات المجتمعية التي جشعت بارتفاع حاجيات الواقع الحالي وما يفرضه من سرعة مذهلة، لم يعد بالإمكان مسايرتها إلا بالارتهان على الوهم، فتغترب الشخصيات وتعيش صدمات نفسية عديدة يقابلها تشتت في القيم وانحلال في الأخلاق وضياع قويم الطريق.
     ومـن خلال انفراج مسارات السرد تبدأ هيكلة الصورة النمطية للشخصية الايجابية في التشكل، تلك التي تتفاعل مع قيم المجتمع وبنياته بما ينسجم وأصيل قيمها الوسطية والاعتدالية، تحميها من التطرف والاستلاب فلا تذوب في عالم تتقاذفه قيم غريبة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات