صدام حسن..وأشباه الرجال!
" الأمة التي تموت دفاعاً عن أرضها تعود وتقوم لها قائمة، والأمة التي تستسلم على أرضها لن تعود وتقوم لها قائمة"..ونستون تشرشل.
يحتفل العالم الإسلامي بعد أيام قلائل بعيد الأضحى المبارك, وكلنا بل العالم بأسره يعود بذاكرته إلى هذه المناسبة ولكن قبل أربع سنوات خلت..ففي اليوم الأول من عيد الأضحى وقبل أربعة أعوام تمت عملية إعدام الرئيس العراقي صدام حسين"أبوعدي".
ذات مرة بينما كان طيب الذكر أبو الطيب المتنبي حزينا محاصرا تعصف به الهموم, وقد عاد عليه عيد قال قصيدة طويلة جميلة ورائعة جاء مطلعها استفهاما غريبا حير النقاد وأطرب العشاق وتوه العامة من القراء..هذا المطلع يقول:"عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟". منذ أن قال المتنبي هذه القصيدة بهذا المطلع قبل أكثر من ألف عام والعيد يعود في كل سنة ليشهد الناس، في كل بقاع الأرض العربية والإسلامية وحتى في بقاع الأرض غير العربية والإسلامية بوجود العرب والمسلمين، منافعهم ومناسكهم وهم يفرحون..فالعيد للفرح والعبادة. وفي كل عيد يذبح المسلمون الكثير من الذبائح يتقربون بها إلى الله إحياء لسنة إبراهيم وحادثة الذبح العظيمة التي لبى فيها نبي الله وخليله نداء ربه بذبح ابنه إسماعيل. كل أيام السنة عيد لمن أرادها عيد وكلها ليس فيها عيد لمن أراد لها أن لا تعرف العيد, فقد عاد العيد لأول مرة منذ أن قال المتنبي هذا البيت بحال لم يكن يأتي عليها من قبل . منذ البداية وقبل أربعة أعوام من الآن أو أكثر خطط سيد الكرة الأرضية في هذا الزمان المستر" بوش" أن يأتي هذا العيد على الأمة الإسلامية على غير ما كان يأتي عليه، فالذي مضى عاد ككل مرة..وزاده هذه السنة أن غير المسلمين بزعامة المستر" بوش" لأول مرة يمارسون شعائر المسلمين في عيد الأضحى ويفرحون فرحهم ويتقربون إلى الله بمثل ما يتقرب المسلمون..الفارق فقط في نوعية القربان؟. من المعروف بأن الشعوب هي التي تصنع تاريخها، وتاريخها هذا يعتبر تعاقبُ لانتصارات وهزائم، فكما الانتصارات تصنع التاريخ فالهزائم أيضا تصنعه.وإذا كانت الانتصارات تؤسس أمم وحضارات وتحفظ انجازات ومصالح، فالهزائم أيضا تصنع تاريخ حتى بالنسبة للمنهزمين إن تعاملوا بعقلانية مع الحدث وأخذوا دروسا وعبرا من الهزيمة .أحيانا تكون الهزائم مفتاحا ومدخلا للنصر، وأحيانا يؤدي نصر عسكري لهزيمة سياسية وحضارية للمنتصر، ذلك أن الحكم إن كانت الواقعة نصرا أو هزيمة لا يكون من خلال الواقع الميداني للحرب فقط بل من خلال النتائج الإستراتيجية للحرب أو المحصلة السياسية، العقلاء أصحاب الإرادة والإيمان بعدالة القضية التي يحاربون من اجلها قد يحولون الهزائم العسكرية لانتصارات سياسية وإن على المدى البعيد.إصدار حكم قيمة على حرب لا يعبر عن حقيقة ما جرى وحقيقة نتائج الحرب يتحول لأيديولوجيا مُخَدِرة للجماهير وحائلة دون استلهام الدروس والعبر.
