تعمقت جذورالصراع بين كبارالمسؤولين في السلطة الثيوقراطية الدينية الدكتاتورية في إيران نتيجة خلافها على جملة من المواضيع وكان أخرها الخلاف على شخصية الوزيرالمعمم الوحيد في حكومة نجاد ألا وهو وزيرالمخابرات “حيدر مصلحي” الذي قام نجاد بطرده من منصبه في 18 نيسان 2011 ودفع المرشد التمسك به كوزير للمخابرات ومطالبة نجاد إبقاءه في المنصب وما أعقب الخطوتين من تصريحات وردود افعال من كلا الجانبين أصّلت فكرة وجود تصدع جدي بين القيادات الإيرانية.فبعد التجاذبات الأخيرة التي شهدتها الساحة الإيرانية والأحداث التي تمر بها المنطقة العربية من ثورات ودخول إيران وسوريا مشهد الثورات التي تجتاح المنطقة برمتها وخاصة انتفاضة عرب الأحواز تصدر هذا الأمر الشأن الإيراني على رأس عناوين الصحف ووسائل الإعلام الدولية .
حيث اشتد النقاش حول موضوع وزير المخابرات الإيراني وصدرعن المؤسسات التابعة لنجاد وخامنئي تبعاً للمواقف والتصريحات حيث نسبت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية إلى مصدر لم تسمه القول إن الوزير أقيل.وبموجب نظام ولاية الفقيه في إيران فإن الزعيم الأعلى يجب أن يسمو فوق الخلافات السياسية اليومية. لكن خامنئي أيد أحمدي نجاد علانية لا سيما منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009 والتي فاز فيها الرئيس المحافظ بفترة ولاية ثانية.
وكذلك ما تبع ذلك من ردات فعل صدرت من كلا الطرفين كان أخرها تنديد مكتب المرشد بما صدر عن وكالة “إيرنا” الحكومية الرسمية التابعة لنجاد حول عزل مصلحي دون نشرها لخبر إبقاءه في منصبه بعد مطالبة المرشد له فمثل هذه الخلافات بحد ذاتها ليست ظاهرة جديدة تقع بين مسؤولي النظام الإيراني حيث وقعت مثل هذه الخلافات في السابق عندما احتدم الخلاف بين نجاد وخامنئي حول إبعاد مشائي من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية حيث أنّ هذه الخلافات قديمة حديثة تطفو على السطح تبعاً للأحداث ويرى البعض أن الخلاف بين نجاد وخامنئي تعود أساساً لمسألة مليارات الدولارات من عائدات النفط وطريقة إنفاقها .
بعد أن طفت الخلافات بين المسؤولين الإيرانيين مؤخراً الى السطح وظهرت الى الإعلام حاول المسؤولون الإيرانيون التسترعليها لكن جهودهم لم تفلح هذه المرة بعدما اشتد الخلاف وأخذ أبعاداً من التصدع بين قادة النظام فما شهدته المنطقة العربية من ثورات أصبح شعار تصدير الثورة الإيرانية شعاراً باهتاً حيث كان يتغنى المسؤولون الإيرانيون بأنهم أصحاب نظام جاء نتيجة ثورة يفتقد العرب لمثلها وكذلك بعدما فشلت المعارضة البحرينية من تلبية مطالب الحكومة الدينية في إيران من الإطاحة بالحكم الملكي وإنشاء نظام ديني حليف لطهران وأيضاً بعد دخول سوريا واجهة الأحداث وثار الشعب السوري ضد النظام الحليف لطهران وهتف ضد إيران وحزب الله الحليف الأكثر تنظيماً في لبنان لطهران بدأ النظام الإيراني يشهد حالة من التشرذم والخوف على مصيره خاصة أن ربيعه بات ينتهي وبدأ الخريف يعصف على هذا النظام بعدما شهد إقليم الأحواز ثورة شعبية عارمة تنذر بالاتساع رقعتها في بقية الأقاليم غير الفارسية مما يهدد كيان الدولة الفارسية بخطر التمزق والتفكك لو استمر النظام بسلوكه القمعي لأبناء الشعوب غير الفارسية على حاله .
هذا وحاول النظام الإيراني هذه المرة كما في السابق البحث عن كبش فداء ليلقي عليه لوم ما حصل من إخفاقات للمشروع الإيراني في المنطقة وخطر سريان عدوى الثورات العربية لإيران من بوابة الأحوازالذي يهدد كيان النظام في بقية الأقاليم غير الفارسية والأكثر ملفتاً فيما يدور بين أروقة الحكم الإيراني ليس تصدع هذا النظام فحسب وإنما تزامن ذلك مع ثورات تشهدها مناطق يسكنها شعوب غير فارسية وعلى رأسها منطقة الأحواز التي شهدت أحداثاً دامية وقمعاً لم يسبق له مثيل في الدول العربية والتي سبقتها ثورات احتجاجية حيث أن النظام يخشى أن تنتشر عدوى الإحتجاجات في مناطق غير فارسية أخرى من إيران مما يصعب عليها السيطرة على مثل هذه الثورات فبات النظام الإيراني يعيش مرحلة “نكون أو لا نكون” على وقع الثورات الشعبية ونسي مبدأ إخفاء خلافته جراء صدمة الإحتجاجات التي ستمتد رقعتها كما أسلفت حتى تصل الى مطالبها .من هنا فاجئنا خامنئي برفض استقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي الأحد في خطوة ينظر إليها على أنها تصعيد سياسي.
فمطالبة المرشد و من وراءه البرلمان نجاد لإبقاء مصلحي بالاستمرار في عمله كوزير للمخابرات بعدما رفض الزعيم الأعلى استقالته مؤشر واضح على اتساع رقعة الخلافات بين المسؤولين والقادة الإيرانيين وذلك نتيجة الفشل الذريع في مشروع تصدير الثورة.
ويرى الكثير من المحللين إن قرار خامنئي الإبقاء على مصلحي في منصبه يكشف عن قرار المرشد الاعلى في إيران على أن يكون له القول الأخيروكلمة الفصل في المناصب الحساسة في البلاد
فمن الناحية التقليدية يتعين موافقة الزعيم الأعلى على تعيين الوزراء الرئيسين لمناصب مثل المخابرات والدفاع والشؤون الخارجية. وغيرها من المواقع التي يرى المرشد ضرورة في ختيار الأكفاء لشغل المناصب أو عزل من يريد لطن وقف نجاد في وجه خامنئي ولم يتراجع عن قراره في قضية مشائي إلا بعد تهديد الموالين لخامنئي عزله في البرلمان لكن رغم ذلك كان خامنئي من أكثر المؤيدين لموقف أحمدي نجاد في عدة مناسبات منها النزاع النووي مع القوى الغربية التي تخشى أن تكون الأنشطة النووية الإيرانية مجرد ستار لإنتاج قنابل نووية وفي قضية الأزمة التي عصفت في طهران بعد انتخاب نجاد لولاية ثانية .
فمثلث الأحواز والبحرين والصراعات الداخلية تبقى مصدرإزعاج للنظام الإيراني الى أجل غير مسمى سيؤرق قادته وعلى رأسهم المرشد الذي سيحاول عبثاً أن يضم جميع أطياف النظام تحت عباءته ولكن بعد التغيرات التي ستشهدها الساحة الداخلية نتيجة الثورات التي تقوم بها الشعوب غير الفارسية تحديداً سوف تفقد النظام الإيراني المرجعية التي كان يسعى لها داخلياً وخارجياً واستثمر في سبيل تحقيقها الكثير.
التعليقات (0)