صدق شيخ الأزهر عندما قال تعليقاً على عملية أحتجاز الأطفال وقتلهم فى مدرسة بيسلان بروسيا أن هؤلاء الخاطفين مجرمين ، كما صدق من قبل عندما أطلق فى المؤتمر الخامس عشر للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي عُقد في القاهرة عبارته الحكيمة التى شخصت واقع المسلمين بقوله( بأننا " تحوّلنا إلى أمة من الرعاع والمنافقين "، وأن " أبناءها تغلب عليهم الجعجعة والرياء " وتابع متسائلاً : "هل تكون هذه أمة إسلامية "، وأجاب : "هذه أمة رعاع" ) وأصبحت الآن أمة تنتج مجرمين .
كلماتك الجريئة شجعت على أسترخاء أفكارى وجلست أحدث نفسى : يعج عالمنا اليوم بما يسمى الإرهاب الإسلامى، وتحاول الكثير من الدول والمؤسسات الأسلامية تحسين صورة الإسلام بما يعنى ضمنياً أن صورة الإسلام أصبحت قبيحة بما فيه الكفاية بأيدى أبناءها ، وهذا ما جعلنى أسأل نفسى أسئلة لن تنتهى الآن بل هى سلسلة من الأسئلة تفجرها تلك المجازر الدينية بأسم الإسلام لعلنا نفهم شيئاً مما يدور حولنا : كيف وصل الكثير من المسلمين إلى أن يكونوا مجرمين ؟ من هو المجرم الحقيقى الذى صنع هؤلاء المجرمين ؟
أليست تعاليم الشيوخ والعلماء المسلمين الذين يؤكدون أن الإسلام هو الحل ؟ الكل يعرف هوية هؤلاء الشيوخ إن كانوا حقاً شيوخ وعلماء أم أدعياء دين ، المشكلة أنهم موجودون ولم يناقشهم أحد وكانوا ينشرون عقيدتهم فى كل مؤسسات الدولة المصرية والدولة نفسها ساعدتهم وتركتهم يمرحون فى الأرض .
المجرم الحقيقى هو كل شخص أعطى الحرية لهؤلاء الشباب والجماعات أن يقولوا ويكتبوا ويرتكبوا ما يشاءون ويكفروا علناً من يشاءون دون أن يحاكمهم أحداً ، وكأن الدولة أصبحت فجأة خالية من الشرائع والقوانين وحلت محلها شريعة الغاب التى يحكمون بها ويصدرون فتاويهم لأن الدولة أجلستهم على كرسيها .
المجرم هو من أغمض عينيه عن تلك الجرائم وأسكت ضميره بما يعتمل فى قلبه وصدره من كراهية وأمنيات بهلاك للآخر ، وإذا أستعرضنا آراء وخلافات علماء المسلمين بشأن تلك العمليات الإجرامية التى يقتل فيها أبرياء من اطفال ونساء وشيوخ ، لوجدنا الغالبية تحاول إصباغ صفة الشهداء على هؤلاء المجاهدين فى سبيل الإسلام ، ولم نجد أحداً من علماء وشيوخ المسلمين يكفر تلك العمليات ويجرم من قام بها أو يطالب بملاحقة هؤلاء الخارجين .
يحتاج مجتمعنا المصرى والعربى إلى تعرية تلك الأسطورة الدينية التكفيرية وأصدار القوانين الدستورية التى تجرم من يتلفظ بها ويشجع على أستباحة دماء الآخرين ، وذلك حتى لا نجلس على كرسى القضاء الإلهى ونحاكم بعضنا بعضاً ونعتقد زيفاً وضلالاً أن عبادة الله هى فى رفع السيوف فى وجه الآخرين .
من الذى ورط المجتمع المصرى فى تلك التيارات المتطرفة الإرهابية ؟ أليسوا رجال وعلماء الدين الذين حولوا عظاتهم العبادية من تقوى الله والحث على الأعمال الحسنة إلى إرهاب الآخرين وتوجيه الإتهامات لهم بأنهم كفار بمنتهى البساطة وبرود الأعصاب ؟ وكأن هؤلاء العلماء الشيوخ لا توجد لديهم مشاعر إنسانية حتى يشعروا بأن تلك الأتهامات التكفيرية على أهل العلم والأدب وأهل الكتاب والبسطاء من الناس تؤذى وتجرح مشاعرهم وتسبب لهم المهانة والإهانة ، والسبب راجع إلى ذلك التراث الذى شرع التكفير لغير المسلمين وأستباح دمائهم ونسائهم ، ذلك التراث الذى شعر معه هؤلاء بالجبروت والغطاء الشرعى الإلهى الذى جعلهم يحكمون بالإعدام تكفيرياً داخل معبدهم العقلى على كل من لا يؤمن بالإسلام ، وتاه المجتمع وبات جاهلاً بكل القيم الإنسانية إلا تلك التى يحرضه عليها علماء الدين .
من هو المسئول عن تشجيع الشباب العرب ليذهبوا ليقتلوا أنفسهم ويقتلوا الآخرين ؟ أية عقيدة إلهية تقول بهذا التعليم ؟ ومن الذى جعلها شريعة وفريضة ينفذها هؤلاء الشباب الضائعين بكل تواضع ؟ من الذى جعل هؤلاء الشباب يعتقدون أن الله يفرض عليهم القيام بالتفجير والاختطاف والمجازر ليدخلوا جناته ؟
من الذى أستغل ويستغل الدين فى تعميم بغض وكراهية غير المسلمين ؟ من الذى نشر تعاليم التعصب وكان يبتسم لسرعة أنتشارها ويصرفون المال ببذخ لنشرها وتجنيد الشباب وإقامة المخيمات والمعسكرات لأعتناقها ؟
من الذى جعل مصير البشر فى أيدى هؤلاء الشيوخ التكفيريين الذين لا يحتاجون إلى سلطان الدولة وقوانينها ، بل نراهم يرفعون سيوف الإرهاب التكفيرية فى وجه كل من تسول له نفسه الوقوف أمامهم ؟
هل يمكننا أن نقول أن الساكت عن الحق حيوان أخرس ؟
صدقت يا شيخ الأزهر ، لكن هاهم العرب قد سبقوا لجان تحسين صورة الإسلام ، سبقوها إلى تلك المدرسة ليصنعوا مجزرة وملحمة مجيدة تشوه أكثر صورة الإسلام والمسلمين وتدفع الكثيرين إلى دراسة هذا الإسلام الذى يحب أتباعه الموت وموت الآخرين ( حتى كتابة هذا المقال أعلنت الاخبار الروسية عن وجود عشرة عشرب بين هؤلاء " المجرمين " ) الذين روعوا وقتلوا الأطفال والكبار فى داخل مدرسة تعليمية .
هل يكفى أن نوصف هؤلاء القتلة بالمجرمين دون محاكمة من يصنعون الإجرام ويعيشون أحرار فى وسط مجتمعاتنا ومؤسساتنا الدينية والتعليمية ؟
دماء هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين خرجوا شبه عراة من جحيم المسلمين الجهاديين من يدفعه ؟ هل الكلمات والتصريحات والبيانات العقيمة ستكون العلاج أمام الناس وأمام الإله الذى يعتقدون فيه ؟ إن مناظر هؤلاء الأطفال والنساء وأجسادهم الملطخة بالدماء لن تقنع ملايين البشر بأن الله أكبر !
2004 / 9 / 5
التعليقات (0)