نستحضر مفاهيم النصر والهزيمة ونحن نسمع اليوم عبر فضائيات وأحزاب عن إحياء الذكرى الرابعة المؤلمة لإعدام الرئيس العراقي صدام حسين، وقد هالنا العنوان بحد ذاته أكثر من مضمون الحدث وما أُلبس للحرب الهمجية على بلاد الرافدين من مسميات لا تعبر عن حقيقة ما جرى ولا عن النتائج الحقيقية للحرب.
نقر ونعترف بأن عراق صدام حسين لم يكن ديمقراطيا دون ادني شك، ولكن هل عراق اليوم ديمقراطي؟, أليس العراق هو أكثر بلدان العالم فسادا حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية؟, وكلنا نعلم كيف وأين ينفق "فرسان التحرير" أموال العراق.
المعارضون العراقيون، والإسلاميون منهم علي وجه الخصوص، كانوا يقولون إن صدام حسين كان عميلا للأمريكان، وانه وصل إلى الحكم عبر انقلاب دعمته المخابرات الأمريكية, والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف وصل عبد العزيز الحكيم والجعفري والمالكي وغيرهم إلى دفة الحكم؟, هل وصلوا إليها علي ظهر دبابات إسلامية؟.
من المعلوم للجميع بأن صدام حسين لم يترك أرصدة سرية في سويسرا، ولا قصورا ولا يخوتا فخمة في أوروبا، ويكفي أن ما تبقى من أسرته تعيش علي الصدقات في اليمن وقطر والأردن وليبيا، صدقات وعطف الأنظمة الحاكمة فيها، بينما يلعب أبناء حكام العراق الجديد بالمليارات من عوائد الفساد والنفط المهرب والصفقات المشبوهة، وأموال المخابرات الأمريكية.
الرئيس صدام حسين، وفي مثل هذا اليوم، لم يذهب إلي حبل المشنقة شامخا مرفوع الرأس بكل شجاعة وأباء فقط، وإنما ذهب إلى صفحات التاريخ كزعيم عربي رفض أن ينحني لأعداء الأمة، وانحاز إلى الشعوب وكرامتها، وكانت آخر كلماته بعد الشهادتين تتغني بمجد الأمة وعروبة فلسطين.
إن هنالك الكثير من الأسباب التي جعلت صدام حاكما دكتاتوريا..فهو الذي أمم النفط العراقي وقام ببناء المستشفيات واهتم بالأطفال ودور المرأة في المجتمع وأصلح الوضع الاقتصادي ووسع الجامعات ودور العلم وفرض قانون التعليم الإلزامي حتى المرحلة الثانوية وهو الذي جعل قضية فلسطين شغله الشاغل وتحدى كل أعداء الأمة العربية والإسلامية ووو.. ألا يجب لمحاكمة عادلة أن تأخذ هذه الجرائم في نظر الاعتبار؟,ألا يستحق "مجرم وديكتاتور وطاغية " كهذا الإعدام عشرين مرة؟, مع ذلك, فان هناك سببا واحدا يُجيز أبقائه حيا وهو تعذيبه بأخذه في جولة تفقديه ليرى بأم عينيه كم أستاذا جامعيا بقي حيا في العراق, وليرى بأم عينيه كيف تعمل المستشفيات, وليرى بأم عينيه الأطفال المشردين الذين عادوا ليبيعوا السجائر في الشوارع, وليرى بأم عينيه الجثث التي يتم حرقها يومياً في وزارة الداخلية، بعد أن تقلع منها الأعين وتحفر بالدريلات, وليرى بأم عينيه الطوابير التي تقف أمام محطات الوقود، تنتظر لترَ وقود، في بلد يطوف بالنفط, وليرى بأم عينيه كم ساعة كهرباء تحصل المنازل يوميا بعد إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على مشاريع "إعادة البناء"..وليرى بأم عينيه كيف يتم تحويل المليارات إلى حسابات خارجية لقاء صفقات خردة, وليرى بأم عينيه المذابح الطائفية التي يقع ضحيتها العشرات يوميا وليرى بأم عينيه ماذا بقي من حقوق "الماجدات", وليرى بأم عينيه ماذا يفعل "القجقجية" في كردستان, وكيف يكون الحكم الذاتي مشروعا انفصاليا, وليرى بأم عينيه احزابآ تسمى نفسها "شيعية" و "سنية" وتقول أنها غير طائفية", وليرى بأم عينيه كيف يتم تقاسم العراق حصصا..حينها سيموت والدمعة في عينيه..قهراً سيموت وفي قلبه غصّة..ولكنه سيعرف انه لم يكن, بعد, ديكتاتوراً بما فيه الكفاية.
وللعراقيين الشرفاء نقول رداً على قول قيس بن الملوّح الذي قال"يقولون ليلى في العراق مريضة", نعم نقول لهم: لم تمت ليلى ولا مات العراق, سيقوم العراق، وقيامته مرهونة ببنادق الثوّار الأحرار, هؤلاء الأبطال الذين أقسموا ألا يهدا لهم بال حتى دحر المحتل الغاصب والقضاء على العملاء الخونة الأذلال الذين يسيرون في فلكه, وما بعد الليل إلا بزوغ الفجر.
وللشهيد صدام حسين نقول: لقد فزتَ والله، وأنت ستبقى مع المقاتلين تلهمهم، ونقول لك: إننا لن نموت معك, سنبقى نقاوم حتى ينزاح الظلم عن صدر أمتنا الخالدة برسالتها وقيمها الإنسانية العالية.
العراق كان موئل الحضارات، وحاضن الإمبراطوريات، ومصدر إشعاع للحداثة، وسيكون حتما عنوان اندحار إمبراطورية الشر الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني الغاشم.
والى الحكام العرب والمسلمين الذين عاصروا إعدام صدام حسين وقد شلت ألسنتهم وفقدوا البصر والبصيرة نقول:أبشروا يا أشباه الرجال ولا أستثني منكم أحدا، فأنتم فعلا أشباه رجال تسير دفة حكمكم من قبل الغرب، ولا يأتي الواحد منكم زوجته إلا بموافقة قوى الاستبداد، فمنذ أكثر من أربعة عقود إحتل الكيان الصهيوني المصطنع تماما كما أنتم مصطنعين بقيادة الصهيونية غولدا مائير الضفة الغربية من نهر الأردن وأراض من مصر وسوريا ودخلت في حرب وهمية مع العرب سميت زورا وبهتانا بحرب الأيام الستة وفي الحقيقة لم تتجاوز مدتها الساعات الست, وهاهي هيلاري كلينتون تعتبر الشخصية الأكثر أهمية بعد أوباما, والصهيونية تسيبي ليفني تقود أكبر الأحزاب الصهيونية, ولألمانيا مستشارة تدير دفة حكم أحدى الدول العظمى والأمثلة كثيرة..إنهن نساء يدبرن أمور بلاد كبرى وعظمى وأما حكامنا فليس بإمكانهم تدبير أمور منازلهم..نساء يعملن بجهد منقطع النظير على جعل بلادهن في المقدمة, ومن هنا نطالب حكامنا بتولية تدبير أمور بلادنا بيد نساء والتنحي عن مناصبهم، فلربما كانت النساء لهن القدرة على تسيير دفة الحكم والأخذ بالقارب من الغرق إلى ساحل النجاة، وجعل بلادنا في المقدمة وليس في مؤخرة الدول..نساء بإمكانهن التعامل مع ما يسمونهم زعماؤنا بالإرهابيين، وتأمين الحياة الشريفة لشعوبنا وتحرير ما أغتصب من أوطاننا أو حتى جزء منها, خير من أن يبقى أشباه الرجال في الحكم وإغراق السفينة وتسليم ما تبقى من الوطن الجريح.
في ذكرى رحيلك يا "أبا عدي" نقول لن ننثني يا سنوات الجمر واننا حتما لمنتصرون, وها هي المقاومة العراقية الباسلة تعدك بدحر الاحتلال ومن يسيرون في فلكه وستعود بلاد الرافدين الى ما كانت عليه بل أقوى, وها هي المقاومة اللبنانية والفلسطينية تستمر في نهجها حتى تحرير اخر ذرة من تراب فلسطين ولبنان وسوريا, سنفتقدك ولكن نم قرير العين وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
مصادر
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة
التعليقات (0)